قانون الإجراءات الجنائية و"المعتقل الأمني" الغائب: كسب الوقت للتحقيق والتعذيب

المحاميّة ريما أيّوب | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 105، حزيران 2013
قواعد مؤذية ومسيئة في اعتقال المشبوهين بمخالفات أمنية> كانت وسوف تظلّ وصمة عارٍ لا تمّحى.

المحاميّة ريما أيّوب | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 105، حزيران 2013

 

قانون الإجراءات الجنائية (تحقيق مع المعتقلين المشبوهين بارتكاب مخالفات أمنية)، هو قانون مؤقت يستمر سريانه مدة 9 سنوات (2006-2015)، وهو اعتقال إسرائيل لأشخاص مشبوهين بارتكاب "مخالفات أمنية". الغالبية المطلقة من الأشخاص الذين يسري عليهم القانون هم من المواطنون الفلسطينيين في إسرائيل وفلسطينيين من سكان قطاع عزة. وهناك أوامر عسكرية موازية تسري على الفلسطينيين في سكان الضفة الغربية.

 

 وقد سن هذا القانون بدايةً عام 2006 "كقانون مؤقت"، لكن جرى تعديله وتمديده عدة مرات، كان اخرها في نيسان 2013، وسيبقى ساري المفعول حتى العام 2015، الأمر الذي يجعله يبدو "كقانون ثابت". ويرمي القانون منح سلطات الأمن الإسرائيلية المزيد من الوقت للتحقيق مع أشخاص دون الحاجة إلى تدخل المحاكم، المحامين أو أبناء عائلته. ويفرض القانون إجراءات صارمة تمسح لسلطات الأمن بعدم إحضار المعتقل المشبوه بارتكاب مخالفات أمنية أمام قاضٍ لمدّة 96 ساعة بعد الاعتقال. كما يسمح القانون المؤقت للمحاكم بتمديد اعتقال المشبوه بمخالفات أمنية لمدة أقصاها 20 يومًا في كل مرّة وإجراء المداولات لتمديد الاعتقال بدون حضور المعتقل.

 

يعرّض استعمال هذا القانون كلّ مشبوه بارتكاب مخالفات أمنية إلى مسّ خطير في حقوقه الدستورية، حيث أنه يسمح بسلب حريته أولاً بدون رقابة قضائية، وفي مجرى القضية وحين يجري البحث أمام المحكمة يُحظَر عليه الحضور ولا يستطيع الرد على الادعاءات الموجهة ضدّه. محاكمة الشخص غيابيًا تمنح جهاز الأمن العام (الشاباك) فرصة التحقيق باستخدام التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والقاسية والمهينة كوسيلة ضغط لابتزاز اعترافات باطلة وزائفة من المعتقلين. علاوة على ذلك، فإن تطبيق تعليمات القانون هذه ومنع اللقاء مع المحامي يؤدّيان إلى احتجاز المعتقل في العزل. هذه الأوضاع في مجملها من شأنها أن تعرّض المعتقل إلى خطر التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية، المهينة والقاسية، بدون أية إمكانية للدفاع عن حقوقه.

 

 

أ.  تسلسل القانون

 

في الأصل تم سنّ القانون عام 2006 كأمر مؤقت ولكن جرى تمديده في التعديل الأول عام 2007 لمدة ثلاث سنوات([1]) وفي التعديل الثاني عام 2010 مُدد لسنتين إضافيتين ([2]). وهنا أجريت تعديلات في بنوده مقارنة مع القانون الأصلي، كما سنفصّل أدناه. وفي الآونة الأخيرة، في شهر نيسان 2013، في التعديل رقم 3 ([3])، جرى تمديد القانون حتى 31 كانون أول 2015، بحجّة أنه ستجري في هذه الفترة مباحثات ومداولات حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب([4]) الذي يدمج في داخله المضامين الموجودة في القانون المؤقت.

 

في عام 2007 قدّمت المرافعة العامة استئنافًا للمحكمة العليا([5]) باسم معتقل فلسطيني، وذلك في أعقاب قرار في محكمة أخرى بتمديد اعتقاله غيابيًا حسب البند 5 في القانون (فيما يلي "قضية فلان"). وقد تحدد الموعد لبحث الملف أمام ثلاثة قضاة في أواسط عام 2008. وقبل أن يحين موعد التداول في الملف قدمت ثلاث منظمات حقوق إنسان، وهي مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن واللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب في إسرائيل، التماسًا([6]) لإلغاء القانون كلّيًا لكونه غير دستوريّ. وقررت المحكمة العليا توحيد البحث في الملفين وبحث الالتماس أمام هيئة قضاة موسّعة.

 

وفي آذار عام 2009 قررت المحكمة في بحثها الالتماس، وبموجب رأي الأغلبية، النظر في مواد سرّية طلبت الدولة عرضها بحضور طرف واحد. وهنا طلب الملتمسون شطب الالتماس، وذلك احتجاجًا على هذا الإجراء غير المسبوق وغير الشرعيّ، الذي بموجبه سيتم حسم مسألة دستورية قانون استنادًا إلى مواد سرّية. الالتماس جرى شطبه إذًا، وبقي على حاله الاستئناف الذي قدمته المرافعة العامة. وكما ذكرنا، فإن الاستئناف في قضية فلان يتناول مسألة عدم حضور المعتقل في جلسة بحث تمديد الاعتقال. وقد قبلت المحكمة الاستئناف وأصدرت أمرًا بإلغاء البند الخامس باعتباره بندًا غير تناسبيّ. أمّا قضية تمديد الاعتقال بدون رقابة قضائية وقضية تمديد الاعتقال من قبل قاضٍ حتى مدة أقصاها 20 يومًا كل مرّة، واللتان طالبت منظمات حقوق الإنسان بإلغائهما، فقد ظلّتا بدون بحث.

 

ب. الترتيبات الأساسية في القانون

وفيما يلي سوف نستعرض الترتيبات الأساسية في القانون، بما في ذلك التغييرات في التعديل رقم 2:

 

البند 3 - تأخير إحضار معتقل مشبوه بمخالفة أمنية أمام قاضٍ –

البند رقم 3 في القانون ينص على أنه بالرغم من تعليمات البندين 17(جـ) و29 في قانون الاعتقالات – قانون الإجراءات الجنائية (صلاحيات التنفيذ – اعتقالات) لعام 1996 (فيما يلي: "قانون الاعتقالات")، اللذين يحددان ضرورة إحضار المعتقل للمثول أمام قاضٍ خلال 24 ساعة، يمكن إرجاء إحضار مشتبه بمخالفة أمنية أمام قاضٍ لمدة 4 أيام بالاستناد إلى قرار ضابط مسؤول، في البداية لمدة 48 ساعة إذا كان وقف التحقيق من أجل إحضار المعتقل المشبوه بمخالفة أمنية أمام قاضٍ سيؤدي إلى المسّ في التحقيق (البند 3(أ)). وبعد ذلك يجوز للضابط المسؤول تمديد فترة الإرجاء لمدة 24 ساعة إضافية إذا قرر هو وجهاز الامن ان وقف التحقيق سيُلحق في التحقيق ضررًا حقيقيًا من شأنه أن يحبط منع إلحاق الأذى بحياة الإنسان (3(أ) (2)). علاوة على ذلك، فإن المحكمة مخوّلة إرجاء إحضار المشتبه فيه بموجب السبب الأخير لمدة 24 ساعة أخرى (البند 3(أ) (3))، وذلك في الوقت الذي تجري فيه المداولات في المحكمة بدون حضور المعتقل.

 

البند 4 - تمديد الاعتقال حتى 20 يومًا بأمر واحد وحتى 35 يومًا قبل تقديم لائحة الاتهام

 

البند 17 والبند 17(أ) في قانون الاعتقالات ينصان على أنه يجوز للقاضي إصدار أمر باعتقال المشتبه فيه بحضوره لمدة لا تزيد عن 15 يومًا. وينصّ البند أيضًا على أن القاضي مخوّل تمديد مدّة الاعتقال، من حين لآخر، لفترات أخرى لا تزيد عن 15 يومًا.

 

القانون المؤقت يغيّر هذا الترتيب وينصّ على أن القاضي له صلاحية في حالة المخالفات الأمنية، بإصدار أمر باعتقال المشبوه لمدة أقصاها 20 يومًا إذا ما اقتنع أن عدم حبس المعتقل من أجل استمرار التحقيق يعني وجود احتمال شبه مؤكد لإحباط الجهود الرامية إلى منع إلحاق الأذى بحياة الناس (البند 4(أ)). إضافة إلى ذلك، في حين ينص البند 17(ب) في قانون الاعتقالات على أن فترة الاعتقال إلى حين تقديم لائحة الاتهام لا تتعدى 30 يومًا، إلاّ إذا جرى تقديم طلب تمديد الاعتقال بمصادقة المستشار القضائي للحكومة، فإن القانون المؤقت يمدّد هذه الفترة إلى 35 يومًا قبل تقديم لائحة الاتهام (البند 4(أ) (ب) ).

 

بحث تمديد الاعتقال بدون حضور المعتقل – البند 5

 

بالرغم من إلغاء البند رقم 5 من قبل المحكمة العليا في قضية فلان، فقد جرى سنّ تعديل رقم 2 الذي يتجاوز قرار الحكم ويلتفّ عليه؛ بناءً على التعديل رقم 2:

 

 

أ‌.        للمحكمة العليا الصلاحية في إصدار أمر بتمديد اعتقال المشتبه فيه بدون حضوره.

ب‌.    تستطيع المحكمة العليا استخدام صلاحيتها بناءً على طلب رئيس قسم التحقيقات في جهاز المخابرات العامّة (الشاباك) الذي جرى تقديمه بموافقة المستشار القضائي للحكومة؛

ت‌.    تستطيع المحكمة التمديد لفترات إضافية لا تزيد الواحدة منها على 72 ساعة بشرط ألاّ يزيد مجموع الفترات التي يتمّ فيها تمديد الاعتقال بدون حضور المعتقل عن 144 ساعة أو لا يزيد عن بقية الفترة التي بقيت حتى 20 يومًا من موعد البحث الذي جرى بحضوره، حسب الفترة الأقصر.

 

ث‌.    إذا اقتنعت المحكمة أن وقف التحقيق من أجل إحضار المعتقل إلى المحكمة للبحث يعني وجود احتمال شبه مؤكد لإحباط منع إلحاق الأذى بحياة الناس؛

 

جـ. المسّ بالحقوق الأساسية – القانون المؤقت هو "مؤقت - دائم":

 

كون البند رقم 5 فقط، الذي يتناول عدم إحضار المشبوه إلى المحكمة لبحث تمديد اعتقاله، هو فقط الذي تم إلغاؤه في قضية فلان، لا تعطي الشرعية لبقية تعليمات القانون ولا على رغبة المحكمة في بحث دستورية هذه التعليمات في ظلام الأدلّة السرّية.

 

إضافة إلى ذلك، فإن التعديل رقم 2 قد تجاوز قرار المحكمة العليا والتفّ عليه بإلغاء البند رقم 5 الأصلي في قضية فلان. صحيح أنه أدخِلت تعديلات في شروط البند، فيما يتعلق بهوية المحكمة المخوّلة وفي وظيفة مقدّمي الطلب وامتحان سبب المنع وإجراء مداولات أولية قبل البث في اعادة النظر في قرارالمنع (البند 5(ب)) والأسباب التي تسمح بعدم إبلاغ المشتبه فيه بمنعه من حضور المداولات في المحكمة (البند 5(ج)(ب)(1))؛ ولكن مع ذلك كلّه، فإن المفهوم الباطل الكامن في مجرد عدم إحضار المشتبه إلى مداولات تمديد اعتقاله والمسّ غير التناسبي في حقوق المشتبه بقيا على حالهما. وبشكل خاصّ حين يرافق هذا المنع منعُ لقاء المعتقل المشتبه بأنه ارتكب مخالفة أمنية مع المحامي لمدة 21 يومًا بموجب البند 35 في قانون الاعتقالات.

 

في الفقرات المخصّصة لتفسير مسوّدة التعديل رقم 3 ([7])، ادّعت وزيرة القضاء أن الأجهزة الأمنية استخدمت على مدار سنوات الصلاحيات الخاصة على نطاق ضيّق وفقط في الحالات الضرورية جدًا. الادعاء بخصوص الاستعمال المحدود للصلاحيات لا يمكنه أبدًا أن يشكل تبريرًا لتبنّي ترتيب يمسّ بالحقوق الأساسية الدستورية وتحويله إلى وسيلة فعّالة في أيدي سلطة التحقيق.

 

وهكذا فإن الترتيب المؤذي الذي جرى سنّه في القانون لأول مرّة باعتباره قانونًا مؤقتًا يسري مفعوله لمدة سنة ونصف أصبح أمرًا ساري المفعول لمدة تسع سنوات (منذ عام 2006 وحتى اليوم، وسيظلّ ساري المفعول حتى عام 2015). هذه القواعد المؤذية والمسيئة في الترتيب الخاص باعتقال المشبوهين بمخالفات أمنية كانت وسوف تظلّ وصمة عارٍ لا تمّحي، سواء كانت قانونًا مؤقتًا يتجدد من حين لآخر أو قانونًا دائمًا في المستقبل ضمن مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي تجري صياغته حاليًا.

 



[1]   تعديل رقم 1 في القانون – قانون الإجراءات الجنائية (معتقل مشبوه بمخالفات أمنية) (قانون مؤقت) – 2007.

[2]   تعديل رقم 2 في قانون الإجراءات الجنائية (معتقل مشبوه بمخالفات أمنية) (قانون مؤقت) – 2010.

[3]   تعديل رقم 3 في قانون الإجراءات الجنائية (معتقل مشبوه بمخالفات أمنية) (قانون مؤقت) – 2013.

[4]   مشروع قانون مكافحة الإرهاب – 2011. أقرّ مشروع القانون بالإجماع في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في تاريخ 9.6.2013 (فيما يلي: مشروع قانون مكافحة الإرهاب). مشروع القانون يشمل قوانين طوارئ دراكونيّة صارمة في مواضيع عدة من ضمنها تعريف "منظمة إرهابية" و"عضو في منظمة إرهابية"، الاستيلاء على ومصادرة أملاك المتورطين في مخالفات تعرَّف بأنها مخالفات تتعلق بالإرهاب، ومن ضمنها أيضًا ما يتعلق بموضوعنا، أي اعتقال المشبوهين بمخالفات أمنية. الترتيبات المقترحة وشروطها تكدّس مصاعب كثيرة عند الدفاع عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير، حرية التنظيم، الحق في الملكيّة، الحق في الحرية والحق في الإجراء القضائي العادل.

[5]   طلبات جنائية مختلفة 8823/07 فلان ضدّ دولة إسرائيل (لم يُنشَر بعد، صدر في تاريخ 11.2.2010).

[6]   محكمة العدل العليا 2028/08 اللجنة الشعبية ضد التعذيب في إسرائيل وآخرون ضدّ وزير القضاء.

[7]   نُشر مشروع القانون، والتفسير، في مشاريع قوانين الحكومة 750، 22 نيسان 2013، ص 272.

ملفات متعلقة: