المياه في النقب: مصدر الحياة وسلاح الترحيل

فوجئ أهالي القرى غير المعترف بها بان أسعار المياه قد ارتفعت بما يقارب الـ67 %؛ أضعاف ما يدفعه أي مستخدم آخر في البلاد

للقراءة عن التماس عدالة لربط قرية أم الحيران بالماء - إضغط هنا



"مصدر الحياة محاصر"

 

محمد محاجنة | مجلة عدالة الألكترونية، 101، شباط 2013

كثفت الحكومة خلال العام المنصرم استخدامها للمياه كسلاح لتهجير أهالي القرى غير المعترف بها. وقد دأبت السلطات المختلفة على وضع المزيد من العقبات أمام حصول سكان هذه القرى على المياه للاستخدامات اليومية والزراعية، وذلك من خلال رفض كافة الطلبات لربط القرى بشبكات المياه ومن خلال رفع أسعارها بشكل حاد. فعلاوة على ضرورة المياه للاستخدامات الحياتية اليومية، تعتبر المياه أمرًا هامًا لسكان هذه القرى لكون الزراعة هي مصدر الرزق الرئيسي، وبالغالب الوحيد، للغالبية العظمى من سكان هذه القرى.

 

ويبدو أن تعنت السلطات في رفض وصل القرى بشبكات المياه ورفع أسعارها فجأة لم تكن محض صدفة. فهي تندرج ضمن مخطط برافر، الذي سيؤدي في حالت تطبيقه إلى تهجير عشرات آلاف السكان البدو من بيوتهم وهدم قراهم. في هذه الحالة يصبح تضييق الخناق بواسطة حسر المياه هو المقدمة لتطبيق الخطط الأكبر.

 

لقد عانى عرب النقب عشرات السنوات محرومين من المياه التي تعد من ابسط مقومات الحياة والبقاء، وعلى مدى تلك السنوات تم نقل المياه إلى السكان عبر حاويات مجرورة، ومع نضال شعبي وقضائي عبر مؤسسات المجتمع المدني تم وضع فتحات مياه على أطراف القرى غير المعترف بها على أن يتصل الناس بهذه الفتحات بواسطة أنابيب بلاستيكية تمد على حساب السكان أنفسهم. إلا أن بعض القرى ما زالت تفتقد إلى تلك الفتحات وما زال أهالي تلك القرى تتزود بالمياه عبر الحاويات المجرورة مما يضاعف السعر بعدة مرات من السعر المتداول.

 

بحسب خارطة المياه التي أصدرتها شركة مكوروت سنة 2007، يوجد ما يقارب أل 265  فتحة مياه حول مداخل القرى غير المعترف بها (بما فيها قرى المجلس الإقليمي أبو بسمة التي تم الاعتراف بها حديثًا) وهي فتحات مياه بقطر فتحة المياه البيتية العادية. بعد بحث ميداني أجريناه العام الماضي، وجدنا أن هذه الفتحات تبعد عن بيوت السكان بين 1.5-5 كيلومتر، في حين يرتبط بكل واحدة من هذه الفتحات ما بين ال15 إلى 50 بيت، وترتبط البيوت بهذه الفتحات عبر أنابيب بلاستيكية. وبسبب التكاليف الباهظة لهذه الأنابيب، يستخدم السكان أنابيب رخيصة ذات جودة رديئة، تمد على سطح الأرض وتبقى معرضة للشمس طوال النهار، الأمر الذي يمس بشكل كبير بجودة المياه. ويظهر من مسح ميداني أجريناه في هذه القضية أن كل فتحة من هذه الفتحات تخدم بالمعدل بين 170 إلى ال600 إنسان. بالإضافة إلى ذلك، وبما أن مصدر الرزق الرئيسي في هذه القرى هي الزراعة وتربية المواشي، فان تلك الفتحات تزود أيضا عشرات إن لم يكن مئات الألوف من المواشي والدونمات الزراعية. ليس هناك أي جهة مسؤولة عن صيانة الأنابيب وتقع مسؤولية صيانتها وتكاليفها على السكان أنفسهم. وقد أشير إلى هذا في تقرير مراقب الدولة رقم 2011/004 الصادر في 2011/12/20  حيث أوصى المراقب بان على الوزارات المختلفة التكاتف لإيجاد حل يضمن للأهالي الحصول على مياه من خلال بنى تحتية سليمة وملائمة،  ما لم يحصل حتى الآن.

 

في كانون ثاني 2012، ثلاثة أشهر بعد عرض مسودة تقرير لجنة برافر، أصدرت سلطة المياه لائحة أسعار جديدة. وقد فوجئ أهالي القرى غير المعترف بها بان أسعار المياه قد ارتفعت  بما يقارب أل 67 % دفعة واحدة. وبعد التعمق في لائحة الأسعار ألمنشوره من قبل سلطة المياه نجد أن هناك 13 بند مختلفا لاستعمال المياه، مثل الزراعة، المواشي، الصناعة، المستشفيات والاستعمال ألبيتي، ولكل بند من هذه البنود لها سعر خاص مختلف عن الآخر. في بند 3.1.3.1 هناك سعر خاص للمستهلك المباشر للمياه، والمقصود بالمستهلك المباشر هو الحصول على المياه من شركة مكوروت مباشرة من دون وساطة سلطة محلية أو شركة مياه. هذا البند يشمل فتحات المياه في القرى غير المعترف بها بالإضافة إلى بعض المستوطنات الصغيرة جدا، بحيث تشكل فتحات المياه للقرى أكثر من 80% من الفتحات المشمولة في هذا البند. وبما أن كل فتحة تزود المئات من المستهلكين بالماء، لذا يشكل المستهلكون من القرى تقريبا ال99% من المستهلكين المشمولين في هذا البند. لقد كان واضحًا أن القفزة بالسعر والتي طالت فقط هذا البند من 6.2 شيكل  إلى 10.5 شيكل للكوب الواحد مقصود به التضييق على سكان تلك القرى.

 

إن ما يدفعه سكان القرى غير المعترف بها هو أضعاف ما يدفعه أي مستهلك آخر في البلاد. ناهيك عن أن السعر الذي يدفعه المواطن العادي يشمل في كل الخدمات لتوصيل المياه إلى البيوت وأعمال صيانة البنى التحتية، بالإضافة إلى تصريف المجاري، وذلك ما لا يحصل عليه أهالي تلك  القرى. معنى ذلك،  إن ما يدفعه المستهلك هناك هو أضعاف أضعاف الأسعار المقبولة في البلاد. أما بالنسبة لتربية المواشي والزراعة، المصدر الرئيسي للرزق لأهالي القرى، فلا توجد هناك تخصيص لكميات مياه بأسعار مخفضة من قبل الدولة كما يخصص القانون، لذلك يدفع الأهالي 10.5 شاقل لكوب المياه مقابل 2.1 شاقل للكوب والذي يدفعه أي مزارع ومربي مواشي في البلدات اليهودية المجاورة، مما يجعل تربية المواشي إن كان للتجارة أو للبيت عملية صعبة جدا مما يجعل مصدر الرزق الرئيسي غير مربح وغير مجدي.

 

يشعر أهالي النقب اليوم أنهم محاصرون، فمصدر رزقهم الرئيسي مهدد بسبب أسعار المياه، ومنهم من لا يستطيع دفع تلك الأسعار الباهظة حتى للاستعمال البيتي، فتقطع المياه عن عشرات البيوت بشكل متواصل، ومن حديثي مع بعضهم والذين توجهوا لسلطة المياه هاتفيا، فكان الرد انه "في القرى السبع المعترف بها المياه ارخص، فانتقلوا للسكن إلى هناك". هكذا تستعمل الدولة ابسط شروط الحياة وتحوله إلى سوط وسلاح موجه بوجه عرب النقب للضغط عليهم لقبولهم الرحيل والتنازل عن الأرض.