العدد رقم 45، شبـاط 2008
غاد برزيلاي
بروفيسور في العلوم السياسية، الحقوق والدراسات الدولية في كلية الدراسات الدولية والحقوق على اسم جاكسون، وفي برنامج القضاء، المجتمع والعدالة في جامعة واشنطن

المعضلة المؤلمة لـ "الاحتلال المتنوّر"

لم يكن بسط صلاحية المحكمة العليا الاسرائيلية للبت في ملفات تتعلق بالمناطق المحتلة خطأ مطلقًا – لا من وجهة نظر إسرائيليين ولا من ناحية الفلسطينيين. فقد كان بمقدور الاسرائيليين استخدام المحكمة حينما كان الأمر مريحًا لهم، بغية فرض تقييدات على عمليات عسكرية في المناطق المحتلة، حتى لو كانت عديمة الأهمية. من ناحية الفلسطينيين، شكّل تقديم التماسات الى المحكمة العليا في شؤون متعلقة بالمناطق المحتلة، وسيلة لتعريف الجمهور بعدد من أقسى حالات المساس بحقوق الإنسان التي نفذتها اسرائيل. مع ذلك، كان لقرارات المحكمة العليا في الملفات المتعلقة بالمناطق المحتلة، عمومًا، تأثير مضرّ يتمثل بمنح ترخيص قانوني رسمي وتوفير شرعية فعلية للاحتلال العسكري الاسرائيلي. فليس فقط أن جميع الالتماسات تقريبًا قد رُفضت، بل سمحت لإسرائيل أيضًا بالادعاء أن السيطرة العسكرية في المناطق المحتلة خاضعة لـ "سلطة القانون". فأسطورة النقد القضائي ووهم "سلطة القانون" كانا الوسيلتين اللتين أنجبتا التعبير المتناقض "احتلال مبرّر".

اليوم، مطلع القرن الحادي والعشرين، بات الضرر الذي تسببه قرارات المحكمة العليا الاسرائيلية في الالتماسات المتعلقة بالمناطق المحتلة أكبر فأكبر. ففي حين أن الالتماسات الفلسطينية الى المحكمة العليا قد تثمر عن عدد من التسويات التي تُبرم خارج جدران المحكمة، فإن المحكمة العليا ستواصل دعم الوضع القائم. وكما يُستدلّ من التناقضات بين قرارات المحكمة العليا الاسرائيلية ومواقف المحكمة الدولية بشأن قانونية "جدار الفصل"، فبدلا من إعطاء الفلسطينيين حماية لحقوق الإنسان، تقوم المحكمة بالدفاع عن الدولة أمام النقد القضائي الفعّال. عمليًا، من شأن وقف الرقابة القضائية من قبل المحكمة العليا على المناطق المحتلة أن تحثّ فلسطينيين على تقديم التماسات وشكاوى أكثر الى المحاكم الدولية. على نحو مشابه، فمن شأن خطوة كهذه أن تجبر الاسرائيليين على الاعتراف بشكل أكثر مباشرة بواقع الضرر القاسي الذي سببه الاحتلال لحقوق الانسان ومبادئ الديمقراطية، سواء في اسرائيل أو في المناطق المحتلة. ختامًا، إن من شأن وقف التوجه الى المحكمة العليا أن يقوّي الجهاز القضائي الفلسطيني وبالتالي دعم الطموح الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة تعيش بسلام الى جانب اسرائيل في حدود الخط الأخضر.

.