عدالة وكيان: بيان مشترك بمناسبة يوم المرأة العالمي

يحتفل العالم اليوم، في الثامن من آذار/مارس 2024، بيوم المرأة العالمي، والذي يحلّ هذا العام علينا في وقت تتعرض فيه النساء الفلسطينيات في غزة لويلات الحرب وإسقاطاتها، فيما تتعرّض النساء الفلسطينيات في القدس والضفة الغربية، والداخل الفلسطيني لعنف الدولة السافر والقمع والعنصرية والاضطهاد من قبل الجيش الإسرائيلي ومعظم منظومات الدولة، كلٌّ بدورها. في حين أن الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة تقوّض كل مقومات الحياة، فإنّ أثرها على النساء والفتيات كارثيّ.

 

تعاني النساء في قطاع غزة وكذلك الأطفال من وطأة العدوان العسكري الإسرائيلي الأكثر إجرامية، والذي لم يسبق له مثيل من حيث نطاقه وقسوته.  وفقاً لمعطيات الأمم المتحدة فإن نحو 9,000 امرأة قُتلن في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول، وما زالت نساء كُثر تحت الأنقاض. وفي كل يوم تتواصل فيه الإبادة، يُقتل ما معدله 63 امرأة و37 أمًا.

 

هذا وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في جلسة استجواب عقدت مؤخرًا في الكونجرس الأمريكي إن أكثر من 25 ألف امرأة وطفل قتلوا في غزة. ووفقًا لمعطيات منظمة الصحة العالمية، فإنه في شمال قطاع غزة يعاني طفل واحد من بين كل 6 أطفال دون سن السنتين من سوء التغذية الحاد. ويواجه صراعهم للبقاء على قيد الحياة عوائق شديدة بسبب النزوح القسري، ونقص الغذاء والماء، وتدمير البنية التحتية.

 

وتواجه النساء انتهاكات إضافية لحقوقهن، بما في ذلك غياب الرعاية الصحية المناسبة لما يقدّر بنحو 50 ألف امرأة حامل نتيجةً لتدمير المرافق الطبية، بما في ذلك انعدام إمكانية الحصول على الرعاية الطبية بعد الولادة للنساء وأطفالهن الذين ولدوا للتوّ والرضّع، وندرة المنتجات الصحية والمرافق المعقّمة.

 

في كل يوم، نحو 180 امرأة في غزة تلدنَ من دون تخدير كافٍ عند الضرورة أو مسكنات للألم أو حتى توفّر الماء. كما لا تتوفر الاحتياجات الأساسية للنساء، مثل الفوط الصحية المعقمة، وتضطر النساء إلى استخدام بدائل من الاقمشة وأشرطة مقتطعة من الخيام، وكذلك إلى تناول أدوية منع الحمل لمواجهة الحالة العقيمة وغير الصحية. كما وأدت هذه الظروف غير الانسانية إلى إصابة النساء بالأمراض والالتهابات.

 

تواجه النساء الفلسطينيات في الداخل، ومنذ السابع من تشرين الأول\أكتوبر 2023، وإعلان حالة الحرب، الكثير من العقبات والتحديات المختلفة تمامًا عما يحدث في غزة لكن المرتبطة بالحرب عليها؛ إذ يتعرضن لموجة من الترهيب السياسي الخطير وعنف الدولة المستفحل ضدّهن.

 

لقد وثّق مركز "عدالة" ارتفاعًا غير مسبوق في حالات الاعتقال بين النساء الفلسطينيات في الداخل وكذلك النساء المقدسيات، بذرائع ارتكاب مخالفات تتعلق بالتعبير عن الرأي. كما يتعرّضن لظروف قاسية وغير إنسانية في المعتقلات الإسرائيلية تتسم بالتنكيل والاعتداء اللفظي والجسدي.

 

بالإضافة، تتعرض أعداد كبيرة من النساء لسياسة الكبت والقمع في حال قمنَ بالتعبير عن أية معارضة للحرب؛ وتواجه العشرات من الطالبات في الجامعات الإسرائيلية إجراءات المحاكم التأديبية القامعة، في حين طال الفصل من العمل نساء من شتى المهن والمجالات، بمن في ذلك الطبيبات والممرضات والفنانات والمحاضرات في الجامعات، وسط حملات تحريض علنية ضدهن على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

بعد السابع من أكتوبر تلقّى خط الدعم والطوارئ في تنظيم "كيان" النسوي 630 اتصالًا ذا صلة. (73%) من هذه التوجهات أتت من نساء فيما (27%) من رجال، وفي معظمها أعربوا عن قلقهم بشأن الانتهاكات المتعلقة بحقوقهم العمالية. أفاد العديد من المتصلين، وخاصة النساء، أنهم تعرضوا في أماكن العمل للتهديد من قبل زملائهم اليهود الإسرائيليين الذين ضغطوا عليهم لإعلان دعمهم للحرب، والتعبير عن دعمهم لإسرائيل، و/أو الامتناع عن إظهار التعاطف مع غزة. علاوة على ذلك، هددهم زملاؤهم في العمل من اليهود الإسرائيليين بالكشف أمام عائلاتهم عن معلومات شخصية تتعلق بالميول الجنسية والعلاقات العاطفية. تخلق هذه الأنواع من التهديدات والمضايقات والإكراه بيئة عمل عدائية للغاية وفي بعض الحالات قد تعرض حياة الموظف وسلامته للخطر.

 

كما أبلغت نساء فلسطينيات مركز الدعم لـ"كيان" عن تعرضهن للتحرش على شبكة الانترنت من قبل المواطنين اليهود الإسرائيليين ومن موظفين رسميين. لقد أصبحت حملات التصيّد وجمع المعلومات الشخصية عن الناشطات الفلسطينيات من الداخل، ظاهرة واسعة النطاق تعرض سلامتهن للخطر. على سبيل المثال، قام وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن جفير، في عدة مناسبات بنشر صور لنساء فلسطينيات محتجزات لدى الشرطة على خلفية العلم الإسرائيلي التي وضعوها خصيصًا لهذا الغرض، بهدف واضح وهو تعميم هذه الصور وإذلالهنّ على الملأ عبر الإنترنت.

 

بدورها، استهدفت الجامعات والكليات الإسرائيلية الطلاب الفلسطينيين ممن يرتادون صفوفها، وذلك بإجراءات اللجان التأديبية القامعة على خلفية تعبيرهم عن معارضتهم للحرب أو على مجرياتها. وتتأثر الشابات بشكل غير متناسب، ويشكلن أغلبية واضحة من المستهدفين. وكما وثّق مركز "عدالة"، ومن خلال تمثيله القانوني للطلاب خلال الأشهر الأربعة الماضية ومراقبته الشاملة، 79% من الإجراءات التأديبية ضد الطالبات (ما مجموعه 88 طالبة، مقارنة بـ 21% ضد الطلاب الذكور (23 طالبًا). بالإضافة إلى ذلك، تتعرض الطالبات الفلسطينيات لحملات سافرة من التشهير والتحريض على منصات مختلفة من قبل مجموعات طلابية يهودية إسرائيلية، والتي تمر دون أية اجراءات تأديبية أو عقاب على الإطلاق.

 

إن هذه الملاحقة والاضطهاد الانتقائي يتسبب بالأذى الكبير، ويعطل التقدم الأكاديمي للطالبات الفلسطينيات. وإلى جانب التأثير المباشر على تعليمهن، تنتهك هذه الإجراءات التأديبية الحقوق الأساسية التي تحميها العديد من المواثيق الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها إسرائيل، ولا سيما الحق في حرية التعبير والحصول على التعليم، مما يؤدي إلى إدامة منظومة التمييز وانتهاك مبدأ المساواة للجميع ويجعل النساء الفلسطينيات في إسرائيل مجموعة معرضة بالفعل للتمييز المنهجي والقمع من قبل الدولة -.

 

من بين 271 حالة اعتقال أو استجواب أو  ما يطلق عليه "محادثات تحذيرية" وثقها مركز "عدالة" منذ 7 أكتوبر\تشرين الأول، كانت 68 منها على الأقل (27%) ضد نساء فلسطينيات مواطنات إسرائيل،  والعديد منهنّ شابات، وغالبًا طالبات جامعيات، اللاتي لا يوجد بحقّهنّ أية سوابق جنائية على الاطلاق. وترتبط الغالبية العظمى من هذه الاعتقالات بمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتستند إلى اتهامات مزعومة بـ"التحريض على الإرهاب" أو "الانتماء إلى منظمة إرهابية" أو "التماهي مع أعمال إرهابية"، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي الشمولي للعام 2016.

 

من وجهة نظر "عدالة"، فإن معظم هذه المنشورات هي عبارة عن خطاب محمي قانونيًا، وخارج أية عتبة جنائية، وهي بعيدة جدًا عن أن ترقى إلى مستوى "الإرهاب". وقد بقي عدد من هؤلاء الشابات رهن الاعتقال لفترات طويلة، والتي تمددها المحاكم بشكل متكرر، وغالبًا ما يكون الاعتقال في الأقسام الأمنية في السجون الإسرائيلية والمكتظة بشكل خانق.
 

أثناء عملية الاعتقال، عانت العديد من النساء أيضًا من وحشية الشرطة، بما في ذلك تعصيب الأعين، ومداهمات الاعتقال العنيفة التي نُفذت بعد منتصف الليل، والتفتيش بالتعرية من الملابس. أثار "عدالة" مخاوف جدية بشأن العنف الشديد الذي تستخدمه سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية أثناء الاعتقالات وفي مرافق الاحتجاز (لمراجعة التقرير). تم وضع العديد من  النساء الشابات المعتقلات في الأقسام الأمنية في السجون الإسرائيلية، حيث الظروف الأسوأ والأكثر قسوة مقارنة بالأقسام الأخرى من السجون. لقد حُرمْنَ  من الحق في الاتصال بالأسرة، كما تُمنع العائلات من توفير الأغراض الشخصية، بما في ذلك الملابس والأدوية. تخرج هؤلاء النسوة من الزنزانة المكتظّة والخانقة لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم الى باحة السجن، ويُحرمن من الحصول على لوازم صحية كافية وفي الكثير من الحالات محرومات من أية لوازم صحية. الغذاء غير كاف من حيث الكمية والنوعية. وتفرض مصلحة السجون الإسرائيلية هذه الظروف المتدنّية والتمييزية والتي تخالف حتى أنظمة وإجراءات المنظومة ذاتها، والتي ترقى إلى مستوى الملاحقات السياسية.

 

أعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم البالغ إزاء الاعتقال التعسفي للمئات من النساء والفتيات الفلسطينيات، بما في ذلك المدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيات والعاملات في المجال الإنساني من غزة والضفة الغربية منذ 7 أكتوبر. كما أثاروا مخاوف بشأن المعاملة اللا-إنسانية والمهينة في السجن، والحرمان من اللوازم الصحية والغذاء والدواء، فضلًا عن تقارير عن الضرب المبرح والعنف الجنسي. ويشير التقرير  في حالة واحدة على الاقل إلى أن  النساء الفلسطينيات الغزيات المحتجزات قد احتُجزن في أقفاص مكشوفة للبرد القارس والمطر، ودون طعام.

 

تنتهك جميع هذه الأفعال القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وأنظمة الأمم المتحدة لمعاملة النساء المعتقلات، والتدابير غير الاحتجازية. المعروفة باسم قواعد بانكوك. تؤكد هذه القواعد والمبادئ التوجيهية على ضرورة التعاطي مع وضعيتهن الخاصة والمتطلبات المحددة للمحتجزات لحماية سلامتهن وصحتهن وحصولهن على الخدمات الأساسية.

 

في يوم المرأة العالمي يدعو مركز عدالة وكيان إلى إنهاء الحرب والاحتلال. وإلى توفير المساعدات الإنسانية الفورية لغزة وإزالة كل العوائق أمام ذلك. كما ونطالب بالمساءلة، ونشدد على واجب ومسؤولية جميع الدول بمنع جريمة الإبادة الجماعية، والامتناع عن أية مساندة لهذه الجرائم أو التحريض على ارتكابها وندعو المجتمع الدولي إلى الوفاء بالتزاماته القانونية.