المخرجات الأهم لجلسة معتقلي أم الفحم: تسليط الضوء على معاناة المعتقلين والأوضاع اللا إنسانية في السجون

أصدرت محكمة الصلح في حيفا يوم الخميس، الموافق 28.12.2023، أمرًا بتمديد اعتقال كل من المحامي أحمد خليفة ومحمد طاهر جبارين، حتّى الخميس القادم الموافق الرّابع من كانون الثاني/يناير 2024، من أجل فحص بدائل لاعتقالهما حتى نهاية الإجراءات، مثل إطلاق السراح المشروط بحبس منزلي ووجود مراقبين إلى جانب تقييدات أخرى. هذا هو التمديد الثالث من نوعه لسلسلة جلسات تبتّ فيها المحكمة في إطلاق سراحهما أو إبقائهما قيد الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحقهما.

 

ودارت مداولات في قاعة المحكمة حول أهلية المعتقلين ومراقبيهم للالتزام بتقييدات الحبس المنزلي، وذلك بناءً على تقارير مراقبي سلوك الأحداث لدراسة بدائل الاعتقال التي طلبتها المحكمة في الجلسة السابقة. وهذا بالرغم من إن كانت التقارير جيّدة بمجمل توصيفاتها للمعتقلين إلا أن توصية المراقب في نهايتها كانت توصية سلبية.

 

دامت الجلسة نحو ثلاثِ ساعاتٍ طرحَ فيها طاقم الدفاع عددٌ من الادعاءات ضد التقرير وعدم قانونية استمرار الاعتقال، لكن لعلّ الأمر الأبرز كان شهادات المعتقلين في قاعة المحكمة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى منذ اعتقالهما قبل ٧١ يوما التي يحضران بها إلى قاعة المحكمة.

 

 أدلى كلّ من أحمد ومحمد شهادته على حِدَة، شارحًا ظروف الاعتقال ومستذكرًا أصعب المواقف التي مرّ بها. كانت شهادات حادّة، مؤلمة، حقنت أجواء القاعة بالهدوء المتوتّر. منها نستعرض:

 

صحن الأرزّ الذي تمخّض فولدَ فأرًا:

وصفَ المعتقلين ظروف السجن بأنها متدنّية للغاية: إهانة وضرب وتهديد، لا أدوات استحمام، لا فراش ولا ملابس كافيين، طعام شحيح وأحيانًا عفن، أجلسهم السجانون على ركبهم دون سبب. وهذه ظروف توالت تفاصيلها إلى سمعنا من قبل، حيث يعيشها الأسرى ضمن سياسة ممنهجة تستمر في مفاقمة قسوتها مع سيطرة بن غفير على مصلحة السجون، لكن ما لم يتوقّع أن يسمعه أحد في القاعة هو خروج فأرٍ من صحن أرزّ قدّم له، ورؤية السجان لذلك دون تحريك ساكن. قال المعتقل أنه كانت هناك كاميرات مراقبة عند وقوع الحدث وبالإمكان فحصها.

 

حرامٌ عليك أن تبتسم، الفرح جريمة يعاقب عليها السّجان:

روى أحد المعتقلين أنه قاسمَ زنزانته مع شابٍّ يكاد يكون قاصرًا، أخطأ هذا الصّبي وظنّ أن بإمكانه الابتسام داخل الحبس. أمسك به سجانٌ مارّ بحِداه متلبّسًا، سأله: لم تبتسم؟ أجابه الفتى: "أنا مبسوط". استشاط السّجان غضبًا لمجرّد أنه تجرأ على الإجابة، وقال: "قلت لي مبسوط، ها؟". أخرجه من زنزانته إلى منطقة معزولة في السّجن، وانهال عليه بالضرب المبرح، قاموا بالدعس على رأسه وصدره بأقدامهم، بحسب شهادة المعتقل، وعندما أعادوه إلى زنزانته، قال أنّه فحص له رأسه ليطمئن أن كل شيءٍ على ما يرام. كان هو والصّبي في ما يسمّى "غرفة مراقبة"، توجد فيها ثلاث كاميرات، وقال أنه بالإمكان فحصها للتأكد من صحّة الرواية.

 

شهادةٌ سَمعية على الاستشهاد البطيء (أو الإهمال المميت):

لعل الشّهادة الأكثر ترويعًا هي وصف أحد المعتقلين صراخ واستنجاد أسير في الزنزانة المحاذية له لأيّام، قالوا أنّه "تشاجر مع أحد السّجانين" وأبرحوه ضربًا، ثمّ ألقوه في هذه الزنزانة. لثلاثة أيّام، شكى الأسير باستمرار من آلام حادة في بطنه وأمعائه، قوبلت بالتجاهل والإسكات من السّجانين. قال المعتقل أنهم عندما أخرجوه أخيرًا من زنزانته، ظن للحظة أنهم أخذوه ليتلقّى العلاج، ليتّضح أنهم عزلوه بالحبس الانفرادي حتى فارق الحياة؛ ومن ثم طلبوا له إسعافًا.

 

الانتقام من الأسرى والمعتقلين من خلال وضعهم في ظروف لاإنسانية:

يصف المعتقلون ظروف اعتقالهم القاسية ويفصّلونها، يذكرون شُحّ الأكل والملبس، التجويع وتوسيخ وجباتهم برفسها إلى داخل الزنزانة، خاصةً الأرز، قالوا أن البيض هو المفضل على الباقي لأنه "لا يمكن إدخال أجسام غريبة إليه"، كما ذكروا أنهم قضوا غالبية وقتهم في نفس الملابس الصيفية، وأنه كان عليهم طلب إدخال لباس من خلال محاميهم، وأنهم تلقوا سترًا شتوية ليقوا بها أنفسهم شرّ البرد فقط قبل أيام. كما وذكروا أنهم عند مشيهم في الطابور كان السجانون يطلقون أصوات تستعمل لسياق الدواب كأنما كانوا حيوانات. عند الضرب والشتم أيضًا قالوا لهم أنهم "إرهابيون"، وأنهم يريدون قتل الرجال والنساء ولا فرق عندهم.

 

انتهى المعتقلون من إدلاء شهاداتهم وتبع ذلك جوٌّ ثقيل ومشحون في قاعة المحكمة، طالبت فيه القاضية مصلحة السجون والمحامي الذي يمثل النيابة العامة بالردّ على هذه الادعاءات والتحقيق في ظروف اعتقالهم حتى موعد الجلسة القادم، ودراسة إمكانيات إطلاق سراح المعتقلين مع تقييدات كبدائل عن اعتقالهم الفعلي.

 

هذا ويقبع المعتقلين في سجن مجيدو منذ التاسع عشر من تشرين الثاني\أكتوبر عقب اعتقالهم في مظاهرة خرجت في مدينة أم الفحم تنديدًا بالحرب على قطاع غزة، ووجهت إليهم تهم "التحريض على الإرهاب" و"التماثل مع منظمة إرهابية" لهتافات أطلقوها خلال المظاهرة.

 

يمثل المعتقلين كل من د. حسن جبارين وميسانة موراني عن مركز عدالة، والمحامية أفنان خليفة.

من جانبه، علّق مركز عدالة قائلًا: "منذ بداية الحرب قامت السلطات الإسرائيلية بمنع زيارات الأهل وتقييد زيارات المحامين الأسرى ليتسنى لهم المس بالأسرى بدون أي رقيب وذلك تماشيًا مع سياسات بن غفير.  الشهادات التي سمعناها اليوم بالمحكمة بالنسبة لشروط الاعتقال تمثل فقط جزء من معاناة الأسرى والتي أسفرت عن استشهاد ٦ أسرى، ٢ منهم في سجن مجيدو."