مستقبل المجلس الاقليمي ابو بسمة وسياسة تقسيم الحيز في النقب

د. ثابت أبو راس | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 97، تشرين الأّول 2012
الحكومة الاسرائيلية بأذرعها المختلفة ماضية بتطبيق مخطط برافر حتى بدون اقراره كقانون في الكنيست

 

 

 

 


 

 

د. ثابت أبو راس* | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 97، تشرين الأّول 2012

 

 

في أعقاب مخطط برافر، تنشط اليوم في النقب لجنة برئاسة بروفيسور عيران رازين، عيّنها المدير العام لوزارة الداخلية وأسند إليها مهمة تقسيم الحيز بين السلطات المحليّة في النقب. يُعرّف 800 ألف دونم في النقب على أنهم "منطقة غير مخصصة" (area without jurisdiction)، أي أنها لا تقع تحت سلطة أي مجلس محلّي أو إقليمي، إنما تحت مسؤولية لواء الجنوب في وزارة الداخليّة، وهو اللواء الأكبر في البلاد. تقع الغالبية العظمى لهذه الأراضي في ما تبقى من منطقة السياج المأهولة   بالسكان العرب البدو وسلطاتهم المحلية والقرى الغير معترف بها. وقد قدّم السكان البدو في المنطقة ادعاءات ملكيّة على الأرض تعترف بها الدولة، ولذلك انعكاسات تخطيطية واقتصادية على عرب النقب وسلطاتهم المحليّة وإمكانية الاعتراف، أو عدم الاعتراف، بقراهم.

 


 

 

تقسيم الحيز في النقب

تمتدّ مساحة لواء الجنوب على 14,230 كم مربّع، وهو ما يشكّل 68% من مساحة دولة إسرائيل البالغ 20,770 كم مربّع، أمّا مساحة منطقة النقب فتبلغ 12,835 كم مربع. يُذكر أن المجالس الإقليمية اليهوديّة في لواء الجنوب تسيطر على 11,660 كم مربع، ما يشكّل 86% من مساحة النقب، وما ينعكس على تقسيم الموارد الضريبيّة خاصةً التي تُجبى من معسكرات الجيش، المصانع والمنشئات القطرية في مناطق النفوذ هذه. (كتاب الإحصاء السنوي للنقب، 2006)

تسيطر المدن والبلدات اليهودية على غالبية الحيز المتبقي في النقب. ولم يتبقى للسلطات المحلية العربية إلا جزء صغير من مساحته لا يتعدى الـ 120,000 دونم او اقل من 1% من مساحة النقب.

 

 

 


 

 

لجنة رازين

في نيسان 2012  عين المدير العام لوزارة الداخليّة، عمرام قلعجي، لجنة لفحص "التنظيم المناسب للحيز البلدي ومناطق التخطيط المحلية لقطاع البدو في منطقة بئر السبع". وقد عيّن بروفيسور عيران رازين، احد كبار الخبراء في البلاد في موضوع مناطق النفوذ، رئيسًا للّجنة.  وقد اوضحت صلاحية اللجنة والهدف من إقامتها في كتاب التعيين: " تعزيز أهداف الحكومة كما هو منصوص عليه في القرار رقم 3707 بتاريخ 2011/11/09 بتسريع الإجراءات لتنظيم تسوية إسكان البدو في النقب".  أي بكلمات أخرى تطبيق مخطط برافر. (وزارة الداخلية، 2012).     

من الملفت للنظر أن ممثلي المؤسسة طرحوا في اللجنة قضيّة "إنهاء دور مجلس ابو بسمة وتقسيم الحيز البدوي من جديد" واجمع خبراء عرب وقيادات سياسة كثيرة أن الهدف من ذلك هو إجهاض قرار مشروع الانتخابات للمجلس الإقليمي المعين منذ نهاية 2003 والذي أنجز بعد التوجه لمحكمة العدل العليا.

أقيم المجلس الإقليمي ابو بسمة المعين في نهاية العام 2003 وكان من المفترض أن تتم الانتخابات الأولى للمجلس بعد أربع سنوات من إقامته أي في العام 2007.  أجّلت الانتخابات مرّتين على التوالي، ما دفع بمركز عدالة وجمعية حقوق المواطن للالتماس لمحكمة العدل العليا بهذا الشأن، من جهتها أقرّت المحكمة بوجوب إجراء الانتخابات حتى الرابع من كانون أول 2012. (ملف محكمه رقم 3183/10 حسين الرفاعيّة وآخرين ضد وزير الداخليّة وآخرين)

 


 

 

موقف مجلس ابو بسمة

مثل مجلس أبو بسمة أمام لجنة رازين كل من المجلس المعيّن رحميم يونا ومستشار المجلس د. أهرون زوهر وهو  الذي عمل على بلورة خطة عمل المجلس الإقليمي أبو بسمة كوحدة إدارية واحدة لكل القرى، وعمل على خارطة منطقة النفوق في العام 2003 والتي أقرّت دون وجود أي تواصل جغرافي بين قرى المجلس.

أوصى د. زوهر أمام اللجنة بإقامة مجلسين إقليميين منفصلين. الأوّل- مجلس إقليمي شمالي، ويتكوّن من القرى القائمة على شارع 31؛ أم بطين، السيّد، دريجات، كحلة، مكحول، مولدا وترابين، ويكون مقرّه في مولدا. ومجلس آخر جنوبيّ يشمل القرى القائمة على شارع 25 و 40 وتشمل؛ أبو قرينات، بئر هدّاج، قصر السر وأبو تلول، ويكون مقرّه في الأخيرة.

كذلك، يوصي د. زوهر بعدم ضم أراض غير مخصصة. حيث يرى أن ضمها سيؤدي لتعقيدات كثيرة في عمل المجلس بما يتعلق بالجوانب الإدارية، الاقتصادية والتخطيطية بما فيها تطبيق القانون. كما يرى أن ضم مثل هذه الأراضي لمناطق نفوذ قائمة من شأنه "زيادة التوقعات عند المجتمع البدوي وخاصة مدعي الملكية منهم".

يقترح د. زوهر نزع صلاحية هذه المجالس المقترحة بما يتعلق بأهم وظائفها، أي شؤون التخطيط والبناء، وإقامة لجنة تنظيم وبناء منطقية مشتركة للمجلسين تعمل من بئر السبع. معنى ذلك أن يترأس هذه اللجنة موظفًا يهوديًا ممثلاً لوزارةالداخليّة. (زوهر 2012)

أما اقتراحات رحميم يونا، رئيس المجلس الإقليمي، التي قُدمت للجنة فأتت مطابقة لتوصيات د. زوهر بتقسيم المجلس إلى مجلسين موضحًا أن "مجلس أبو بسمة يركّز عملها وجهده على إقامة وتطوير قرى البدو الجديدة". وأكدت رسالة يونا أن قضية المدخولات الضريبية من المنشئات العسكرية والاقتصادية في المنطقة، مثل مطار نفاتيم، يُمكن أن تحل عن طريق نقل مسؤولية المنشئات ومدخولاتها لسلطة محليّة يهوديّة مثل بلدية عراد أو ديمونا، ومن ثم يُقتطع قسمٌ منها لمجلس أبو بسمة (مجلس إقليمي أبو بسمة، 2012)

 


 

 

ماذا وراء تفكيك مجلس الاقليمي ابو بسمه ؟

اصدرت لجنة رازين تقريرها المرحلي في منتصف شهر آب 2012، أي بعد مزاولة عملها بشهرين. وتضمن التقرير توصية وحيدة بتفكيك المجلس الاقليمي ابو بسمة، حيث جاء في التقرير أنه "لا مكان لاستمرار عمل المجلس الاقليمي ابو بسمة في صورته الحالية" (تقرير اللجنة 2012، ص 15).

لم تفاجئ هذه التوصية أي من المراقبين للأحداث في النقب، لكنها تبيّن الدور الذي انيط بهذه اللجنة  منذ البداية تحت غطاء المهنية. ويقر التقرير المرحلي ان "القضية الاساسية للجنة الحدود، في كل ما يتعلق بأبو بسمه، هي فحص امكانية استمرار عمل المجلس كمجلس اقليمي فقط" (ص11).

ومن المفاجئ ان اللجنة اصرت على تقديم تقريرا مرحليا مع العلم ان لجان الحدود لا تقدم تقارير كهذه قبل انهاء عملها. وتعترف اللجنة في تقريرها انها أمام "مهمة صعبة ومركبة"، ما يتناقض مع سرعة استصدار مثل هذا التقرير بعد شهرين فقط من بداية عملها. تجدر الاشارة إلى ان اللجنة قد دعت ممثلي المؤسسة في جنوب البلاد للمثول امامها في اول جلستين ولم تستمع الى الغالبية الساحقة من ممثلي قرى ابو بسمة والقرى غير المعترف بها قبل اصدار تقريرها المرحلي، حيث يعد مبدأ اشراك الجمهور وسماعهم بمثابة أساس يقوم عليه عمل لجان الحدود. ويرى رئيس لجنة الحدود بروفيسور عيران رازين انها القضية مركزية. حيث كتب في احدى ابحاثه "على اللجنة عدم اتخاذ اية توصية قبل سماع الطرفين" (رازين وحزان، 2000، ص 2). ومن الواضح ان العجلة في استصدار هذه التوصية دون غيرها (صلاحية اللجنة تشمل البلديات العربية البدوية في الجنوب فقط) هو من اجل اعطاء الفرصة لوزير الداخلية بتفكيك مجلس اقليمي ابو بسمة بشكل قانوني.

تستعمل لجنة رازين ادعاء التوزيع الجغرافي لقرى ابو بسمه وبعدها عن بعضها البعض (لم يتغير شيء منذ العام 2003)، لكنها نسيت ان هناك مجالس اقليمية في اسرائيل اكبر من حيث المساحة الجغرافية مثل رامات نيغب وبني شمعون. وتشير اللجنة الى العدد القليل لسكان المجلس والذي لا يتعدى ال 7200 نسمه (حتى نهاية تموز 2012) وينسى ان هناك اكثر من 15  مجلسا اقليميا في البلاد عدد سكانها اقل من هذا العدد ومنها  تمار، لخيش، رمات نيغب، وشاعر هنيغب في النقب.

يبقى تبريرا عنصريا لتفكيك ابو بسمة يجب الإشارة إليه وهو التالي:  "ان مجلس اقليمي بدوي منتخب من المتوقع ان يمسك زمام امور اناس سيفضلون مصالحهم العشائرية والقروية بالأساس (...) إن سلطة محلية بدوية منتخبه ستستصعب تجنيد الموارد من السلطة ألمركزية" (ص 5). اذا  كان الامر كذلك فلماذا تجرى انتخابات في القرى البدوية الأخرى؟  وألا تعشش الحسابات العائلية والطائفية في جميع السلطات المحلية العربية. هناك سلطات محلية عربية في النقب تعمل بشكل افضل من سلطات محلية يهودية مجاورة وخير دليل على ذلك تفكيك عدد من السلطات المحلية اليهودية في الجنوب. ان سياسة التمييز العنصري وخاصة في قضايا الارض والتخطيط كانت ولا تزال العقبة الكبرى امام تطور البلدات العربية في البلاد.

استعملت اللجنة في تقريرها المرحلي  ادعاء البنية التنظيمية لتبرير فشل مجلس ابو بسمة  وتفكيكه عشية اجراء الانتخابات للمجلس، وهذا امر جديد في سياسة وزارة الداخلية. فمن المعروف انه عند فشل عمل سلطة محلية تقوم وزارة الداخلية بفصل رئيسه المنتخب وأحيانا اعضاءه وتعين رئيسا معينا بدله وليس تغيير المبنى التنظيمي للسلطة المحلية. هكذا كان الامر في سلطات محلية مجاورة في السنوات الاخيرة في كل من عراد، اوفاكيم، يروحام وعرعرة النقب. والأسوأ من ذلك هو ان القائمين على السياسة ومنفذيها اليوم هم اصحاب الحظ الاوفر في الاستمرار في قيادة المجلسين الجديدين، المهم ان لا يكونوا عربا من سكان قرى ابو بسمه لئلا يشكلوا عقبة امام مخطط برافر وتطبيقه.

قراءة متأنية للتقرير توضح بانه بعيد كل البعد عن المهنية، أوصت وزارة ألداخلية  بتحضيره على وجه السرعة من اجل الالتفاف على قرار محكمة العدل العليا بإجراء انتخابات في قرى ابو بسمه في 4-12-2012 (ملف رقم  7311/02). هذا التقرير المرحلي والسريع جاء ليخدم سياسة مرسومة مسبقًا على يد الحكومة الاسرائيلية حيث ورد في رد الدولة على الملف الاول من ملفين آخرين يعارضان اجراء الانتخابات (5819/12) و ملف (6313(12/ وسيبحثان في أكتوبر 2012 في محكمة العدل العليا ان "وزير الداخلية يفحص هذه الايام تبني التوصيات المرحلية للجنة رازين وانه اذا ما اقر تفكيك مجلس اقليمي ابو بسمة الى مجلسين منفردين في الفترة القادمة وقبل التاريخ المقرر للانتخابات سيتم الغاء الانتخابات لان مجلس ابو بسمة لن يعد قائما " (ص 14).  وزارة الداخلية والتي تحث على "تجميع الموارد من خلال توحيد سلطات محلية في البلاد ترى الان، عشية اجراء الانتخابات للمجلس الاقليمي ابو بسمه الحاجة الى تفكيك المجلس وإقامة سلطتين محليتين مكانه.

 

 


 

تلخيص

الحكومة الاسرائيلية بأذرعها المختلفة، بمن فيها لجنة رازين الآن، ماضية بتطبيق مخطط برافر حتى بدون اقراره كقانون في الكنيست. لقد كانت وما زالت المعركة الاساسية تدور حول المساحة المتبقية من منطقة السياج وهي حوالي 800 الف دونم والتي يسكن غالبيتها سكان القرى الغير معترف بها. حسنا لو يتم عقد جلسة تنسيق واحده على الاقل بين السلطات المحلية العربية في الجنوب واللجان المحلية في قرى ابو بسمة واللجان المحلية في القرى الغير معترف بها لوضع خطة ترى في مركزها مبدأ العدل التصحيحي على أثر الغبن الذي حل بعرب النقب وتشمل المطالبة في ضم جميع المنطقة المتبقية من منطقة السياج لمناطق نفوذها بما فيه المنشآت التي تدر المدخولات الضريبية، والمطالبة بانتخابات سريعة للجان المحلية بهذه القرى وتنظيمها.

تفكيك مجلس اقليمي ابو بسمه هدفه لأول هو تأجيل الانتخابات للمجلس وللمرة ألرابعة ومنع سكان قراه من ممارسة حقهم الديمقراطي بانتخاب ممثليهم وبالتالي تمرير مخطط برافر دون مقاومة محلية رسمية.

 
*د. ثابت أبو راس هو مدير مكتب عدالة في النقب.

 


 

مصادر

تقرير مرحلي لجنة الحدود رازين (2012)

وزارة الداخلية (2003) تقرير اللجنة لفحص المبنى البلدي وحدود البلدات الجديدة (ابو بسمه) في لواء الجنوب ( لجنة زوهر).

وزارة الداخلية (2012)، كتاب تعيين لجنة لفحص " التنظيم المناسب للحيز البلدي ومناطق التخطيط المحلية لقطاع البدو في منطقة بئر السبع".

زوهر، ا. (2012) قضايا متعلقة بمجلس اقليمي ابو بسمه، ورقه مقدمه للجنة الحدود رازين.

كتاب الاحصاء السنوي للنقب ((2006). بئر السبع، جامعة بن غوريون: معهد التطوير المنطقي.

مجلس إقليمي ابو بسمه (2012) ، ورقة موقف: رسالة إلى لجنة التحقيق لتغيير الحدود وتقسيم الموارد الضريبية، مقدمه من مجلس إقليمي ابو بسمه.

رازين، ع. & حزان، أ. (2000)، عملية تغيير مناطق نفوذ بلدية والديمقراطية المحلية مقابل "التحكم من فوق". القدس: معهد فلورسهايمر.

ملف محكمة رقم 3183/10 حسين الرفاعية وآخرين ضد وزير الداخلية (ملف عدالة)

ملف محكمه رقم  12/5819 حسن الأطرش ضد وزير الداخلية

ملف محكمه رقم 6313/12 أهالي مجلس إقليمي أبو بسمة ضد وزارة الداخلية

ملفات متعلقة: