Warning: include(/home/adalah/public_html/uploads/oldfiles/newsletter/ara/jan07/../../../ara/head.html): failed to open stream: No such file or directory in /home/adalah/public_html/uploads/oldfiles/newsletter/ara/jan07/gavison.php on line 19

Warning: include(): Failed opening '/home/adalah/public_html/uploads/oldfiles/newsletter/ara/jan07/../../../ara/head.html' for inclusion (include_path='.:/usr/lib/php:/usr/local/lib/php') in /home/adalah/public_html/uploads/oldfiles/newsletter/ara/jan07/gavison.php on line 19

مجلة عدالة الالكترونية
العدد الثاني والثلاثين, كانون ثاني 2007

عشر سنوات ل"عدالة":
الهوية والقانون والسياسة


ندوة أقيمت في كلية الحقوق في جامعة حيفا يوم 21 تشرين الثاني 2006

المحاضرون
بروفيسور روث جابيسون
د. إيلان سبان
المحامي حسن جبارين
بروفيسور رمزي سليمان



لا يمكن تجاهُل الصراع

بروفيسور روث جابيسون

البروفسور روت غابيزون هي بروفسور في الكاتدرائية على اسم حاييم كوهين لحقوق الإنسان في كلية الحقوق التابعة للجامعة العبرية، وكانت أستاذةً ضيفة في كليات الحقوق التابعة لجامعة ييل وجامعة USC. هي عضو مؤسِّس في جمعية حقوق المواطن في إسرائيل وكانت رئيسة مجلسها ورئيستها. هذا المقال من المحاضرة التي ألقتها في ندوة على شرف مرور عشر سنوات على عدالة، عُقدت في كلية الحقوق في جامعة حيفا في 21 تشرين الثاني 2006.

لا أدري لماذا يعتقد إيلان أنّه يجب تقديم غير الحقوقيين فقط. يبدو لي أنه، أمام الجمهور الجالس هنا (وغالبيته من غير الحقوقيين)، يجب تقديم كلّ واحد. ولكن ليست بي حاجة إلى تقديم خاصّ، لأنّني نلت تقديمًا من حسن. دوري هنا هو "عرض موقف"، وهو ضروريّ حتى يكون النقاش متوازنًا. عليّ القول إنّ هذا الدور جديد بالنسبة إليّ، لكنني سأحاول القيام به على أفضل وجه أستطيعه. وكما تعلمون، فإن أصحاب الفضيلة يحظون بأن يقوم آخرون بعملهم. لذلك، سأحاول عدم الاستفاضة في الأمور التي سبق ذكرها، والتي أوافق على قسم كبير جدًّا منها. بل سأحاول، بشكل خاصّ، تعريف أو صياغة أمور متميّزة من جهتي.



بادئ بدء، أنا سعيدة جدًّا بالمبادرة إلى الاحتفال وإلى الاحتفاء بعشر سنوات على عدالة. وأتفق تمامًا مع ما قاله إيلان، حسن ورمزي بشأن إنجازات عدالة الهائلة. فقد وصل عدالة، فعلاً، إلى درجات عالية جدًّا من المهْنية، القيادة والطلاقة. وهي أمور غير اعتيادية، ببساطة. إنني سعيدة من أجل عدالة، سعيدة من أجل المجتمع العربيّ وسعيدة من أجل المجتمع الإسرائيلي. أشعر بأنّ اعتزازي بإنجازات عدالة المهْنية، هو، أيضًا، اعتزازيَ المدنيّ كمواطنة الدولة اليهودية. لأنّ الدولة اليهودية لا تسمح بعدالة فحسْب، ولا تمنح التنظيم العديد من الإنجازات المهْنيّة والاعتراف المهْنيّ فحسْب، بل إنّها ترى فيه جزءًا هامًّا من مجتمعها المدنيّ. وفي ظروف الصراع، لا أرى هذا أمرًا عاديًّا عابرًا. أنا سعيدة لذلك وأعتقد أنّ هذا التوجّه صحيح. سأقول شيئًا هو مَدار خلاف هنا: أعتقد أنّه جزء من ديمقراطية الدولة وجزء من يهوديّتها، أيضًا. وإنّني لا أحبّ تلك المسألة، وهي المعهودة كثيرًا لدى ممثّلي الأقلية العربية ولكن ليس لديهم، فقط، إذ يقولون إنّ إسرائيل إمّا أن تكون يهودية وإمّا أن تكون ديمقراطيّة، وإنّ الوصفين لا يتّفقان، وبالتّالي فلو أنّ إسرائيل صارت أكثر يهودية فسوف تصبح أقلّ ديمقراطية. أحد الأمور الجميلة التي حدثت هنا هو أنّ حسن ورمزي شكّلا النموذج للحذق في المواقف التي يطلقها متحدّثون عرب داخل الخطاب الإسرائيلي. هذا الحذق يتمثّل بأنّ حسن يتوقّف عند أمر لا يفطن إليه كثيرون جدًّا من الحقوقيين اليهود.

إن حسن يخطئ عندما يقول إن الجدل الدائر في إسرائيل اليوم حول العلاقات القائمة بين الطابع اليهودي والطابع الديمقراطي للدولة يتطرق إلى المواجهة اليهودية - العربية فحسْب. لكن، من الصحيح القول إن الجدل حول المنحى اليهودي - العربي كان خاضعًا للإخراس، إذ كان يبدو أن التوتر بين اليهودية والديمقراطية هو مشكلة يهودية داخلية، فقط، بينما هذان النقاشان، اليوم، مركزيّان. إن الجدل اليهودي - العربي، هو جدل عميق جدًّا في المجتمع الإسرائيلي، ويكفّ عن كونه خاضعًا للإخراس.

أعتقد أن هذا الإنجاز هو إنجاز مثير من حيث جمع قوًى عربية ويهودية معًا، وهو هامّ جدًّا للمجتمع الإسرائيلي. إنّ عمق هذا الإنجاز يبدو أحيانًا غير واضح ألبتّة لدى يهود أكثر "تقدّمية"، بالذات. لقد صادف أن شاركت في نقاش حول كتاب حاييم غنز الجديد "من رايكارد فاغنر وحتى حقّ العودة"، وقد قال حاييم أمورًا مؤثّرة جدًّا على المستوى الشخصيّ، حول كيف أنّه كان يهوديًّا صهيونيًّا حتى عام 1967 وكيف أن عام 1967 جعله، بشكل أو بآخر، مغتربًا عن الصهيونية. أعتقد أنّه من المثير للاهتمام أنّ غنز يتمحور في عام 1967، لأنّ الإنجاز الأكبر، في رأيي، للصوت العربي "الفخور" و"المنتصب"، هو الإشارة إلى أنّ مصدر إشكالية التوتّر اليهودي - العربي ليس 1967، بل 1948 والنكبة. فلُبّ المواجهة أو الصراع أو الخلاف بين اليهود والعرب هو في مسألة تقرير المصير في هذه الأرض، وهي فلسطين أو أرض إسرائيل، وكيف نريد أن نعالج هذا الخلاف الأساسي. إنني سعيدة وممتنّة لحسن ورمزي على أنهما لم يضعا مركز الثقل على مسألة ما إذا كان على دولة إسرائيل أن تعطي مواطنيها العرب مساواة في الحقوق. فقد اعترفا، بنزاهة، أنه ليس في إسرائيل جدل سياسي أو قانوني حول مسألة المساواة في الحقوق المدنية للعرب. صحيح أن هناك تمييزًا، ولا يتمّ التزام التعهدات على الدوام، وهناك فجوات كبيرة بين اليهود والعرب، ولكن هذا ليس قائمًا بالنسبة إلى العرب، فقط. بل إنه قائم، أيضًا، بالنسبة إلى العديد من المجموعات الأخرى. ليس هناك خلاف على هذا من ناحية مبدأية وسياسية. صحيح، هناك واقع غير سهل. والانشغال بالمواجهة الأيديولوجية، فقط، ممنوع، ويجب العمل ضدّ مظاهر التمييز. ولكن في جدل كالذي لدينا اليوم، فإن المركز، لُبّ المسألة التي نتناولها هنا، هو مسألة يهودية الدولة على الصعيد الجماعي.

وبُغية تلخيص القسم الأول من أقوالي، أعود وأشير إلى أن عدالة هو مكسب كبير. إنني سعيدة لوجودي هنا حتى أهنئه وأحتفي بإنجازاته. إن عدالة هو تنظيم متميز، ممتاز ومهْني. وآمل أن يواصل نشاطه الهامّ في المستقبل.

سأتمحور في أقوالي حول ثلاثة أمور مركزية: قوة ومحدودية المهْنية القانونية، سياق الجدل اليهودي – العربي في اسرائيل، المتّصل بالنضال من أجل تقرير المصير لليهود وللفلسطينيين، ومغزى حقيقة أنّ عدالة ينشط كتنظيم لـحقوق الإنسان.

قد سبق منّا القول إن أحد مصادر قوة عدالة هو مهْنيته القانونية. إن حقوق الإنسان محميّة اليوم، بالأساس، عبر التداول في محكمة العدل العليا. أعتقد أن لهذا قوة كبرى، وأن له محدودية كبرى، أيضًا. لقد تجادلت مطوّلاً بهذا الشأن في جمعية حقوق المواطن. أعتقد أنه لا يمكن القيام بنضال حقيقي لأجل حقوق الإنسان، وخصوصًا من أجل حقوق الإنسان لمجموعة، من دون التحدث عن الخلفية الاجتماعية لمكانة المجموعة. هناك على الدوام التباس بين النضال لأجل مكانة الأقلية وبين خطاب الحقوق، وهو التباس غير جيّد. إن الهيئة التي تتحدث بشأن مكانة العرب، يجب عليها وبمقدورها القيام بأمور ليست جزءًا من خطاب الحقوق. الهيئة التي تعالج الحقوق لا يمكنها، دومًا، الدفع في اتجاه حقوق العرب، فقط، لأن الحقوق غير قابلة للتقسيم. لذلك، فقد تكون حقوقٌ لعرب في توتر مع حقوقٍ ليهود، وعندها – كتنظيم حقوق إنسان – من غير الصحيح، دومًا، الدفع في اتجاه حقوق العرب فحسْب. مفهومٌ أنه شرعي تمامًا، ومهمّ، أيضًا، أن تكون هناك هيئة تلتزم مصالح ومكانة وحقوق مجموعة معيّنة، مثلما أن هناك، فعلاً، وهذا جيّد، تنظيمات لحقوق النساء. ولكن من يُنشئ هيئة كهذه وينشط فيها يجب عليه أن يكون واعيًا للتوترات الداخلية القائمة بين التزام حقوق الإنسان، وهي كونية، وبين الالتزام للمجموعة. لأن هذا ليس الشيء نفسه دومًا، وهو ما قد يخلق مصاعب في العمل. فعلاً، إن عدالة ملتزم العمل القانوني وهو يدفع في اتجاه حقوق الأقلية العربية. التنظيم ملتزم للمجموعة العربية وكذلك لخطاب الحقوق. في هذا السياق، الأمر ليس بسيطًا.

بودّي العودة هنا إلى ما قلته أعلاه. إن التزام تنظيم عدالة للأقلية العربية هو أمر هام جدًّا. فعدالة يوفّر لهذه الأقلية، وبنجاح، نموذجًا للقيادة، أيضًا. وأكرر: إن هذا مثير للحماس، ومن دواعي الفرح أن تكون لدينا اليوم مجموعة كهذه، بمقدورها أن تعطي الأقلية العربية في إسرائيل هذا الكمّ من الشخصيات القدوة. سأتحدث عن حسن، لأنني أعرفه وأعرف عمله أكثر، ولا أعرف عمل رمزي عن قرب بما فيه الكفاية. أحد الأمور الجميلة والتي تثير الانطباع لدى حسن هو، أن مدى حذقه في الخطاب القانوني والاجتماعي في دولة إسرائيل، بما فيه الخطاب ما قبل القانوني وذلك الذي يدور حول دور القضاء ودور المحكمة وخطاب الحقوق والنقديّة، هو أعلى ممّا هو عليه في خطاب غالبية "المهيمنين". إن حسن يجلب لتحليل الصراع منظورًا ثقافيًّا لا يقلّ عن أفضل المتحدثين في العالم كلّه. حين آتي، أحيانًا، لأعلّم طلاب حسن في حصته، أرى أيّ عمل ممتاز يقوم به. أنا نفسي أعلّم طلابي نصوصًا لي إلى جانب نصوص لحسن، وهو ما يخلق تحديًا جِديًّا أمام الطلاب. فنصوص حسن ممتازة ومهمة، وهو ما يعكس ثلاثة أرباع الكأس الملآنة، لأنه من الجيّد أن يكون لمجموعة الأقلية متحدثون كهؤلاء. وأوافق تمامًا على ما قاله إيلان – إنه لشديد الأهمية أن هذه المقولات تُقال بشكل أصيل من الداخل وليس بشكل وصائيّ من الخارج. ويصحّ هذا حتى لو كان "الخارج" مؤيّدًا بشدة للقضية العربية، مثل جمعية حقوق المواطن. نحن في الجمعية ناضلنا (ونواصل النضال اليوم) لأجل حقوق العرب، ليس بدافع الاستعلاء ولا الوصاية، ولكن من غير المستحسن أن تقوم هيئة غالبية عامليها ونشيطيها من اليهود (وكان فيها دومًا عاملون ومتطوعون عرب) وفيها قسم على الأقل لا يخجل من أنه لا يزال صهيونيًّا، أيضًا – بأخذ تمثيل الأقلية العربية على عاتقها. فالأقلية العربية، يجب أن نتذكر، لا يفترض بها أن تكون صهيونية. وهذا هو المنحى الثاني للادعاء نفسه. إن جمعية لحقوق الإنسان في إسرائيل، مُلزمة معالجة الحقوق الفردية والجماعية لأبناء الأقلية العربية، ولكن يجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار حقوقًا أخرى، مثل حقوق اليهود في تقرير المصير.

بودّي الحديث حول هذه الوضعية المركبة. وهي بمثابة الربع الناقص، من ناحيتي. وهنا، أمشي بشكل كامل في أعقاب إيلان. الأمور الثلاثة التي أرغب بالحديث عنها هي، عمليًّا، الأمور الثلاثة التي لَمَّح إليها. وبودّي التدقيق فيها.

بادئ بدء، إن خطاب حقوق الانسان غير قابل للتجزئة. ليس بوسع من يناضل لأجل حقوق الإنسان، أن يناضل ضدّ حالات مسّ حقوق الإنسان التي تُرتكب ضدّ مجموعته من الخارج، فقط. بل هو ملزم، أيضًا، التعاطي مع حقوق الإنسان في داخل مجموعته، وكذلك مع حالات مسّ حقوق الإنسان التي ترتكبها مجموعته نفسها نحو الخارج. وهذا ليس بسبب طبيعة حقوق الإنسان فحسْب. بل، أيضًا، بسبب وجهة نظر اجتماعية، وجهة نظر اجتماعية عميقة، بشأن شخصية من يناضل من أجل حقوق الإنسان باسم مجموعة بالذات. هذا ليس صحيحًا بمفاهيم التعامل مع النساء والأطفال وشرف العائلة لدى أجزاء من المجتمع العربي، فقط، وصورة التنظيم الإشكالية في مجتمعات عربية ما، وكلّ المسائل القاسية الأخرى التي يعتزّ كلّ مثقف عربي بالتحدث عنها والاعتراف بها. هناك، أيضًا، التوترات داخل المجموعة العربية، بين أبناء الديانات والتوجهات المختلفة، لعَلمانيين أكثر أو عَلمانيين أقلّ. هذه الأمور كلّها جِدية جدًّا، وعادةً ما لا يقوم المثقفون العرب – بمَن فيهم أعضاء عدالة – بالتحدث حولها. ليس على الصعيد الجماهيري على الأقل. من المهم الاعتراف بوجود مشكلة حين يقوم تنظيم حقوق إنسان باستنكار، إدانة وممارسة نضال جريء ضدّ تمييز الدولة لمجموعته، فيما هو لا يخصص موارد، اهتمامًا وجرأة مدنية لمشاكل قاسية من مس حقوق الإنسان داخل مجموعته نفسه. هذا صحيح بالنسبة إلى مجموعة الأقلية العربية، أيضًا، وليس في مجال العلاقات مع اليهود وفي داخل إسرائيل، فقط، وإنما، أيضًا، في الصراع القومي – الأكبر – بين اليهود والفلسطينيين. هناك مشكلة في تنظيم يستنكر بشدة الأحداث في بيت حانون – وهو فعلاً أمر رهيب حين يُقتل كثيرون من المواطنين – لكنه يسكت على سديروت. هناك مشكلة، ويجب أخذ هذا الأمر في الاعتبار[1].

أمر آخر يميّز خطاب الحقوق هو الجانب المؤسّسي. يُفترض بالدفاع عن الحقوق أن يكون مُودَعًا في أيدي المحكمة، في حين أن الدفاع عن المصالح مُودَع في أيدي الجهاز السياسي الديمقراطي. لذلك، فمن الطبيعي لمن يشعر بالضعف في الجهاز السياسي أن يرغب في توسيع خطاب الحقوق. فعلاً، يجب التذكير أن حقوق الإنسان متوافرة للجميع، وهي سابقة لقوة الدولة. أنا أوافق جدًّا، أيضًا، على ما قاله هنا جميع المتحدثين: إن خطاب حقوق الإنسان الذي يقتصر على حقوق الفرد هو خطاب "هزيل" أكثر من اللازم. يجب أن يكون لدينا إدراك واسع لخطاب الحقوق. فخطاب الحقوق يشمل حقوق الفرد وحقوق المجموعة. إن حقوق الأفراد تشمل حقوقهم في الحياة، المساواة، الحرية، ولكن، أيضًا، حقوقهم في حياة جماعية كاملة في إطار مجموعتهم. يجب على الدولة الاعتراف بحقوق الأفراد وبحقوق المجموعات. وليس بمقدور الدولة أن تميّز ضدّ أشخاص لأنهم ينتمون إلى مجموعة ما فقط. هذا التمييز باطل على صعيد حقوق الفرد، ولأنه مسٌّ لمجموعة محدّدة، أيضًا. لأن التمييز ضدّ فرد لكونه ابنًا لمجموعة، من الممكن أن يؤدي به إلى ألاّ يفتخر، وربما حتى إلى أن يُخفي أو أن يتهرّب من أنه عضو في مجموعة. وقد تعلم اليهود ذلك على جلدهم في سنوات شتاتهم.

أعتقد أن دولة إسرائيل تعترف بأن حقوق الإنسان تشمل مركبًا لحقوق الفرد ومركبًا لحقوق جماعية. على أية حال، إن تنظيمات حقوق الإنسان تعترف بهذا بالتأكيد. وهنا يدخل الجانب المؤسَّسي. فنحن نميّزعلى الصعيد المؤسَّسي بين السؤال حول ما هي التسوية اللائقة؟ وبين السؤال حول مَن الذي يجب أن يحدّد الإجابة عن السؤال الأول؟ من المتبع القول إنه فيما يخص حقوق الإنسان الواضحة، فإن المؤسسة الملائمة للدفاع عنها هي المحكمة. ذلك أن المحكمة غير منتخبة وليست خاضعة مباشرة إلى إرادة الأغلبية. وهذا مهم، لأن الحقوق أمر غير تابع لما تفضله الأكثرية، بل إن الحقوق أمر يستحقه البشر – سواءٌ أكانت حقوق فرد أم حقوقًا جماعية – بحكم كونهم بشرًا. وبحكم كونهم بشرًا فهم، أيضًا، أعضاء في مجموعات، مجموعات ثقافية، مجموعات دينية، مجموعات قومية. إن الحقوق ليست من شأن قرار الأكثرية. لذلك فإن المحكمة هي التي من المفروض أن تحسم في هذا الشأن، وفي حالات استثنائية ضدّ قرار الأغلبية، أيضًا. لكن الأمر مختلف بشأن المصالح. فللأفراد والمجموعات مصالح، وهي متناقضة أحيانًا، ويجب على المجتمع في نظام ديمقراطي أن يقرر. طريقة القرار تتم عبر حسم الأغلبية والمفاوضات. وبشكل طبيعي، فإن الأغلبية ستقوم بالدفع في اتجاه مصالحها أكثر. وهذا حسنٌ طالما أنها تحترم حقوق الإنسان الخاصة بالأقلية. هنا نصل، برأيي، إلى لُبّ المشكلة التي نتناولها.

عندما نتحدث عن دولة يهودية كدولة قومية – وليس عن ثيوقراطية يهودية – فنحن نقول إن دولة إسرائيل أقيمت ضمن إطار رؤية تنصّ وجودَ مجموعتيْن قوميتيْن هنا، ولديهما حاجة إلى الدفاع عن الحقوق القومية الخاصّة بكلٍّ منهما، والدفاع كذلك عن حقوق الفرد الخاصة بأعضائهما. والحلّ، بما أنه كان بينهما نزاع لم ينتهِ، هو تقسيم الأرض. هذا هو جوهر قرار الأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947. ما هي هذه الدولة اليهودية؟ ما هي الدولة العربية التي كان يفترض أن تقوم إلى جانبها؟ إنهما دولتان قوميتان، أي دولتان في كلٍّ منهما أكثرية من أبناء مجموعة واحدة، لكنهما تضمنان مساواة تامة وتمثيلاً وازدهارًا لأبناء الشعب الآخر الذين يعيشون فيهما. هذه هي الرؤية. يمكن القول إن هذه الرؤية غير جيّدة، يمكن القول إن هذه الرؤية مستحيلة، ولكن هذه هي الرؤية. وهي رؤية تقوم على تناظُر، على صعيد حقوق الفرد وعلى صعيد الحقوق الجماعية. فلكل واحدة من المجموعتيْن ستكون دولة تكون هي السائدة فيها بحكم كونها أكثرية، ويكون لكلّ فرد الحقّ في العيش في موقعه في كلّ واحدة من الدولتيْن، لكن قسمًا من الناس سيعيشون في الدولة التي تشكّل قوميتهم الأكثرية فيها، وبذلك فهم يتمتّعون بهذا الأمر المميّز غير القابل للتقسيم: حقيقة أنهم يعيشون في دولة هم الأكثرية فيها، وبذلك فإن لغتها تكون لغتهم وثقافتها هي ثقافتهم وأعيادها هي أعيادهم. وهو امتياز هائل. أما الآخرون فيعيشون في دولة هم ليسوا الأكثرية فيها، وإذا كانت ثقافتها مختلفة عن ثقافتهم فسيكونون مغتربين بعضَ الشيء، لكنها دولة كان يفترض بها أن تكون ديمقراطية بموجب قرار الأمم المتحدة، تمنحهم حقوقًا شخصية وجماعية. إن الحق الوحيد الذين لن يتوافر لأبناء شعب الأقلية، وَفقًا لهذا البرنامج، وفقًا لتلك الرؤية، في الدولة القومية لأبناء الشعب الآخر، هو حق تقرير المصير السياسي. ولماذا لن يتوافر لهم؟ لأنه إن كنّا سنمنحهم، أيضًا، الحق في تقرير المصير السياسي نكون قد أخذنا هذا الحقّ من المجموعة الثانية.

برأيي، إن هذا النموذج، في ظروفنا، هو النموذج الوحيد الذي يحمي حقوق الفرد والحقوق الجماعية بشكل كامل لأبناء الشعبيْن. يمكن القول، بالطبع، إن هذه الرؤية غير جيّدة. لكن أيّ تنظيم يلتزم حقوق الإنسان، يجب عليه تفسير كيف أن النموذج الذي يطرحه يلبّي حقوق المجموعات كافة، وليس حقوق المجموعة التي يمثلها، فقط. بهذا المفهوم، أنا سعيدة جدًّا؛ لأن حماس وصلت الحكم. بادئ بدء، أعتقد أنها جسم لافت جدًّا. تتميّز بوضوح تفكيري وبقدرة تطبيقية، أيضًا، في بعض الأمور. صحيح أن قسمًا من طروحاتها لا يثير انفعالي. وأشعر بأنها خصم حازم جدًّا. وأرى في مثابرتها أمرًا إيجابيًّا، فهي تطرح أقوالها بشكل حادّ جدًّا. في القضية المطروحة أمامنا، مثلاً، تقول حماس بوضوح إنه ليس من مصلحة العرب أن يؤيّدوا حلّ دولتيْن للشعبيْن. فهذه هي مصلحة اليهود. نحن، حماس – يضيفون قائلين – نؤيّد التقدم، لكن مصلحتنا هي فلسطين الكاملة كدولة إسلامية.

إن هذا هدف واضح فعلاً. إنها مصلحة شرعية لحماس وجيّد أنهم يعلنونها بوضوح. ولكن يجب أن يكون واضحًا، أيضًا، أنني كيهودية – تعتقد أنه من العدل أن تكون لليهود دولة، أيضًا، تمنح مساواة تامة للعرب الذين يعيشون فيها، لكنها تكون دولة قومية للشعب اليهودي – أرى في هذا الأمر تهديدًا إستراتيجيًّا عليّ. ويجب عليّ الاستعداد له والعمل على تقليص احتمالات حدوثه. لن أقوم، عن قصد، بمسّ مواطنين فلسطينيين بُغية الدفع في اتجاه الدولة اليهودية، لكنني سأبحث، بالتأكيد، عن وسائل لمنع حماس من تطبيق رؤيتها – وهي التي تهدّدني. إن هذا التهديد سيؤثر في شكل إدارة شؤوني. ويجب أن يؤثر فيه.

إن أيّ خطاب إسرائيلي داخلي، ليهود وعرب، يتجاهل الصراع بين اليهود وبين الفلسطينيين على الأرض ويقترح أن نتصرف وكأنه غير قائم، هو برأيي خطاب مضلِّل وليس من الحكمة الاستناد إليه. رغم هذا، إن قسمًا كبيرًا من خطاب الأقلية العربية داخل دولة إسرائيل هو خطاب يتجاهل الصراع. إنني أفهم هذا التوجه، لكنه غير مقبول عليّ. لا يمكن تجاهل الصراع، ولا يمكن، بالأساس، تجاهل الصراع حين يتم طرح مواقف كالتي سمعناها هنا. لأن هذه المواقف تؤكد – بحقّ – على حقيقة أن العرب في إسرائيل هم ليسوا أفرادًا فحسْب، بل إنهم مجموعة، أيضًا، وهي تطالب بتعزيز هذه المجموعة. لكنها تتجاهل حقيقة أن مجموعة قومية معزّزة بمقدورها، لاحقًا، إلغاء الطابع اليهودي للدولة، خلافًا لإرادة الأكثرية في الدولة. لذلك، يجب على دولة إسرائيل العمل على تعزيز المجموعة العربية، ولكن عليها، أيضًا، تقليص التهديد الذي تشكله هذه المجموعة على طابع الدولة كدولة يهودية. يبدو لي أن قسمًا من الأصدقاء في المجموعة العربية يعتقدون أن كلّ تردّد لدى الدولة في الاعتراف بالأقلية العربية، وفي شرعنة مطلبها بإلغاء الطابع اليهودي للدولة، هو مسّ للحقوق ومناقض للمساواة. وأخشى أنهم لا يفهمون أن هذا الموقف من الممكن أن يكون سيفًا ذا حدّين؛ لأنه يثير شعورًا بالتعرّض للتهديد، ومن الممكن أن يحدّ من الاستعداد للعمل، أيضًا، للدفع في اتجاه إلغاء أنظمة التمييز.

أعتقد أن عدالة، كتنظيم قيادي، يجب أن يقدّم لنفسه ولمجتمعه، للمجتمع الذي يقوم بتمثيله بنجاح كبير جدًّا، بيانًا حقيقيًّا حول ماهية رؤيته إلى مستقبل منطقتنا. يجب أن يُبيّن لنفسه وللجمهور كلّه ما هي "دولة جميع مواطنيها". لماذا بمقدور العربي الفخور أن يكون إنسانيًّا قوميًّا، ولماذا ليس بمقدور اليهودي أن يكون إنسانيًّا قوميًّا؟ لماذا تختلف الدولة اليهودية مبدئيًّا عن دولة قومية فلسطينية، وهي التي أفترض أن عدالة يدعو إلى إقامتها. مثلاً، ما الذي تقوله هذه الرؤية بشأن مكانة اليهود في دولة فلسطينية؟ أفترض أنه يجب عليها هي، أيضًا، وَفقًا لعدالة، أن تكون ملتزمة مساواة، حرية وكرامة جميع مواطنيها وسكانها. فلماذا لا نسمح لليهود المستعدين للعيش فيها بالبقاء، مثلاً، في الخليل؟ إنهم سيعيشون تحت القانون الفلسطيني، ولكن لماذا يجب ألاّ يُسمَح لهم بتقرير مصير تحت الدولة، وبحرية لغة وبحرية معتقد وبوقت للصلاة في الحرم الإبراهيمي؟

أعتقد أننا، هنا، أمام نقطة مثيرة جدًّا للاهتمام، وهي تابعة إلى قسم رمزي. أشعر بأن أصدقاءَنا في الأقلية العربية في دولة إسرائيل يؤكدون – وبحق – على تاريخ التهجير والمشاكل، التمييز والاضطهاد. وهم يطرحون صورة – لها أساس – لوضعيّة أقلية ضعيفة، ملاحَقة، مضطهدة من قبل دولة قوية وغير عادلة. لكنهم يتجاهلون الحقيقة – التي سمعنا أصداءَها، أيضًا، والتي برزت أكثر بعد حرب حزب الله – أن لكثيرين منهم شعورًا آخرَ، مناقضًا، وبحسَبه، فإن من كان قوة صاعدة، أي الصهيونية، بات قوة ضعيفة. وأن اليهود سيكونون في نهاية الأمر كالصليبيين. وفي خاتمة المطاف، وَفقًا لهذا التوجه، فإن الزمن يعمل لصالحنا. يوجد هنا دمج بين الضعف والشعور بالغبن، إلى جانب الشعور بالقوة.

نحن لا نتحدث عمّا سيقوله التاريخ. نحن نتحدّث معياريًّا عمّا يجب على دولة إسرائيل أن تقوم بها، الآن، وكيف يجب عليها أن تنظر إلى الأقلية العربية التي تعيش فيها. وهنا برأيي يوجد تحدٍّ كبير. فمن وجهة نظري، إن رؤية الدولتيْن هي إطار البحث. إنها تثير أسئلة جِدية بخصوص دولة إسرائيل ومكانة الأقلية العربية فيها. برأيي، إن هناك نموذجًا واردًا واحدًا، فقط – نموذج المواطنة الإسرائيلية الكاملة والمتساوية لليهود والعرب في إسرائيل، من خلال حفاظها على أكثريتها اليهودية وعلى طابعها كالدولة القومية للشعب اليهودي، واعترافها بحقوق الفرد والمجموعة للأقلية العربية. آمل أن عدالة مستعد لتبنّي هذه الرؤية. وبناء عليه، أقترح أن يكون هناك مشروع مدني رسمي، يقوم عدالة بالدفع في اتجاهه، أيضًا، للمواطنة الكاملة. لكن المواطنة الكاملة تشمل، أيضًا، الشراكة في العبء، وكذلك واجبات مدنية إلى جانب الحقوق. لا يمكن للتأمين الوطني أن يتوافر من دون الخدمة الوطنية، لأنه ليس هناك شيء يبني نسيجًا مجتمعيًّا من غير الشعور بالشراكة. وإذا كانت الشراكة مشروطة بأن يفقد اليهود الهيمنة، فإن ذلك يعني أنه لن يكون لهم أيّ مكان في العالم يشكلون فيه أكثرية في القضايا الحاسمة كاللغة، الهجرة وما شابه. وأنا غير متأكدة أن هذا النظام سيكون مستقرًّا بما فيه الكفاية حتى يكفل للأقلية العربية – التي قد لا تعود أقلية – الحقوق، الرفاه والقوة لتكبر، تنمو، تتطور، لكي تختبر طرقًا للعيش كأقلية في دولة إسرائيل.

أخشى أنه لا يوجد كثيرون في الجمهور العربي، بمَن في ذلك في عدالة، ممّن يتبنّون هذه الرؤية. فلماذا أنا متفائلة أحيانًا؟ صحيح أن إسرائيل دولة تريد البقاء يهودية وديمقراطية، وتريد أن تتقبل الأقلية العربية فيها أنه من الممكن أن تكون الدولة يهودية وديمقراطية، أيضًا. صحيح أن هذا صعب جدًّا بالنسبة إلى غالبية قادة الجمهور العربي. لكنني متفائلة، لأنني أعتقد أنه رغم كلّ شيء توجد هنا صفقة حقيقية، حيث إن هذه الرؤية تمنح امتيازات هامة للأكثرية اليهودية وللأقلية العربية كذلك. أعتقد أن المواطنة الإسرائيلية هامة لمواطني دولة إسرائيل العرب. إنها غير مثالية لكنها هامة. ولذلك توجد للمواطنين العرب – وليس لدولة إسرائيل والأكثرية اليهودية فيها، فقط – مصلحة في تقوية اتجاهات تفكير حول معنى المواطنة المشتركة. إنه تحدٍّ قيادي كبير جدًّا لعدالة، وآمل أن يصمد عدالة فيه. ليس بالتخلي عن جماعية العرب، بل بإدخال أهمية الحقوق الجماعية للعرب إلى داخل خطاب أوسع، يرى الأمور في سياق إقليمي، إنساني وكوني.

على عدالة مواصلة الدفع في اتجاه الحقوق الجماعية للعرب – ولكن يجب عليه القيام بذلك من خلال الإدراك أن إسرائيل لن تكون دولة مستقرّة قادرة على حماية العرب، إذا لم تكن فيها، أيضًا، حماية للحقوق الجماعية لليهود.


[1] لقد تحادثت في هذا الشأن مع حسن بعد النقاش فشرح أن عدالة يتمحور في مسّ حقوق الإنسان من قبل الدولة، ولا يتناول أشكال المسّ ممّن هم ليسوا دولاً – مثل مطلقي القسّام. فعلاً، هناك ادعاء كهذا، وبحسبه فإن المسّ من قبل الدولة يختلف عن أشكال المسّ الأخرى. ولكن يبدو لي أن هذه الإجابة تأخذ المهْنيّة أبعد من اللازم؛ لأنها تلغي رؤية نضال عدالة في سياقه الأوسع. فلو لم يكن هناك قصف بدون انقطاع على سديروت لما كان هناك قصف على بيت حانون. إن الذي يدين بيت حانون فحسْب قد يظهر غير ذي صلة؛ لأنه لا يوفّر إجابة عن السؤال: ماذا بوسع إسرائيل أن تفعل حتى تقوم بواجبها في الدفاع عن أمن مواطنيها