النزاعات حول الأراضي في إسرائيل: قضيّة بدو النقب

د. ثابت أبو راس | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 24، نيسان 2006
إنّ الصّلة بين البدو والأرض هي صلة شموليّة. إنّها عمليًّا المورد الوحيد الذي يرسّخ حياتهم

 

 

د. ثابت أبو راس* | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 24، نيسان 2006

 

 

 

 

 

المقدّمة

 

 

 

 

 

يعيش أكثر من 160،000 نسمة من العرب البدو في منطقة النّقب في جنوب إسرائيل، وهم يشكّلون 25% من سكّان المنطقة. ويعيش ما يقارب نصفهم في 38 قرية لا تعترف الدّولة بها، لا بل تدّعي ملكيّتها لها.

 

لطالما اعتبرت الدولة البدوَ عائقًا في تطوّر النقّب. وقد اتّخذت الحكومة الإسرائيليّة، في السنوات الأخيرة، إجراءات واسعة النطاق ومدمّرة ضدّ البدو الذين يعيشون في القرى المعترف بها وغير المعترف بها في النقب، على حدّ سواء. وتشمل هذه الخطوات رشّ الحقول الزراعيّة بالمبيدات لإتلاف المحاصيل، اقتلاع الأشجار، مصادرة المواشي، تدمير البيوت وجعل تطبيق قوانين التخطيط والبناء في المنطقة أكثر صرامةً. إضافة إلى ذلك، قام مجلس الأمن القوميّ (وهو هيئة مكوّنة من ضبّاط جيش سابقين ذوي رتب عالية) بالتوصية بإعداد خطّة سيتمّ تقديمها إلى الحكومة، تعالج مسألة البدو، تدّعي بأنّ "الدولة قد أبدت قدرتها حتّى الآن في التعامل مع تحدّيات معقّدة من ناحية تنظيميّة وقانونيّة وما يتعلّق بالميزانية، في تطبيق خطة "فك الارتباط" ]عن قطاع غزّة[. وفي ما يخصّ المسألة البدوية، فإننا نوصي (مجلس الأمن القومي) بتبنّي مبدأ مشابه" (براور وساربوس، 2006).

 

بعد توقّف زمنيّ دام أكثر من 20 عامًا، قرّرت الحكومة أن تجدد المداولات في المحاكم حول  النّظر في ادّعاءات الملكيّة التي يقدّمها العرب البدو. إنّ ما دفع الحكومة إلى تجديد هذه التحقيقات كان الرغبة في طرد البدو عن أراضيهم. إنّ هذا العمل يهدّد بحلّ نسيج العلاقات الدقيق بين البدو، كما يهدّد بتدمير ما تبقّى من الثّقة وعلاقات العمل بين العرب سكّان جنوب إسرائيل وبين الدولة. سأتناول في هذه المقالة خلفيّة وتطوّر مسألة البدو/ الأراضي في النقب، وسوف أقترح سلسلة من التوصيات للوصول إلى حلّ أخلاقيّ.

 

تعريف المشكلة

في كانون الأوّل من العام 2000، وعشيّة بدء ولايته كرئيس حكومة، نشر أرئيل شارون مقالاً في مجلّة Land، تحت عنوان "الأرض كأداة اقتصاديّة لتطوير البنية التحتيّة وتقليص الفجوات الاجتماعيّة بشكل ملموس." يحتوي المقال على الوصف التّالي لمشكلة البدو/ الأرض:  

 

في النقب، نحن نواجه مشكلة جديّة: نحو 900,000 دونم من أراضي الحكومة ليست بأيدينا، وأنّما هي بأيدي السكّان البدو. [التشديد ليس في الأصل [إنني، كمقيمٍ في النقب، أرى هذه المشكلة كلّ يوم. إنّها، في الأساس، ظاهرة ديمغرافيّة... نتيجة للضّعف، ولربّما أيضًا نتيجة لنقص الوعي حول هذه المسألة، فإننا، كدولةٍ، لا نفعل شيئًا لمواجهة هذا الوضع... إنّ البدو ينتزعون مناطق جديدة. إنّهم يقتطعون من احتياطيّ أراضي الدولة، ولا أحد يقوم بأمر جدّي بشأن ذلك (شارون، 2000).

 

بعد مرور ثلاث سنوات، في كانون الأوّل من العام 2003، كتب البروفيسور إسماعيل أبو سعد، وهو من السكّان البدو في النقب، مقالاً للمجلّة نفسها، تحت عنوان: "شكوى البدو: "كيف يُمكن أن يُطلق علينا متطفّلين إذا كنّا نحن وأجدادُنا نعيش في النّقب منذ آلاف السّنين؟". كتب أبو سعد ما يلي:

 

تدّعي السلطات الحكومية أنّ البدو لا يمتلكون الأرض. لكن، ما الذي يمكن فعله، تاريخيًّا، حين ندرك أنّ البدو لم يسجّلوا أرضهم أبدًا لدى دوائر الأراضي الحكوميّة؟ هل يمكن لذلك أن يحرمهم من الملكيّة؟ لقد نظر البدو إلى المسألة الشّاملة المتعلقة بملكيّة الأراضي كنوع من أنواع المفارقة. ويسأل البدو "كيف يكون ذلك ممكنًا بأنه في العشرينيّات والثلاثينيّات من القرن الماضي، قام كلّ من الصندوق القومي اليهودي والوكالة اليهودية بشراء أراضٍ في النقب من أصحابها البدو، وهم اليوم، فجأة، ليسوا أصحاب الأراضي؟ ما الذي تغيّر؟"... إنّ النقب فسيح بما فيه الكفاية لكي يلبّي– في الحاضر والمستقبل - جميع احتياجات السكّان الإسرائيليين. لكن، ثمّة مكان كافٍ لتلبية احتياجات السكّان البدو، أيضًا. إنّ الحلّ الصحيح يجب أن يكون مقبولاً على الطرفين (أبو سعد، 2003).

 

بعيدًا قبل ذلك في العام 1963، كتب موشيه ديّان مقالاً لجريدة "هآرتس" حول مشكلة سياسة الأراضي والبدو في إسرائيل:

 

يجب جعل البدو عمّالاً محلّيين في الصّناعة، الخدمات، البناء والزراعة. 88% من السكّان الإسرائيليين لا يعملون في الزراعة. سيتمّ شمل البدو ضمنهم. لكن، سيكون الانتقال حادًا. ويعني ذلك أن البدويّ لن يكون على أراضيه ومع قطيعه؛ سيكون من سكّان المدينة يجيء إلى البيت في الأصيل وينتعل حذاء البيت. سيكون على أطفاله أن يقبلوا الأب الذي يرتدي البنطلون، لا يحمل الخنجر، ولا يزيل قمل الرأس على الملأ. سيذهبون إلى المدرسة وشعرهم مُمّشط ومفروق. ستكون تلك ثورةً. كيف يمكن تنظيم ذلك خلال جيلين؟ ليس بواسطة القوّة، وإنّما عبر توجيه حكوميّ. هذه الظّاهرة المسمّاة "بدويّ" سوف تختفي (شمير، 2000).   

 

تعكس هذه المقالات نظرتين متناقضتين حول نفس المشكلة. في الأسطورة الصهيونيّة حول افتداء الأرض يتمّ النظر إلى الصحراء كمكان قاحل يجب إعادة إحيائه وجعله مزهرًا. لقد تمّ النظر إلى البدو على أنهم جزء من الطبيعة، مجموعة من الرحَّل الذين لا صلة لهم بالأرض. في المقابل، نظر البدو إلى أنفسهم كسكّان الصحراء ومالكي الأراضي فيها.

 

إنّ حقيقة أنّ حكومات إسرائيل لم تعترف أبدًا بحقّ البدو في أراضيهم تجعل من البدو مجرمين أو منتهكين للقانون في نظر السكّان اليهود. وفي ظلّ غياب إثبات قانونيّ واضح من قبيل سجلات تسجيل الأراضي، فإنّ المحاكم الإسرئيليّة تتبنّى الرأي الشّعبيّ من خلال فهم البدو بأنّهم رحّل، لا أرض لهم ولا جذور (الهزيّل، 2004).

 

تاريخ المشكلة

تُملي سياسة الأرض الخاصّة بإسرائيل أنّه لا يمكن أن يتمّ بيع أيٍّ من "أراضي الدولة". إنّ الحكومة تؤجّر الأراضي، لمدّة 49 عامًا، لهيئات ومؤسّسات يهودية، في الأساس. إنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في العالم التي توجد فيها نسبة أعلى من 93% من الأراضي بملكيّة الدولة. فلا توجد في إسرائيل سوق عقارات حرّة. ويمتلك المواطنون العرب في إسرائيل، الذين يشكّلون 19% من سكّان الدولة، 3.5% من الأراضي فقط، وهناك 2.5% من الأراضي فقط واقعة تحت النفوذ القضائي للسّلطات المحليّة العربيّة.

 

كان البدو، حتى إقامة دولة إسرائيل في العام 1948، بغالبيّتهم، السكّان الوحيدين في النّقب. في العام 1947، عاش أكثر من90,000  من البدو، أبناء 96 عشيرة مختلفة، على مساحة تمتدّ جنوبًا من كريات جات وأشدود. ووفقًا لمصادر عديدة، ومن ضمنها المصادر اليهوديّة، فإنّ هؤلاء البدو كانوا يمتلكون نحو مليوني دونم من الأراضي، وهم يحتفظون بها بموجب نظام متّفق عليه وواضح يتعلّق بحقوق الملكيّة. وقد تمّ تقسيم الأراضي وفقًا لاتفاقات عشائرية (شمير، 2000؛ الهُزيّل، 2004).       

 

كانت الأرض على الدوام المورد الأهمّ في حياة البدو. وحظي هؤلاء الذين امتلكوا قطعة أرض كبيرة بمكانة اجتماعيّة عالية؛ وأمّا مَن لا أرض لديهم فقد باتوا في المكانة الدنيا في المجتمع البدويّ في النقب. إنّ معظم الأراضي في النقب امتلكها البدو بالوراثة، من دون أيّ مستند خطّيّ من أيّ نوع كان.

 

في العام 1858، سنّ الأتراك قانونًا يقضي بأن يتمّ تسجيل أسماء مالكي الأراضي رسميًّا كوسيلة لتنظيم الشّؤون المتعلّقة بالأراضي في الأمبراطورية العثمانيّة. لقد كانت هناك خمس فئات من أنواع الأراضي في الأمبراطورية العثمانيّة: "المُلك" (الأراضي الواقعة تحت ملكيّة خاصّة)، "الميري" (الأراضي التي تملكها الدولة والتي يمكن حراثتها مقابل أجر يدفع مرّة واحدة)، "الموقوفة" (الأراضي الموضوعة بوديعة دينيّة أو أراضي الوقف الإسلاميّ)، "المتروكة" (الأراضي البائرة)، "المُوات" (الأراضي البور غير الملائمة للحراثة). إنّ معظم الأراضي في النقب صنِّفت ضمن فئة "المُوات". لقد عارض بدو النقب وضع وثيقة خطيّة لممتلكاتهم في الأرض، لأنّهم في حال قيامهم بذلك فإنّهم سيصبحون رعايا تحت حكم أجنبيّ. وبالتّالي، سيفرض عليهم دفع الضّرائب والخدمة في الجيش العثمانيّ.

 

في العام 1921، أصدرت حكومة الانتداب البريطانيّ أمرًا يدعو سكّان النّقب لتسجيل أراضيهم. غير أنّ البدو، الذين منحوا تمديدًا لمدّة شهرين، لم يفعلوا ذلك، وبقيت أراضيهم غير مسجّلة. ووفقًا لمرسوم الأراضي (المُوات) للعام 1921، فقد تمّ منح البدو الذين عملوا في الأرض "الموات" وأعادوا إحياءها وأصلحوها، شهادة ملكيّة على تلك الأراضي، التي تمّ تصنيفها بعد ذلك ضمن فئة الأراضي "الميري". إنّ محاكم دولة إسرائيل الفتيّة، التي نشأت بعد ذلك بـ27 عامًا، قضت بأنّ كلّ بدوي أضاع فرصة تسجيل الأرض "الموات" على اسمه في العام 1921، ولم يحصل على شهادة ملكيّة، لم يعد مؤهّلاً لفعل ذلك (بن – دافيد، 1996).   

 

أراضي النقب في أعقاب قيام دولة إسرائيل

قبل قيام دولة إسرائيل، نجحت المؤسّسات اليهوديّة في شراء نحو 95,000 دونم من أراضي النقب. ولم تظهر أولى المستوطنات اليهودية في النقب إلا في العام 1946. ومع قيام الدولة، نشأت الحاجة الملحّة للمستوطنات اليهودية، من أجل "إخضاع القفر". وخلال حرب العام 1948، تمّ فرار أو طرد معظم البدو العرب إلى الأردنّ، قطاع غزّة ومصر. وبقي في النّقب تقريبًا نحو 10,000 نسمة فقط. وقرّر رئيس الحكومة الإسرائيليّة الأوّل، دافيد بن غوريون، تركيزهم في شمال شرق النّقب، ضمن منطقة تبلغ مساحتها 1.5 مليون دونم يُطلق عليها "السّياج"، حيث يسكن الآن بالفعل آلاف من البدو (يُنظر الخريطة رقم 1) (يفتحئيل وكيدار، 2000؛ بن- دافيد، 1996). مع مرور الوقت، ساهم جعل البدو أصحاب الأراضي إلى جوار هؤلاء الذين تمّ طردهم عن أراضيهم، إلى حدوث انشقاق عامّ قسّم السكّان إلى قسمين. وأصبح هناك الآن "السّمران" (وهم في الأساس أصحاب الأراضي) و"الحمران" (وهم في الأساس الذين فقدوا أراضيهم وتمّت إعادة توطينهم في "السياج"). وقد وُعدَ الأخيرون بأنّ ترحيلهم عن أراضيهم هو عبارةً عن إجراء مؤقَّت وبأنّه سيكون بمقدورهم العودة إلى بيوتهم خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. في العام 1951، تمّ فرض الحكم العسكريّ على السكّان العرب في إسرائيل، ومن ضمنهم بدو النقب. وقد تمّت مصادرة أراضي البدو، وصودر معظمها بموجب قانون امتلاك الأراضي للعام 1953، الذي نصّ على أنّ أيّ أراضٍ لم تكن بملكيّة أصحابها في نيسان العام 1952 يمكن تسجيلها كأملاك دولة. حتى ذلك الوقت، كان البدو قد طردوا فعلاً عن أراضيهم ورحّلوا إلى مناطق أخرى، ومُنعوا من العودة إليها عبر تقييدات فرضها الحكم العسكريّ. وكان قد تمّ خلال ذلك الوقت إنشاء "بلدتي تطوير" (ديمونا في العام 1955 وعراد في العام 1962) على أجزاء من أراضي "السّياج".

 


Map No. 1

الخريطة رقم 1

 

 

في أعقاب انتهاء الحكم العسكري في العام 1966، قرّرت الحكومة الإسرائيلية تمدين البدو، مركّزةً إيّاهم في مناطق مدينية بُنيت لهذا الغرض. وكانت أوّل مدينة كهذه هي تل السّبع، والتي كان تأسيسها مشوبًا بعدد كبير من الأخطاء التّخطيطية، والتي أصبحت واضحة عند بناء المركز المدينيّ الثّاني رهط، الذي أقيم في العام 1972. أما بلدتا كسيفة وعرعرة فقد أقيمتا في العام 1982 لغرض توطين البدو الذين تمّ طردهم عن أراضيهم في تل ملهاتا إثر الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وبناء المطار العسكري "نيفاتيم" في الموقع. وتمّت إقامة شقيب السلام في العام 1984 وكلّ من حورة ولقيّة في العام 1990 (يُنظر الخريطة رقم 2).   


Map No. 2

الخريطة رقم 2

 

 

بعد انتهاء الحكم العسكريّ، حاولت حكومة إسرائيل تسجيل الأراضي على اسمها عبر ادّعاءات الملكيّة عليها. وحاول البدو، بطريقة مماثلة، تسجيل الأراضي على اسمهم. وتم وضع حد لادعاءات الطرفين في العام 1974، عندما تبنّت الحكومة توصية بليا ألبيك (الذي ترأس "قسم المواطنين" التابع لوزارة القضاء) بتجميد جميع الإجراءات القانونيّة المتعلّقة بادّعاءات الملكيّة في محاولة للتوصّل إلى تسويةٍ مع البدو تقدّم قدرًا معيّنًا من التّعويض. وفي أوائل العام 1975، اقترح ألبيك، نيابةً عن الحكومة الإسرائيلية، أن يحافظ البدو على ملكيّتهم لـ- 20% من الأراضي وأن يتمّ تعويضهم عن ال-80% الباقية من الأراضي بقيمة 2,000 شيكل للدونم (بن- دافيد، 1996؛ بن- دافيد، 2004).

 

رفضَ البدو هذه الاقتراحات. وكان البعض قد حاولوا بالفعل وفشلوا عشرات المرّات في تسجيل الأرض على أسمائهم بشكل قانونيّ. وقد جاءت الضربة الأخيرة على شاكلة قرار يُعتبر بمثابة سابقة صدر عن قاضي المحكمة المركزية حليمة، الذي أقرّ بأنّه وفقًا للتّعريف فإنّه ليس للبدويّ أيّة صلة، ولا يمكن أن تكون له أيّة صلة، بالأرض. لقد نجحت الحكومة حتّى الآن في تحقيق تسوية لـ115,000  دونم فقط من الأراضي. وبعضًا من هذه الأراضي، حوالي60,000  دونم في منطقة تل ملهاتا، كان قد صودر في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وبناء مطار "نيفاتيم".

 

طوال السّنوات العشرين الماضية، كفّ البدو عن محاولاتهم لتسجيل أراضيهم. والنتيجة الواضحة هي فرض الأمر الواقع في ما يتعلّق بالمنطقة المتنازع عليها: يستمرّ البدو في العناية بالأرض وبناء مبانٍ خفيفة عليها مثل بيوت الصفيح أو البراكيّات (بن- دافيد، 2004؛ بن- دافيد، 1996).

 

أراضي النقب اليوم

هنالك حاليًّا ادّعاءات ملكيّة معلَّقة من قبل العرب البدو تتعلق بـ 776,000 دونم من الأراضي في النقب. وتعترف الحكومة بهذا النوع من الادّعاء. لكن، وفقًا لسياسة الحكومة، التي تبنّتها المحاكم، فإنّ البدو لا يمتلكون الأرض. وبدلاً من ذلك، فإنّهم يتمتّعون بحقّ في "الوصاية" الممنوح لهم كلفتةٍ عن طيب نيّة من طرف الحكومة.

 

يشغل البدو (في البلدات والقرى المعترف بها وغير المعترف بها على حدّ سواء)، من مجمل منطقة النقب البالغة 12,918,000 دونم،240,000  دونم أو ما يعادل 1.8% من الأراضي. ويشغل سكّان القرى غير المعترف بها180,000  دونم، أو ما يعادل 1.3% من الأراضي (الهزيل، 2004). يُقدّر مجمل مساحة الأراضي التي يُطالب بها البدو بـ5.4%  من إجمالي مساحة أراضي النقب (بن- دافيد، 2004).

 

إنّ عدم وجود خارطة هيكليّة رئيسيّة وتخطيط مناطقيّ لمنطقة السياج، وعدم وجود لجنة تنظيم محليّة تملك صلاحيّة منح تراخيص بناء في المنطقة، والحاجات الناتجة عن التزايد السكاني، شجّعت السكّان على البناء فوق أراضيهم، مُستبدلين الفكرة الراسخة المتعلّقة بـ "البناء غير القانوني" بمصطلح "البناء غير المعترف به". يوجد حاليًّا30,000  مبنى غير مصادق عليه ومبانٍ خفيفة في النّقب، وقد بُني10,000  منها بموادّ متينة. إنّ عمليّة تدمير عشرات البيوت في كلّ سنة أخفقت في ردع السكّان عن مواصلة البناء على أراضيهم.

 

شهدت السنوات الأخيرة عمليّات تطوير متوازية في قضايا الأرض/البدو: من جهة، تزايد التحريض ضدّ البدو، خصوصًا في وسائل الإعلام المكتوبة. ومن جهة أخرى، فإنّ النشاط السياسي الكبير الذي قام به سكّان القرى غير المعترف بها والتنظيمات المختلفة قد دعم نضالهم. إنّ كلّ نجاح أو جهد تقريبًا تمّ القيام به نيابةً عن سكّان القرى غير المعترف بها – توفير الخدمات، التّعليم، الرفاه والصحّة - تمّ تحقيقه نتيجة الإلتماسات التي قُدّمها السكّان والمنظّمات غير الحكوميّة إلى المحاكم.

 

إنّ المخطّط الحكومي الأكثر جديةً لـ"اتّخاذ إجراءات صارمة" لمواجهة مشكلة القرى غير المعترف بها هو "مخطّط شارون". ويأتي في مركزه ترتيب مسألة الأراضي الذي سيتمّ تحقيقه من خلال ادّعاءات ملكيّة تقوم بها الحكومة، هدم البيوت وتطبيق قوانين البناء بشكل أكبر، طرد الغزاة، استثمار طويل المدى في البلدات البدوية القائمة والاعتراف بعدد من القرى غير المعترف بها. وقد خصّصت الحكومة ميزانية قدرها1.25  مليار ش.ج لهذا المخطّط على مدى 6 سنوات. 

 

إنّ الاعتراف بتسع قرى غير معترف بها – قصر السرّ، ملادة، مخول، دريجات، أبو قرينات، أم بطين، بير هدّاج، طرابين والسيد – وإنشاء المجلس الإقليمي أبو بسمة الرسميّ، هما عبارة عن انتصارين جزئيين ادّعاهما المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب (وهو عبارة عن تنظيم تطوّعي مكوّن من جمعيّات محليّة كثيرة تمثّل السكان، تمّ تأسيسه على يد سكان القرى غير المعترف بها في العام 1998). لكن إنشاء المجلس الإقليمي أبو بسمة تم من دون تواصل جغرافيّ بين القرى، خلافًا لمجالس إقليمّية أخرى في إسرائيل. لقد طالب المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب بالاعتراف بجميع القرى الـ38 غير المعترف بها، وتبنّى نموذج المجلس الإقليمي كسلطة محليّة لجميع القرى غير المعترف بها. إن نيّة الحكومة السّاعية إلى ترحيل سكّان بقيّة القرى غير المعترف بها إلى تسع قرى جديدة معترف بها ستتمّ معارضتها بشراسة من قبل أبناء المجتمع البدويّ والمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، ومن المرجّح أن يؤدّي ذلك إلى مواجهة قاسية مع السّلطات. ويرى البدو في محاولة تركيزهم ببلدات مدينية بمثابة مسعى لفصلهم عن مراكز معيشتهم وعن أراضيهم التاريخيّة، وعملاً عدائيًّا ضدّ وجودهم في النّقب. وفي الوقت نفسه، فإنّهم يشيرون إلى إنشاء عشرات المستوطنات الفردية الواسعة والمعزولة لليهود، وخصوصًا على طول "طريق النبيذ" في النقب. تمّ تطوير هذه المزارع الخاصة استنادًا إلى خطاب "حماية الأرض" (من البدو). البدو، مُمثلين بالمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، يعارضون التّمدين القسريّ، ويحتجّون على عدم كونهم شركاء في القرارات المتعلّقة بإعادة توطينهم.  

 

إنّ إحدى الإستراتيجيات التي استخدمها المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها لمعارضة مخطّط شارون كان المبادرة إلى تأسيس منتدى معًا، الذي يتألّف من 32 تنظيمًا محليًّا وقطريًّا، من اليهود والعرب. لقد عبّر هذا المنتدى بصوت عالٍ عن معارضته للحلول القسريّة ودعا إلى إجراء حوار فوريّ بين الحكومة وبين ممثّلي القرى غير المعترف بها. 

 

 

الاستيطان اليهودي على أراضي البدو

 

إنّ التحريض ضدّ البدو وتصويرهم بأنّهم غزاة لأراضي الدّولة، حثّ الحكومة الإسرائيلية على التخطيط لبلدات يهودية جديدة، "لحماية أراضي الدولة". إنّ الحكومة الراهنة، التي كان يقودها حتى وقت متأخّر أرئيل شارون، ويقودها الآن إيهود أولمرت، خطّطت لإقامة العشرات من البلدات الجديدة والمزارع الفردية المنفصلة في النقب. لم يتمّ إنشاء هذه المزارع بسبب الحاجة الضرورية لتقوية المناطق النائية: توجد في النقب حاليًّا 13,000 شقة سكنية خالية، وهناك العديد من القرى والمدن القائمة التي هي على شفا الانهيار. ويستد

ملفات متعلقة: