العدد رقم 45، شبـاط 2008
رونين شامير
بروفيسور في علم الاجتماع والقانون، وحاليًّا يشغل منصب رئيس دائرة علم الاجتماع والإنسان في جامعة تل أبيب

إن موضوع هذا النقاش ليس بجديد. ففي الثمانينيات، وفي أعقاب فشل محاولات الالتماس ضد هدم البيوت والتهجير القسري وإغلاق الصحف، دعت منظمة التحرير الفلسطينية الفلسطينيّين إلى عدم تقديم الالتماسات للمحكمة الإسرائيلية العليا. وبالمجمل، لم يكترث الرأي العام الفلسطيني بهذه الدعوة. لقد قمت حينئذ ببحث هذه المسألة بهدف فهم نتائج بحث قمت به في الماضي - حول الفرص الضئيلة للفوز بقضية ما، من جانب واحد (Shamir, 1990)، والمساهمة الجلية للمحكمة العليا بشرعنة الاحتلال بعيون الرأي العام اليهودي الإسرائيلي والمجتمع الدولي، من جانب آخر- لماذا لم يتركا أثرًا على نسبة تقديم الالتماسات.

ووجدت (Shamir, 1991) أنه يتعيّن علينا أن نميّز بين "التماسات سياسية" وبين التماسات من طرف أناس عاديّين. فالالتماسات السياسية مقدّمة من طرف أناس يشاركون بصورة مباشرة في النضال التحرّري الفلسطيني وهم يتحلّون بدرجة عالية من الحساسية للإسقاطات الرمزية التي ترافق رفع التماسات للمحكمة العليا. هنالك نزعة قوية سائدة بين أوساط هذه المجموعة ترفض رفع الالتماسات للمحكمة، بينما في أوساط أولئك الذين استمروا برفع الالتماسات سادت فكرة أنه في مقابل الشرعية التي تنتج عن هذه الالتماسات هنالك إسهام لصالح بناء "سجل الاحتلال".

أما الملتمسون من الصنف الثاني، وبخاصّة الأناس العاديّين، فقد رفعوا التماساتهم لأسباب أخرى مختلفة. النسبة الأكبر للالتماسات جاءت من طرف مثل هؤلاء الأشخاص العاديّين. لا يتسم هؤلاء الناس بالسذاجة وهم يدركون أن فرصهم الضئيلة للفوز؛ وعلى الرغم من ذلك، فهم يأملون بفرصة تأجيل عقاب معيّن أو إحراز مساومة ولو طفيفة، وربما وهو الأهم، يسعون إلى الحصول على الاعتراف، إلى إعلاء صوتهم، والشعور بأنهم يناضلون ولا يرضخون بصورة سلبية لمصيرهم. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص فإن هذا النقاش غير مهم إطلاقًا، وهو مجرّد نقاش أكاديمي ليس إلا.



.