عامان على هبة الكرامة: عدالة يصدر تقريرًا يستعرض الوقائع، الشهادات والتحليل القانوني لسياسات القمع والفصل العنصري
نشر مركز عدالة تقريرًا مطوّلًا بعنوان "عامان على هبة الكرامة"، يستعرض فيه الوقائع والمعطيات بالأرقام، ويوثّق شهادات عشرات الشبان والمعتقلين حول ما حدث وكم الانتهاكات والاعتداءات الوحشية التي تعرضوا لها من قبل أفراد الشرطة والمستوطنين.ويحلّل التقرير السياسات القمعيّة التي انتهجتها إسرائيل ضمن نظام فصل عنصري، وذلك من خلال وجود نظامين مختلفين لتنفيذ القانون وتطبيقه، واحد للعرب وآخر لليهود، ومن ضمنها كيفية التعامل مع الملفات من قبل المحاكم والأحكام القاسية وغيرها.إضافة إلى حيثيات استشهاد كل من الشهيد موسى حسونة في اللد برصاص المستوطنين، وإغلاق الملف ضد المشتبهين بالقتل من قبل الشرطة والنيابة العامة الإسرائيلية. والشهيد محمد كيوان برصاص الشرطة في أم الفحم.
يستعرض التقرير في أربعة فصول المعطيات وأنماط القمع التي استخدمتها الشرطة الإسرائيلية للتظاهرات مثل قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي والاسفنجي المغلف بالمطاط، إضافة إلى الرصاص الحي.ويستعرض أمثلة على استعمال العنف المفرط والوحشي من قبل الشرطة خلال قمع المظاهرات وفي داخل محطات الشرطة، إضافة إلى الممارسات القمعية الأخرى كمنع دخول المحامين لمحطات الشرطة وانتهاك حقوق القاصرين. بالإضافة، يتناول التقرير وسائل الرقابة والمراقبة التي تم استخدامها خلال الهبة، سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو في الحيز العام وقمع الحق في الاحتجاج وحرية التعبير.
ومن أبرز المعطيات التي جاءت في التقرير هو التباين في عدد المعتقلين. فمع إعلان الشرطة الإسرائيلية حملة "القانون والنظام" وتجنيد آلاف عناصر الشرطة وكذلك عناصر من الشاباك للمشاركة فيها، وبدء حملة اعتقالات قمعية واسعة، لم تعلن الشرطة رسميًا عن عدد المعتقلين، ويبدو أنها لا تملك الرقم الحقيقي أو أنها تخفيه، إذ جاء في التقرير أنه "وفقًا لمعطيات الشرطة الإسرائيلية ردًا على طلب حرية معلومات توجّه به مركز عدالة، تم تنفيذ 1,845 اعتقال في إطار ما سُمي بحملة "قانون ونظام". مع ذلك، لاحظنا وجود فجوة كبيرة بين هذا المعطى وبين الأرقام الرسميّة التي نشرتها مؤسسات الدولة في أماكن أخرى. ففي تقريرها عن حملة "قانون ونظام"، والذي نُشر بتاريخ 03.06.2021، تُشير الشرطة إلى أنّ عدد المعتقلين في الحملة قد وصل إلى 2142. بينما يُشير تقرير مراقب الدولة بشأن عمل الشرطة أثناء هبّة الكرامة في المدن "المختلطة" إلى وجود فجوة كبيرة بين عدد المعتقلين الذي أعلنت عنه وحدة التحقيقات في الشرطة وتلك التي أعلن عنها قسم البحوث والإحصاءات في الشرطة، إذ يُشير الأول إلى وجود ما يقارب ال 3,200 معتقل أثناء الهبّة وفي حملة "قانون ونظام" التي تبعتها، بينما يُشير الثاني إلى وجود 2,200 معتقل فقط".
من بين ال 1845 معتقل الذين صرّحت عنهم الشرطة في ردها على طلب حريّة المعلومات، كان هناك 1671 معتقلًا عربيًّا فلسطينيًّا، وذلك مقابل 171 معتقلاً يهوديّا فقط. ذلك على الرغم من الشكاوى العديدة التي تقدّم بما مركز عدالة لمناشير تحريضيّة وتهديديّة، وكذلك الهجمات التي نظّمها المستوطنين بالمئات على الفلسطينيين في المدن "المختلطة". كما وتُظهر المعطيات أنّ عدد المعتقلين القاصرين دون سن الثامنة عشر قد وصل إلى 291، بالإضافة الى 1551 معتقل بالغ. بما معناه، 91% من مجمل المعتقلين كانوا عربًا، وأكثر من 15% من المعتقلين قاصرين.
وعند التعمّق في بنود لوائح الاتهام ذاتها، يتّضح أنّ النيابة العامة الإسرائيلية شكّلت ذراعًا أخرى لإحكام القبضة على الفلسطينيين مواطني إسرائيل، حيث تعاملت معهم على كونهم "العدو من الداخل" الذي قام بفتح جبهة إضافيّة ضد الدولة أثناء خوضها الحرب مع "العدو من الخارج"، وفقًا لتوصيفها. حيث يظهر هذا بشكل جلي من المقدمة التي أرفقتها النيابة العامة استهلالًا لجميع لوائح الاتهام التي قُدّمت ضمن الهبّة، لتأطير الأحداث ضمن سياق أوسع واضفاء البعد الأمني فضلًا عن الجنائي على لوائح الاتهام.
شهادات التعذيب والتنكيل
وأرفق التقرير شهادات من عشرات المعتقلين حول التنكيل والتعذيب الذي تعرضوا له داخل وخارج محطات الشرطة، ومن بينهم محامين تم الاعتداء عليهم وعابري سبيل بالإضافة للمتظاهرين، وذلك ضمن شكاوى قدّمها مركز عدالة لقسم ماحاش، والتي أُغلقت جميعها دون استثناء. على سبيل المثال، (ي.م) وهو قاصر من مدينة يافا الذي يبلغ من العمر 12 عامًا، وكان قد خرج برفقة أصدقائه إلى الحي لاقتناء بعض الحلوى بعد الانتهاء من إفطار رمضان ذلك المساء، فوجد بطريقه قوات كبيرة من الشرطة تطلق قنابل صوتيّة ورصاص اسفنجي بشكل عشوائيّ في الشارع. لتفادي الإصابة، ركض القاصر نحو شارع جانبيّ باحثًا عن ملجأ يحتمي به، وإذ بشرطيّ يطلق النار عليه مباشرة ويصيبه في ظهره برصاصة اسفنجيّة عن بُعد أمتار قليلة فقط، ومن ثمّ يتركه مُلقًا على الأرض نازفًا. بعد مرور دقائق عدّة، عثر عليه أحد أصدقائه وقدم له وبعض المارة المساعدة، حيث تم نقله على الفور إلى مستشفى "وولفسون" لتلقي العلاج. مكث (ي.م) ما يزيد عن الأسبوع في المشفى في وحدة العناية المكثّفة، حيث تبيّن أنّه يعاني من إصابات داخلية عدة، منها إصابات في الرئة والكلية والكبد.
وهناك شهادات حول التنكيل والاعتقال غير القانوني مثل ما حدث في طوبا الزنغرية، إذ خرج (م.ع) ليتفقد بوابة منزله بعد سماعه دوي قنابل كثيف بالقرب منه، وما أن وصل إلى المدخل، بدء أفراد من الشرطة بملاحقته إلى داخل منزله، لينهالوا عليه بالضرب أمام عائلته وأطفاله. قامت قوات الشرطة بسحبه إلى الخارج ونقله إلى ساحة المجلس المحلّي، حيث تُركَ مكبَّل اليدين والرجلين لساعات طويلة بشكل مهين وتعسّفي، قبل أن يُنقل إلى محطّة الشرطة. هناك وفقط بعد مضي ساعات عديدة تم إعلامه أنّه معتقل واقتياده الى التحقيق.
ولم يسلم المحامون من التنكيل كذلك، فبالإضافة إلى منعهم لقاء المعتقلين ومنحهم الاستشارة القانونية، اعتقل بعضهم، وكانت لمحطة الشرطة المسكوبية في الناصرة حصة الأسد في التعذيب والتتنكيل، إذ يصف المعتقلون غرفة الاعتقال هناك على أنها "غرف التعذيب". تظهر هذه الشهادات اقتراف جرائم جنائيّة قاسية ارتكبها أفراد الشرطة والمسؤولون في المسكوبية؛ وقد شملت الاعتداءات بالعنف الوحشي الجسدي والكلامي والنفسي تجاه المعتقلين، إضافة الى منعهم من الالتقاء بالمحامين وانتهاك حقوق معتقلين قاصرين. تشير الشهادات إلى أن بعض المعتقلين وصلوا إلى محطة الشرطة وهم يعانون من إصابات جسديّة دامية، بينما تمّ الاعتداء على آخرين داخل محطة الشرطة.
وقال أحدهم في شهادته: قام أفراد الشرطة بربطي بذات الأصفاد مع معتقلين آخرين، معتقل من الجهة اليمنى وآخر من الجهة اليسرى وأمرونا بالجلوس على ركبنا، وجوهنا نحو الجدران ورأسنا للأسفل، وقاموا بإدخال المزيد من المعتقلين، بعضهم قاصرين. بدأوا بضربنا ضربًا مبرحًا بأقدامهم وهراواتهم، شاهدت دماء أحد المعتقلين تسيل على الأرض إذ تعرّض لضربة على رأسه. صرخ أفراد الشرطة طوال الوقت ’ رأسك للأسفل، ممنوع رفع رؤوسكم‘".
يروي معتقل آخر في شهادته بأنه رأى "أحد المعتقلين مع كُسرٍ في أنفه، وجهه مليء بالدم، على الرغم من ذلك استمروا بضربه. أحد افراد الشرطة كان ملثمًا وحمل بيده بندقية قام بضرب المعتقلين بها. وفي شهادة أخرى عن وحشيّة الضرب، يؤكّد أحد المعتقلين أنه رأى "شرطيًا يضرب معتقل بواسطة عصا المكنسة نحو يديه وقدميه حتى كُسرت المكنسة. كان يتعالى صوت ضحك أفراد الشرطة وسط الاعتداءات".
ختامًا، يؤكّد التقرير أنّ السياسات التي انتهجتها السلطات القانونيّة، يشمل النيابة العامة، أعادت التأكيد من جديد على انتهاج اسرائيل لسياسة فصل عنصري في تطبيق القانون، التي تجلّت من جهة بإطباق سياسة سيطرة على الفلسطينيين بوسائل قمع وترهيب، ومن جهة أخرى بتوفير الحصانة القانونيّة للمستوطنين ورجال الشرطة.
يؤكد التقرير أن الممارسات الاسرائيلية خلال الهبّة لم تكن مفصولة عن السياق الإسرائيلي والقانوني العام المبني على نظام الهيمنة والتفوق العرقي، وقد أسست بذاتها لممارسات قمع إضافيّة تم بلورتها بالأشهر التي تلت الأحداث، من ضمنها استغلال الجريمة و"مخططات مكافحة الجريمة" في المجتمع العربي لتوسيع صلاحيّات الشرطة لزيادة السيطرة على المواطنين الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم؛ المصادقة على مخططات حكوميّة بملايين الشواقل التي كُللت مؤخرا بإعلان وزير الأمن القومي الإسرائيلي، في آذار 2023 عن إقامة "الحرس القومي" ؛ وقرارات حكوميّة عديدة أخرى التي تدعو لفرض المزيد من الرقابة والمراقبة تجاه المواطنين الفلسطينيين وتحركاتهم السياسيّة.
على ضوء كل جاء في التقرير، يؤكد مركز عدالة أنه يرى بضرورة تدّخل دولي من أجل حماية المواطنين الفلسطينيين من الممارسات القمعية الممأسسة. كما يرى أنّ من واجب مؤسسات المجتمع المدني أن تكون في حالة تأهّب واستعداد دائمة من أجل مواجهة سياسات القمع والسيطرة الإسرائيليّة.
لقراءة التقرير كاملًا: https://shorturl.at/epBN8