بين أكتوبر 2000 واستشهاد أبو القيعان: ليوضع حد لإفلات الشرطة من العقاب على جرائم قتل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل

 

عشرون عاما مضت منذ أن أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار على المتظاهرين الفلسطينيين في أكتوبر 2000 داخل الخط الأخضر فقتلت 13 منهم وجرحت المئات. على الرغم من الاستنتاجات الحاسمة التي توصلت إليها لجنة أور للتحقيق ضد ضباط وقادة الشرطة الإسرائيليين المتورطين، فقد تم إغلاق جميع الملفات ولم يتم توجيه الاتهام إلى أي متورّط ولا حتى مساءلته.

 

 

يأتي إحياء ذكرى هبة أكتوبر 2000 في وقت يشهد مستجدّات فيما يتعلق بقتل الشرطة الإسرائيلية في العام 2017 المعلّم يعقوب أبو القيعان، وهو في الخمسين من عمره. هناك صلة مباشرة بين إغلاق ملف أبو القيعان وملفات أكتوبر 2000، حيث يعتمد كلاهما على نفس السياسة المتمثلة في عدم توجيه تهم جنائية ضد سلطات إنفاذ القانون، بما في ذلك الشرطة، وذلك في القضايا التي تتعلق بقتل المواطنين الفلسطينيين في البلاذ. كما تقود هذه السياسة إلى الإفلات التام من العقاب وانعدام المساءلة، حتى في الحالات التي يوجد فيها بيّنات واضحة على الاستخدام المفرط وغير القانوني للعنف من قبل الشرطة.

 

أطلق رجال الشرطة المدججين بالسلاح النار بكثافة على يعقوب أبو القيعان وأردوه قتيلا خلال عملية هدم في قريته أم الحيران في النقب. فور مقتله، أعلن المفتش العام للشرطة الإسرائيلية روني الشيخ ووزير الأمن الداخلي جلعاد أردان أن أبو القيعان "مخرب" حاول دهس ضباط الشرطة. نتيجةً للصراعات السياسية الداخلية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزارة القضاء، تم الكشف مؤخرًا عن أدلة بشأن مقتل أبو القيعان، وتشير هذه الأدلة إلى أن سلطات إنفاذ القانون لجأت إلى جميع الوسائل الممكنة للحيلولة دون اتهام أي ضابط أو قائد شرطة، بما في ذلك إخفاء الأدلة وانتهاك القانون في هذه العملية.

 

لم يأت هذا بجديد على عدالة، ففي 12 حزيران / يونيو 2018، أرسل مركز عدالة رسالة مستعجلة إلى المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت يطالبه فيها بالعودة الفورية إلى جميع مواد التحقيق وفتح تحقيق مستقل ومحايد في التحقيقات المعيبة بشكل سافر، بما في ذلك تعارض واضح في المصالح وعرقلة سير العدالة، وكما في قضايا أكتوبر / تشرين الأول 2000، أغلق المدعي العام الإسرائيلي شاي نيتسان القضية متجاهلاً مجمل الحيثيات والبيّنات التي كانت تحت تصرفه.

 

في 8 تشرين الثاني 2000 تم تعيين لجنة أور للتحقيق في أحداث اكتوبر 2000. لتصل محاضرها إلى أكثر من 16,000 صفحة. بعد أن تلقّت 500 إفادة خطية واستمعت إلى 430 شاهدًا وشاهدة، إلى جانب 4,275 بيّنة، كما زار أعضاؤها المواقع التي استشهد فيها الشبان. في 1 أيلول 2003، نشرت لجنة أور تقريرها الذي امتد على أكثر من 800 صفحة.

أقرّت لجنة أور بأنّ الشرطة الإسرائيلية أطلقت النار على المتظاهرين بشكل غير قانوني واستخدمت العنف المفرط، كما أكّدت أنّ أيًا من المتظاهرين الضحايا لم يشكل خطرًا مباشرا من شأنه أن يبرّر إطلاق النار. بالإضافة إلى ذلك، وجدت لجنة أور أن الشرطة استخدمت لأول مرة القناصين ضد المتظاهرين، وهي خطوة غير قانونية تسببت في مقتل وإصابة العشرات. كما وأوصت بأن تحقق شعبة التحقيق مع رجال الشرطة (ماحاش) في هذه الحالات من أجل تحديد المسؤولية الجنائية وتقديم لوائح اتهام.

خلافًا لتوصيات لجنة أور، وفي تقريرها الصادر في سبتمبر 2005، أعلنت شعبة التحقيقات مع رجال الشرطة (ماحاش) أنها لم تحقق في جرائم القتل التي ارتكبت في أكتوبر 2000 وذلك بناءً على أوامر من المستشار القانوني للحكومة آنذاك، الياكيم روبنشطاين، والمدعية العامة للدولة، عدنه أربيل. ولكن نتيجة للاحتجاج الجماهيري الواسع على إغلاق الملفات وفشل ماحاش في التحقيق، طلب المستشار القضائي الجديد في حينه، مناحم مازوز، من مسؤول الشؤون الخاصة في مكتب المستشار القانوني للحكومة، شاي نيتسان، فحص تقرير وحدة التحقيق مع رجال الشرطة.

بدلا من ذلك، ودون القيام بأية تحقيقات جنائية وتجاهلاً للأدلة أمام لجنة أور، أكد نيتسان في عام 2008 على قرار ماحاش. وعلل ذلك بواسطة تطبيق المفهوم العسكري القاضي باحترام اعتبارات الجنود في المعركة. وفقا لهذا المفهوم قرر نيتسان أنه لا يوجد أي مبرر لاعتبار أي ضابط شرطة أو قائد مسؤول بارتكاب عمل جنائي، حتى لو انتهكوا أنظمة إطلاق النار، لأن ردهم على المتظاهرين كان "كما ينبغي أن يتصرف قائد عسكري جيد" في وضع عسكري مماثل.

رغم توصية لجنة أور بوضع حدّ لتعامل الشرطة مع المواطنين الفلسطينيين على أنهم أعداء، فإن سياسة سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية ماضية في تمسكها بعقيدة "العدو الأجنبي" الغير قانونية والعنصرية. كانت هذه العقيدة سارية المفعول حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وبررت تعليق حكم القانون في القضايا التي تشمل مجموعات اثنيه تم تعريفها على أنها "أعداء". في هذه الحالات، لم يعتبر قتل أفراد هذه الجماعات بمثابة ارتكاب جرائم. هذه العقيدة اعتبرت بعد الحرب العالمية الثانية كمخالفه للقانون الدولي الإنساني وبمثابه جريمة ضد الانسانية. وفي قضية أبو القيعان عام 2017، جاءت قوات الشرطة لهدم قرية أم الحيران في عملية ذات نمط عسكري، وهو المشهد الذي جرى استخدامه لتبرير مقتل أبو القيعان خارج نطاق القانون الجنائي. هذا أيضا ما حصل في أحداث أكتوبر 2000، إذ تعاملت ماحاش مع رد فعل الشرطة الإسرائيلية على المتظاهرين بمعايير رد عسكري ضد عدو مسلح وأثناء عملية عسكرية، واعترضت على اعتبارها مظاهرات لمواطنين، وهذا ما جرى استخدامه لتبرير إغلاق جميع الملفات الجنائية في قضايا القتل. وفي حين كانت الشرطة محمية من التهم الجنائية، تم اعتقال المئات من المتظاهرين، وتم توجيه لوائح الاتهام إلى العشرات، ورفعت قضيتان جنائيتان ضد أفراد عائلتين من ذوي الشهداء. وقد اتُهم والد شهيد بالاعتداء على الشرطي المشتبه الرئيسي في مقتل ابنه أثناء شهادته أمام لجنة أور وقد تم توجيه لائحة اتهام لشقيق شهيد بادعاء القول إنه سيقتل الشخص الذي قتل شقيقه.

في عام 2019، وللمرة الأولى، قبلت المحكمة العليا– بأغلبية اثنين مقابل واحد برأي أقلية - التماسًا تم تقديمه ضد المدعي العام لإغلاقه الملف المتعلق بقتل الشرطة عام 2014 خير حمدان من قرية كفر كنا. في هذه القضية، انتقدت المحكمة المدعي العام بشدة، ووجدت أن الأدلة تشير بوضوح إلى أن رجال الشرطة المتورطين يجب أن تقدّم بحقهم لوائح اتهام. ومع ذلك، قدم المدعي العام طلبًا لعقد جلسة استماع ثانية إلى المحكمة، وتم قبوله مؤخرًا. وكانت محاججته بأن قرار المحكمة يتناقض مع سياسة السلطات بالامتناع عن توجيه اتهامات للشرطة، لأن الأمر قد يردعهم عن استخدام القوة عند الحاجة. بمعنى آخر، ووفقًا لهذه السياسة، ينبغي ألّا يسري القانون الجنائي على الشرطة عند قتل المواطنين الفلسطينيين في البلاد.

إن سياسة سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية تعرض حياة المواطنين الفلسطينيين للخطر. كما أن تغيير هذه السياسة الخطيرة يتطلب أولاً وقبل كل شيء أن تتعاطى السلطات مع هبة أكتوبر 2000، والتي تشكل عاملاً حاسما في مفهوم المواطنة لدى الفلسطينيين في البلاد. لقد وضع العالم قتل الأفراد من المجموعات الإثنية والعرقية على أيدي الشرطة على رأس جدول أعمال مكافحة العنصرية والعنف. على سبيل المثال ففي أحداث يوم الأحد الدامي في العام 1972 في شمال إيرلندا قتلت القوات البريطانية 13 شابًا أعزل خلال مسيرة احتجاجية. وقد تعرضت لجنه انبثقت عن الحكومة البريطانية فور وقوع الأحداث لانتقادات واسعة باعتبار أن وظيفتها تبرئة القتلة. بعد 25 عامًا، جرى تعيين لجنة تحقيق جديدة ومستقلة، وفي عام 2010 خلصت إلى أن عمليات القتل كانت غير مبررة، وفتحت تحقيقات في القتل. بينما في الولايات المتحدة، حشد مقتل جورج فلويد وحركةBlack Lives Matter  في العام الجاري 2020 ملايين الأشخاص سواء في الولايات المتحدة أم حول العالم للاحتجاج على أعمال القتل التي ترتكبها الشرطة على أساس الانتماء العرقي والإثني.

إن التعامل مع حياة المواطنين الفلسطينيين في البلاد بشكل متساوي خال من العنصرية يتطلب أولاً القضاء على سياسية التمييز العنصري البنيوية في الدولة، وثانيًا اتباع مساعٍ حقيقية لتنفيذ توصيات لجنة أور فيما يتعلق بالتحقيق في أعمال القتل الشّرَطية ووضع حدّ لسياسة الإفلات المطلق للشرطة من العقاب.

في الذكرى السنوية العشرين لهبة أكتوبر 2000، يطالب عدالة بما يلي:

(1)  تشكيل لجنة مستقلة من أعضاء معروفين بمصداقيتهم ومهنيتهم، يتم اختيارهم بموافقة القيادة السياسية العربية في إسرائيل. وتكون قرارتها ملزمه قانونيا وصلاحياتها كما يلي:

أ) فحص الإخفاقات والمخالفات القانونية في جميع التحقيقات في ملفات أكتوبر 2000 وفحص مجمل لعمل جهاز التحقيقات.

ب) التوصية بتوجيه الاتهام إلى المسؤولين عن القتل وجرح المئات.

ج) التحقيق في قضايا القتل الفردي لمواطنين فلسطينيين في إسرائيل منذ عام 2000 والتي أغلقها ماحاش.

(2) فيما يتعلق بقضية قتل أبو القيعان ، يجب اصدار لوائح اتهام فورية ضد المسؤولين عن القتل، وكذلك ضد أفراد سلطات إنفاذ القانون لعرقلتهم سير التحقيق والعدالة.