ملفّات الطلبة: أشكال انتهاك مُؤسّسات التعليم العالي لحقوق الطلبة، مضامين المنشورات، لجان الطاعة والاستئنافات

أشكال انتهاك مُؤسسات التعليم العالي لحقوق الطلبة

يطعن مركز عدالة بقانونيّة الإجراءات التأديبيّة التي اتّخذتها الجامعات والكُلّيّات الإسرائيليّة بحقّ الطلبة الفلسطينيّين، وذلك لما فيها من انتهاكات عدّة ومسّ صارخ بحقوقهم كما تنصّ عليها قوانين الدولة ودساتير المُؤسسات نفسها: الانتهاك الأوّل هو في تجاوز المُؤسسات لنطاق صلاحيّاتها كما يُحدّدها قانون حقوق الطالب، عندَ بتّها بالشكاوى المُقدّمة ضدّ الطلبة، ذلكَ أنّ سُلطتها تقتصر على المُخالفات التي يرتكبها الطلبة بمُوجب دساتير مُؤسساتها وفيما يتعلّق بالدراسة فيها فقط؛ وليسَ تلكَ التي يقوم بها الطالب في حياته الشخصيّة أو مواقع التواصل الاجتماعيّ الخاصّة به. إلّا أنّ هذه الحرب كشفت عن الجوهر الشُرَطيّ لمُؤسسات التعليم العالي في إسرائيل والتي رأت بنفسها جزءً من أذرع إنفاذ القانون في الدولة، مثل الجيش، الشرطة، المحاكم وغيرها.

 

الصورة من صفحة جامعة حيفا في منصّة لينكدين

 

الانتهاك الثاني هو في تجاوز المُؤسسات الأكاديميّة للإجراءات التي تضمن الحفاظ على حقوق الطلبة كما وردت في دساتيرها، إذ سارعت إلى اتّخاذ إجراءات تأديبيّة أُحاديّة الجانب بمُعاقبة ومُلاحقة كُل من ينشر "موادًا تحريضيّةً" في مواقع التواصل الاجتماعيّ؛ دون مُحاولة الوقوف على جميع حيثيّات قضاياهم ومع سلبهم لحقّهم في الدفاع عن أنفسهم. ذلك أنّ المُؤسسات الأكاديميّة اتّخذت قراراتها، في عدد لا بأس به من الحالات، دون التعمّق في أقوال الطلبة ومنشوراتهم وفهم مضمونها، ودون استدعاء الطلبة إلى جلسات استماع للإصغاء لهم، أو منحهم الحقّ بعرض تبريراتهم بشأن ادّعاءات الجامعة، وهو ما يُنافي التعليمات الداخليّة لهذه المُؤسسات.

 

لقراءة تقرير عدالة الكامل حول مُلاحقة الطلبة الفلسطينيّين، اضغط\ي الصورة.

 

على سبيل المثال، في 7% من الحالات التي توجّهت إلى عدالة (من الـ 113 طالبًا)، حصلَ الطلبة على مكتوب فصل فوريّ ونهائيّ عن الدراسة دون أي إجراء تأديبيّ، ولم تُلغي المُؤسسات قراراتها هذه وتُباشر بالإجراءات التأديبيّة لاستيضاح الشكاوى إلّا بعد الاستئنافات التي قدّمها عدالة للجامعات والكُلّيّات.  أمّا في 47% من الحالات، فقد حصل الطلبة على مكاتيب بتوقيفهم مُؤقّتًا عن التعليم دون اتّخاذ أي إجراءات تأديبيّة. أمّا 51% من الطلبة، أي ما يُقارب النصف فقط، مرّوا بالإجراءات التأديبيّة اللازمة قبل اتّخاذ قرار بشأنهم.

 

علاوةً على ذلك، يتّسم موقف المُؤسسات الأكاديميّة الرسميّ من الطلبة العرب بالعدائيّة والعنصريّة اتّجاههم، ويحتوي على افتراض مُضمَّن ومُسبق بأنّهم مُشتبهين بدعم الإرهاب وقتل المدنيّين فقط لمجرّد كونهم عربًا؛ وهو ما قد يُفضي بدوره إلى إشعال وتغذية حملات التشهير، التحريض والكراهية ضدّ الطلاب العرب، المُنتشرة أصلًا في مواقع التواصل الاجتماعيّ، وإلى تعريض حياتهم وأمنهم للخطر، إضافةً إلى خلق حرمٍ رافضٍ للفلسطينيّين وآرائهم. 

 

 

 

مضامين المنشورات

أمّا بالنسبة لمضامين ومُحتوى المنشورات التي قُدّمت عليها شكاوٍ للمُؤسسات الأكاديميّة، فهي تتراوح بين تعبير عن تعاطف الطلبة مع السُكّان والمواطنين في مدينة غزّة والتأكيد على انتمائهم وهويّتهم الفلسطينيّة أو اقتباسات لآيات دينيّة من القرآن، صور من أحداث 07/10، أو تلك التي تتناول أحداث 7/10 في سياقها السياسيّ والتاريخيّ، وغيرها من المنشورات التي تقع كُلّها ضمنَ حدود حُرّيّة التعبير والدين، ولا تشكّل دعمًا "للإرهاب"، "التماثل مع منظّمة إرهابيّة" أو تحريض "للإرهاب"، وفقًا للتعريفات القانونيّة المنصوص عليها في قانون "مكافحة الإرهاب" من عام 2016، وهو بحدّ ذاته قانون عنصريّ وفضفاض ويُتيح لقوّات الأمن والنيابة الاسرائيليّة تقديم عشرات لوائح الاتهام ضدّ الفلسطينيّين بسبب منشوراتهم و تعبيرهم عن آرائهم في مواقع التواصل الاجتماعيّ.

 

بذلك، باتت المُؤسسات الأكاديميّة التي يقوم وجودها على حُرّيّة التعبير عن الرأي، القامع الأوّل لها، بواسطة آليات وتعريفات ومبادئ قانونيّة لم تتواجد سابقًا في القانون الاسرائيليّ. بالتالي، وَسَّعت المُؤسّسات الأكاديميّة رُقعة التجريم للخطاب الفلسطينيّ وجذّرت المفهوم الحصريّ للتعبير؛ فإمّا أن يكون الفرد داعمًا للحرب ولإسرائيل؛ وإمّا أن يكونَ داعمًا للإرهاب.

 

الصورة من صفحة "جفرا- التجمّع الطلّابي في الشيخ مونّس" في منصّة فيسبوك

 

 

 

لجان الطاعة

اهتمَّ مركز عدالة بتقديم المُرافقة والاستشارة القانونيّة لمن تَوَجَّهَ إلى المركز من الطلبة؛ وذلكَ من خلال دراسة كُل حالة بشكل مُعمّق، تنظيم لقاءات تحضيريّة للطلبة قبيل موعد جلسات الاستماع، ومن ثمَّ من خلال التواجد معهم وتمثيلهم في هذه الجلسات. إلى جانب طاقم عدالة، عملَ على ملفّات الطلبة كُل من المحاميات المتطوّعات لبنى توما وروان اغبارية.

 

لقراءة تقرير عدالة الكامل حول مُلاحقة الطلبة الفلسطينيّين، اضغط\ي الصورة.

 

حتّى الخامس والعشرين من نوفمبر للعام 2023، عُقدت جلسات استماع لـ 73% من كُل الحالات التي يُمثّلها مركز عدالة، وهي 93 حالة. أصدرت لجانُ الطاعة قرارات بحقّ 42 طالبًا من مجموع الحالات الكُلّي (أي ما يُعادل 44% من مجموع الحالات الكُلّي)، فيما لم يصدر قرار بحقّ 28 طالبًا (أي ما يُعادل 29% من مجموع الحالات الكُلّيّ) على الرغم من انعقاد جلسات الاستماع. بالمُقابل، كان هنالك 6 حالات (أي ما يُعادل 6% من مجموع الحالات الكُلّيّ) والتي حُدِّد فيها موعدًا للجلسة، إلّا أَنّها لم تُعقد بعد؛ وَ 20 حالة (أي ما يُعادل 21% من مجموع الحالات الكُلّيّ) والتي لم يُحدّد فيها موعدًا للجلسة حتّى موعد نشر هذا التقرير. 

 

كان واضحًا من جلسات الاستماع بأن موقف أعضاء اللجان التأديبيّة لم يكُن مُغايرًا للسياسة والموقف المُعلنين للمُؤسسات الأكاديميّة اتّجاه الطلبة الفلسطينيّين كما انعكست في الانتهاكات والتصريحات المذكورة أعلاه. وعليه، لم يكن للجلسات أن تخلو من الصعوبات أو أن تسير بشكل سلس بطبيعة الحال. ذلكَ أن كانَ واضحًا بأنّ الجو العامّ في الجلسات مشحون ومُتأثّر بشدّة من خطاب الكراهيّة، العُنصريّة والانتقام في إسرائيل المُناهض للعرب؛ حتّى أنّ قسمًا من أعضاء اللجنة لم يُحاولوا إخفاء ذلك، بل وعبّروا عن آرائهم هذه بصراحة شديدة. 

 

من جانب آخر، اعتمدت العديد من الادّعاءات التي تُوجّهها لجان الطاعة إلى الطلبة على ترجمات خاطئة ومشوّهة لمنشورات الطلبة من اللغة العربيّة إلى اللغة العبريّة. ذلكَ عدا عن أنّ اللجان لم تُحاول تبيّن أو استيضاح دلالات النصوص المنشورة المُتعدّدة، أصلها أو حتّى تفسيرها في سياق المُجتمع والثقافة العربيّين والدين الإسلاميّ. فضلًا عن ذلك، جزء كبير من ادّعاءات اللجان ضدّ الطلبة، اعتمدتْ على تفسيرات مُنحازة للمنشورات من وجهة نظر أعضاء اللجنة، تلك التي تهدف إلى إدانة الطلاب بدلًا من استيضاح الدلالة والمعنى منها، وبالتالي اعتبار تفسيرات أعضاء اللجنة على أنّها التفسيرات الوحيدة الصحيحة، مع رفض أي تفسير آخر يطرحه الطاقم القانونيّ أو الطلبة؛ ممّا دفع المركز في بعض الحالات إلى الاستعانة والاستشهاد بآراء مُتخصّصين في العلوم الدينيّة، اللغويّة أو السياسيّة لتفكيك تفسيرات وادّعاءات لجان الطاعة.

 

علاوةً على هذا كُلّه، برز في لجان الطاعة عدم الفهم للسياق السياسيّ والاجتماعيّ الفلسطينيّ، إذ أنّ المُداولات في كافّة الإجراءات جرت من وجهة نظر إسرائيليّة بحتة، دون أي مُحاولة من طرف اللجنة لفهم أو إدراك تجربة الطالب العربيّ-الفلسطينيّ، أو آرائه السياسيّة تجاه الاحتلال أو الحصار المفروض على قطاع غزة.

 

 

لقراءة تقرير عدالة الكامل حول مُلاحقة الطلبة الفلسطينيّين، اضغط\ي الصورة.

 
تباعًا لما أُسلِفَ ذِكره حول سير ومضامين جلسات الاستماع، صدرَت القرارات التالية عن لجان الطاعة حتّى الخامس والعشرين من نوفمبر للعام 2023، وذلكَ من مُجمل الحالات التي صدرَ فيها قرارًا بحقّ الطلبة، وهي 42 حالة: حصلَ 41% من هؤلاء الطلبة (أي 17 طالبًا) على البراءة المُطلقة بسبب الشكّ بإمكانيّة إدانة الطالب أو التراجع عن التُهم المنسوبة له والإجراءات بحقّه. من جهة أُخرى، فرضت لجان الطاعة عقوبةً، أو عدّة عقوبات، ذات طابع تعليميّ على 12% من هذه الحالات (أي 5 طلبة)؛ مثل كتابة رسالة اعتذار علنيّة أو موجّهة لزملائهم، القيام بأعمال لخدمة المُجتمع، التسجيل لمشروع\مساق اجتماعي، أو توجيه إنذار وإضافة تحذير في ملف الطالب. بالمقابل، صدرَ قرارًا بالفصل المُؤقّت بحقّ 26% من الحالات (أي 11 طالبًا). تتراوح مُدّة الفصل المُؤقّت بين الفصل الواحد (لـ 6 حالات منهم)، والعام كحدٍّ أقصى (لـ 5 حالات منهم). نهايةً، صدرَت قرارات بالفصل التامّ بحقّ 21% من هؤلاء الطلبة (أي 9 طلبة)، بموجبها يُمنع من الطالب العودة إلى مقاعد الدراسة في المؤسسة الأكاديميّة ذاتها، منها حالة واحدة انتهت بإقصاء الطالب لمُدّة ثلاث سنوات، وذلكَ بموافقة اللجنة التدريسيّة. 

 

 

الاستئنافات

يجب التنويه إلى أنَّ صدور هذه القرارات عن اللجان التأديبيّة لا يُبطل إمكانيّة الاستئناف عليها، ذلكَ أن الاستئنافات جائزة أمامَ لجنة الاستئنافات التابعة للمؤسسة ووفقا لدستورها. بناءً على ذلك، يدرس مركز عدالة إمكانيّة تقديم استئناف في كل حالة على حدى بناءً على خصوصيّة الحالة من خلال أخذ عدّة معايير بالحسبان: شدّة العقوبة، خطورة الحصول على عقوبة أشدّ، ورغبة الطالب. حتّى الخامس والعشرين من نوفمبر للعام 2023، قدَّمَ الفريق القانونيّ لمركز عدالة ثمانية استئنافات، ويعمل على تقديم استئنافات أُخرى. 

 

 

 

مُستندات:

لقراءة ورقة موقف لـ"عدالة" حول "قانون مكافحة الارهاب - 2016"، اضغط\ي هنا.