اللغة العربيّة وأصلانيّة العرب في إسرائيل

علاء محاجنة | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 50، تموز 2008
العبرية مسيطرة على الحيّز كله، فيما تُزَجّ العربية نحو الهامش، لتُكتب على لافتات تحذيرات أمنية أو تحذيرات من إلقاء النفايات

 

 

 

علاء محاجنة[1] | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 50، تموز 2008

نُشر في الصحافة، قبل عدة شهور، خبر تناول نية وزارة المعارف إخراج تدريس اللغة العربية من مناهج النواة المتبعة في المدارس العبرية.[2] وأثار الخبر ردّات فعل معارضة في أوساط واسعة تهتم بدفع العلاقات وتعزيزها بين الأقلية العربية وبين الأكثرية اليهودية في الدولة، إنطلاقًا من الإيمان بأنّ تنفيذ هذا المقترح سيؤدّي إلى تعميق الشّرخ الكبير الحاصل بين هاتيْن المجموعتيْن. وفي الوقت الحالي، تراجعت وزارة المعارف عن هذا المُقترح إلى حين بلورة منهاج نواة جديد. ومن وقتها، لم تمرّ إلا فترة زمنية قصيرة حتى وُضع على طاولة الكنيست اقتراح قانون جديد تقدّم به أعضاء كنيست من كتل اليمين يرمي إلى تثبيت مكانة اللغة العبرية كلغة رسمية رئيسة ووحيدة، وإلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية رئيسة.[3] 

 

ويبدو، من الناحية العملية، أنّ تطبيق الاقتراحات المذكورة آنفًا لن يحمل أيّ تأثير حاسم على مكانة اللغة العربية المهزوزة في دولة إسرائيل. ففي الوضع القائم اليوم، تشكل اللغة العبرية اللغة المركزية والمُهيمنة في جميع المجالات، فيما تغيب العربية تمامًا عن الحيّز الجماهيري العامّ، رغم كونها –على المستوى التصريحي على الأقل- لغة رسمية. وقد تقلص استخدام اللغة العربية لينحصر في مجرد إدارة الحياة الداخلية الخاصة بالمجتمع العربيّ في البلدات العربية، ليس إلا.

 

ونحن لا نرى في تثبيت مكانة اللغة العبرية الهدف الذي من أجله طُرح اقتراح القانون؛ فالعبرية تسيطر على مجالات الاقتصاد وسوق العمل والحيّز برمّته. نحن نتحدث هنا، في أفضل الأحوال، عن غاية مرافقة للهدف الرئيس وهو المسّ بالقاسم الأكثر بروزًا للأقلية الفلسطينية في إسرائيل- أي اللغة العربية. وقد أشتقت السياسة التي تأسّس عليها اقتراح القانون، مباشرة، من كون إسرائيل دولة قومية إثنية تقيم وترعى، على مستوى التصريح وعلى المستوى العملي، حياة ثقافية تخصّ مجموعة قومية واحد فقط، وهي مجموعة اليهود.

 

وحتى في غياب سَرَيان عمليّ لاقتراح القانون، لا يمكننا أن نتجاهل المعنى الرمزيّ لإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية. هذه خطوة عنيفة في ماهيتها ويمكنها أن تحمل في طيّاتها تأثيرًا سلبيًا على نسيج العلاقات الهشّ القائم بين الأقلية الفلسطينية وبين الأغلبية اليهودية في الدولة.

 

 

 

 

 

 

 

العربية في القوانين الإسرائيلية:

 

البند 82 من "أقوال الملك أمام مجلسه"، والذي يسعى اقتراح القانون إلى إلغائه، يضبط المكانة القانونية للغة العربية في إسرائيل. وهذا البند هو مُخلَّف من التشريعات الإنتدابية التي جرى استيعابها ودمجها في القوانين الإسرائيلية. ويُحدّد البند 82، المُعنوَن بـ "اللغات الرسمية"، المجالات التي تُستخدم فيها اللغة العربية أيضًا. والحديث هنا يدور عن تدبير منقول واستمراريّ من ناحية سريانه، حيث يثبّت ترتيبات وتوضيبات في مجالات عينية بشكل غير مُوحّد. وخصوصًا، يتحدث هذا التدبير عن لغة الدعاية في الإعلانات الرسمية الصادرة عن الحُكم المركزيّ والحكم المحليّ. وهي تتطرق، أيضًا، إلى استخدام اللغة العربية عند التوجّه إلى الوزارات الحكومية والمحاكم.

 

ويسعى مُقدِّمو اقتراح القانون لتغيير هذا الوضع ولاستبداله بوضعية تكون فيها اللغة العبرية اللغة الرسمية الرئيسة في الدولة (البند 3(أ) من الاقتراح)، كما يسعى اقتراح القانون إلى منح اللغة العربية مكانة لغة رسمية ثانوية، سوية مع اللغة الروسية واللغة الإنجليزية (البند 3(ب) من الاقتراح). وإضافةً، يسعى اقتراح القانون إلى تقليص تلك المجالات التي تقرّر في السابق أن يجري استخدام اللغة العربية فيها، من خلال البند 82 آنف الذكر.

 

وعكس تطرق الأحكام الصادرة عن المحاكم لمسألة مكانة اللغة العربية، المكانة الحقيقية التي تحظى بها العربية في الدولة، وهي أبعد ما يكون عن كونها مكانة لغة رسمية. حالة "رام مهندسيم"[4] هي مثال جيد على هذا. ففي مركز هذه القضية كانت شركة مهندسين عرب طلبت نشر إعلانات باللغة العربية على لوح الإعلانات الخاص ببلدية نتسيرت عيليت. وقد عارضت البلدية نشر الإعلانات باللغة العربية فقط، وسوّغت الأمر بأنّ هذه الخطوة قد تمسّ طابع السلطة المحلية كمكان سكنيّ عبريّ ويهوديّ. وقامت المحكمة العليا بالتصديق على حق الشركة المقاولة بنشر الإعلانات بالعربية على لوحة الإعلانات في أماكن يشكل غالبية السكان فيها، أو كلهم، من اليهود. وبشكل مشابه، جرى إلغاء قانون مساعد لبلدية نتسيرت عيليت والذي ألزم باستخدام اللغة العبرية أيضًا في كل نشر يجري على لوح الإعلانات في البلدية. وبما يخصّ موضوعنا، وبغضّ النظر عن نتائج قرار الحكم، من الهام بمكان أن نوضح أنّ المحكمة لم تضع نصب عينيها رسمية اللغة العربية حين قررت قبول الالتماس، بل أنّ القرار استند إلى حقّ الشركة المقاولة في التعبير عن الرأي.[5] وقد افتقر قرار الحكم لأيّ تطرّق إلى اللغة العربية كلغة الأقلية العربية في دولة إسرائيل. ومن ناحية المحكمة فإنّ هذه الحالة تتمحور في التصادم بين قيمتين: حرية التعبير مقابل المصلحة الجماهيرية المتمثلة في الحفاظ على اللغة العبرية. ومن خلال حيثيات هذه الحالة، نرى أنّ الموازَنة بين هاتيْن القيمتيْن أدّت إلى الاستنتاج بأنّ نشر إعلانات باللغة العربية ممكن، لأنه لا يحمل في طيّاته أيّ احتمال بالمسّ بمركزية اللغة العبرية. ويعرض قرار الحكم هذا، وعلى الملأ، حدود خطاب الحقوق ومحدوديته في المجتمع الإسرائيلي عمومًا، وفيما يخصّ السّياسات اللغوية، تحديدًا. وعلى غرار اقتراح القانون، فإنّ قرار الحكم إشكاليّ هو الآخر لأنه يضع اللغة العربية في خانة واحدة سوية إلى جانب لغات أقليات إثنية أخرى في الدولة.

 

 

 

وعلى ما يبدو فإنّ موقف القضاة القاضي بأنّ "اللغة ليست أداة تعبير ذاتية، فحسب، بل هي أداة تعبير قومية. إنها ذخر ثقافي..."[6]، هذا الموقف غير ذي صلة، حين يكون الحديث عن لغة ليست اللغة العبرية.

 

قضية "عدالة ضد بلدية تل أبيب-يافا"[7] هي قضية أخرى جديرة بالتطرّق؛ فالحديث يدور عن التماس قدمته منظمات لحقوق الإنسان محوره اللافتات البلدية التي تقع تحت مسؤولية السلطات المحلية في المدن المختلطة. وادّعى الملتمسون أنّ السلطات المحلية في المدن المختلطة مُلزمة بنصب لافتات عليها كتابة باللغة العربية. مقابل هذا، ادّعى الملتَمَس ضدّهم بأنهم غير ملزمين بمثل هذا الواجب، ومن الأكيد أنّ هذا الواجب لا يسري على تلك الأحياء التي يسكنها سكان يتحدثون اللغة العبرية. ويرى الملتَمَس ضدّهم أنّ إضافة الكتابة بالعربية هي أمر يعود إلى اعتبارات كل بلدية وبلدية. وقد قبل رأي الأكثرية في قرار الحكم الالتماس وألزم الملتَمَس ضدهم بنصب لافتات عليها كتابة باللغة العربية في الأحياء التي لا يسكنها سكان عرب، أيضًا. وبهذا المعنى، وقياسًا لقرار الحكم في مسألة "رام" آنفة الذكر، اُعتبر قرار الحكم هذا خطوة واحد نحو الأمام باتجاه الاعتراف بالحقوق اللغوية الخاصة بالأقلية العربية في إسرائيل، إلا أنه لا زال بعيدًا ليكون استجابة لمطالب الأقلية العربية في إسرائيل على مستوى اللغة، والمُشتقة (المطالب) من مكانته كأقلية أصلانية.

 

وأوضحت القاضية دورنر في قرار حكمها أنّ البند 82 من "أقوال الملك أمام مجلسه" يمنح اللغة العربية مكانة لغة رسمية في الدولة. واستقاءً من هذا، واستنادًا إلى البيئة المسلكية المُتبعة التي يسري فيها البند 82، فإنها اشتقت منه واجبًا مَلقيًّا على الملتَمَس ضدهم بنصب لافتات بالعربية، أيضًا. مقابل هذا، يشتقّ براك واجبَ نصب لافتات باللغة العربية من القيم الأساسية التي تقوم عليها إسرائيل ومن قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته. ويعتقد براك أنّ الحسم في الالتماس يجب أن يتمّ بعد إيجاد الموازَنة اللائقة بين القيم المتضاربة، بما يلائم ظروف وحيثيات كل حالة. ونشير إلى تشخيص مثير للإهتمام يورده براك في قرار حكمه، سنتطرق إليه بتوسّع لاحقًا، وهو التمييز بين أقلية أصلانية وبين مجموعات مهاجرة. ووفق هذا التشخيص، لا يتمتع كل إنسان بالحقّ في لغة، وهو يُميّز، وبحقّ، بين الأقلية العربية في إسرائيل التي تعيش هنا "منذ سالف الأزمان"، وهي بهذا تمتلك الحق في الحفاظ على مميزاتها الثقافية، وبين أقليات مهاجرة. من غير الواضح مدى سريان وفاعلية هذا التشخيص من الناحية العملية، كونه لم يشكّل مُنطلقًا لتثبيت حقّ الأقلية الفلسطينية في إسرائيل في ثقافتها ولغتها. وعليه، من توقع أن يؤدي الإعتراف بمكانة الأقلية العربية كأقلية أصلانية إلى بدء التغيير في خطاب الحقوق –باتجاه منح حقوق جمعية للأقلية العربية- وجد نفسه خائب الأمل.

 

وفي مقابل موقف قضاة الأكثرية، كان موقف الأقلية متمثلا في القاضي حيشن. ومع أنّ حيشن رفض الإلتماس إلا أنّ أهمية قرار حكمه تنعكس في التوضيح بأنّ الإلتماس في ماهيته مُوجّه لتحقيق حقوق جمعية، على خلاف الحقوق الفردية. وبالنسبة لحيشن، فإنّ المحكمة العليا تفتقر لصلاحية الاعتراف بالحقوق الجمعية الخاصة بأقلية تودّ الحفاظ على تميّزها. وعليه، فقد اعتقد أنّ الحديث يدور، جوهريًا، عن التماس سياسيّ لا يجب التدخل فيه.

 

 

 

وقرار حكم حيشن إشكاليّ من عدة نواحٍ؛ فأولا، عرض حيشن وبصراحة أنّ المطلوب في الإلتماس هو الاعتراف بالحقوق اللغوية الجمعية الخاصة بالأقلية العربية. وفي هذا السياق، وفي تمييزه بين الحقوق الجمعية وبين الحقوق الفردية، أوضح حيشن أنّ الحقوق الجمعية هي حقوق محفوظة لأفراد مجموعات الأقلية وليس للمجموعة من منطلق كونها مجموعة.[8] ورغم هذا الإدارك المُتبصّر، تطرق حيشن إلى هذه الحالة من خلال تصنيفه للحق المطلوب على أنه حق الأقلية العربية عمومًا في الحفاظ على لغتها، من دون التطرق إلى حقوق الأفراد الذي يؤلفون مجموعة الأقلية هذه. وتكمن صعوبة أخرى في عدم المثابرة الذي يُميّز عرض حيشن أثناء تصنيفه الإلتماس على أنه التماس سياسيّ يمتنع عن التدخل فيه، في الوقت الذي أبدى استعدادًا للتدخل في السّابق في قرارات حكم أخرى كانت في جوهرها أكثر سياسية.[9] 

 

حق الأقلية العربية في لغتها:

 

رغم رسميّتها المُعلنة، فإنّ القضاء الإسرائيليّ والمُمارسة الواقعية لا يعترفان بأية مكانة خاصة للعربية كونها لغة الأقلية القومية الفلسطينية التي تحيا في إسرائيل. وعليه، فإنّ اقتراح القانون الذي يسعى للإعلان عن علوية مقام اللغة العبرية كونها لغة الشعب اليهودي، ومقارنة مكانة اللغة العربية بلغات مجموعات مهاجرة أخرى، لا يحمل أيّ جديد. وكما في قوانين أخرى موجودة في كتاب القوانين الإسرائيلي، فإنّ اقتراح القانون هذا يُشتقّ من تعريف الدولة على أنها يهودية. وبهذا المنحى، ينضمّ اقتراح القانون إلى قائمة قوانين واقتراحات أخرى موضوعة اليوم على طاولة الكنيست، تشترك جميعها في أنها تشكل تأسيسًا ودعمًا لطابع الدولة اليهوديّ من خلال ضعضعة مكانة الفلسطينيين كأقلية قومية. وما يُميّز اقتراح القانون موضوع الحديث هو محاولة المسّ بعلامة فارقة هي الأكثر بروزًا في خصوصية الأقلية الفلسطينية في الدولة، أي اللغة.

 

وكما يتضح من التسويغات، فإنّ إقتراح القانون يسعى إلى منح اللغات العربية والروسية والإنجليزية مكانة متساوية. وفي الواقع، فإنّ هدف الاقتراح هو مساواة مكانة الفلسطينيين في إسرائيل -وهم مجموعة أصلانية- بمجموعات أقليات مهاجرة تحيا في الدولة، مثل الأقلية الروسية. وبهذا المعنى، فإنّ الإقتراح يشكّل ما يشبه الإنسحاب من الموقف الذي جرى تثبيته في قرار حكم "عدالة" وعودة إلى الموقف الذي جرى تثبيته في قرار حكم "رام مهندسيم". فهذه المقابَلة بين أقلية أصلانية وبين أقلية مهاجرة هي مقابَلة مغلوطة في صلبها لأنها تتجاهل حقيقة أنّ الحديث يدور عن مجموعات مختلفة في ماهيتها.

 

وبالأساس، نبع تشكُّل مجموعات أقليات مهاجرة في الدولة، مثل مجموعة الناطقين بالروسية ومجموعة الناطقين بالإنجليزية، من خلال خطوة طوعية، وعلى الأغلب فردانية، بالهجرة إلى الدولة، حيث بلورت هذه المجموعات أجندتها من خلال محاولة الإندماج في داخل مجموعة الأغلبية والإمتزاج فيها. ومن هنا، نرى أنّ جُلّ نضال هذه المجموعات ينحصر في الحصول على حقوق مدنية-سياسية وعدم التمييز في توزيع الموارد، بينما تشكلت الأقلية الفلسطينية في البلاد بطريقة مختلفة؛ فهذه المجموعة، وقبل تحوّلها إلى مجموعة أقلية، كانت جزءًا لا يتجزّأ من

 

 

 

الشعب الفلسطيني القائم في البلاد والمُتميّز بثقافة ولغة تخصّانه. وبعد حرب 1948 وفي أعقابها تحوّلوا تحت وطأة ظروف قسريّة إلى مجموعة أقلية قومية تعيش في دولة عرّفت نفسها على أنها دولة يهودية. هذه النقلة القسريّة على مستوى مكانة الفلسطينيين في إسرائيل، من مجموعة أكثرية مركزية إلى مجموعة أقلية محكومة، بلورت وعيَهم القومي وأثّرَت على شكل نضالهم مقابل الدولة. ومع أنّ الفلسطينيين مواطني الدولة يطالبون هم أيضًا بالمساواة التامة في الحقوق المدنية والسياسية، إلا أنّ هذه المطالب ليست إلا مرافقة للنضال الأساسيّ الذي يتمحور في مطالب تتعلق بالأراضي والهوية الجمعية ومطالب على مستوى اللغة. وعليه، وانطلاقًا من مكانتهم كأصلانيين، يرفض الفلسطينيون تمامًا أيَّ تعامل يسعى إلى تصنيفهم على أنهم مجموعة أقلية مهاجرة.

 

ويجب أن يشكّل الاعتراف بمكانة الفلسطينيين هذه في إسرائيل نقطة انطلاق لجميع المعاينات والقراءات التي تجري لاقتراحات قوانين تتعلق بمطالبهم الأساسية. ويجب أن يُشتقّ التعامل مع مكانة اللغة العربية من جانب الأكثرية في الدولة من خلال كون هذه اللغة علامة فارقة وبارزة تخصّ الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. وتنبع مكانة اللغة العربية هذه، من ضمن سائر الأمور، من حقيقة كون اللغة مُركّبًا أساسيًّا في كلّ ثقافة، وهي مُركّب مؤسِّس في ثقافة المجموعات القومية، وبواسطتها يقوم المرء بالتعبير عن نهجه الحياتيّ وتميّزه وهويته الشخصية والجمعية. وبخصوص هذا، ورد في قرار الحكم "رام مهندسيم": "إذا جرّدتَ الإنسان من لغته، جرّدته من ذاته".[10] كما نشير إلى أهمية أخرى تميّز اللغة العربية عند الفلسطينيين مواطني الدولة، وهي تنبع من حقيقة كون لغة هذه الأقلية، وثقافتها عمومًا، تتمايزان عن لغة وثقافة الأكثرية اليهودية.

 

وقد حظيت حقوق الأقليات القومية في اللغة والثقافة باعتراف صريح في القانون الدوليّ، عن طريق إعلان عينيّ يتعلق بحقوق الشعوب الأصلانية. ويعترف هذا الإعلان، مبدئيًا، بحقّ مجموعات الأقليات القومية في الاختلاف وفي الحقّ بالحفاظ على هذا الاختلاف. ويستند الإعتراف بهذه الحقوق الخاصة بالأقليات الأصلانية على الحقّ في تقرير المصير. والفكرة من وراء هذا أنّه لولا التغيير القسريّ الذي طرأ على مكانة مجموعات الأقلية هذه، فمن المعقول أن نفترض أنها كانت ستستمرّ في وجودها كجزء من مجموعة الأغلبية، حيث كانت ستدوم لها الحقوق الثقافية والحقوق الأخرى. وفي محاولة لتطبيق هذه الفكرة، ينصّ الإعلان على سلسلة طويلة من الحقوق ويُلقي بالواجبات على الدولة في سبيل ضمان هذه الحقوق. وينصّ البند رقم 5 من الإعلان على أنّ للأقليات القومية الحقّ في الحفاظ على وتعزيز مؤسّساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنفصلة، من دون المسّ بحقوقهم في المشاركة في مؤسسات الدولة المقابلة، وفق خيارها. ويمنع الإعلانُ الدولَ التي تحوي فيها أقليات قومية من فرض التمازج على هذه الأقليات في مجموعات الأكثرية المهيمنة. وفي هذا السياق، ينصّ البند رقم 8 في الإعلان على أنّ للأقليات الأصلانية الحقّ في الحفاظ على تميّزها الثقافيّ مقابل التمازج القسريّ في الدولة. كما يلقي هذا البند بالمسؤولية الفاعلة على الدولة لتوفير وسائل ناجعة من أجل منع إلغاء قيم ثقافة وهوية هذه الأقليات. وفيما يتعلق بلغة الأقليات القومية، ينصّ البند رقم 13 من الإعلان على أنّ من حق الأقليات القومية استخدام لغتها وتطويرها ونقلها مستقبلا إلى الأجيال القادمة، كما يُلزم الدولة بضمان وجود هذا الحقّ. وينصّ

 

 

 

الإعلان، أيضًا، على ضمان حقوق أخرى على مستوى اللغة، مثل حقّ الأقليات القومية في تأسيس وسيلة إعلام مستقلة بلغتها (البند رقم 16 من الإعلان).

 

يسعى اقتراح القانون إلى إلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية، وهو بهذا يتجاهل أهمية اللغة لدى الفلسطينيين مواطني الدولة، التي تنبع من مكانتهم كمجموعة أصلانية تحيا في البلاد حتى قبل تأسيس الدولة. هذا انعكاس لواقع شامل نرى فيه العبرية مسيطرة على الحيّز كله، فيما تُزَجّ العربية نحو الهامش، لتُكتب على لافتات تحذيرات أمنية أو تحذيرات من إلقاء النفايات. هذه السياسة تتجاهل حاجة الأقلية الفلسطينية إلى الإنتماء الجمعيّ وإلى تحقيق الذات لدى الأفراد الذين ينتمون إلى المجموعة، وإلى بلورة هويتهم الشخصية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



 

[1]الكاتب هو محامٍ في مركز "عدالة"

 

 

 

[2] أور كشتي، "وزارة المعارف أخرجت العربية من المناهج الإلزامية في المدارس فوق الابتدائية"، هآرتس، 18/1/2008.

 

 

 

 [3]اقتراح قانون ف/3723/17 الموضوع على طاولة الكنيست يوم 26/5/2008.

 

 

 

[4] ع أ 105/92 رام مهندسون م.ض. ضد بلدية نتسيرت عيليت، ب د م ز (5) 189.

 

 

 [5]  المصدر السابق. البند 28 من قرار الحكم، الصفحة رقم 209.

 

 

 

[6] المصدر السابق. الصفحة رقم 203. 

 

 

[7] قرار المحكمة العليا 4112/99 عدالة ضد بلدية تل أبيب-يافا، ب د ن و(5) 393. 

 

 

[8] المصدر السابق، الصفحات 455-456. 

 

 

 

[9]  قرار المحكمة العليا 1993/03 منظمة جودة السلطة في إسرائيل ضد رئيس الحكومة، ب د: ن ز6، 817.

 

 

[10] يُنظر أعلاه إلى الملاحظة رقم 3، الصفحة رقم 203.  

 

 

ملفات متعلقة: