المعهد اليهودي للديموقراطية الإثنية

نديم روحانا | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 9، كانون الثاني 2005
"كل شيئ يسخّر من اجل الإجماع اليهودي-الإسرائيلي!"


بروفيسور نديم روحانا | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد التاسع، كانون الثاني 2005

 

في مستهل رده الذي نشر في العدد الثامن من مجلة عدالة الألكترونية، على مقالتي "دستور بالإجماع-إجماع  من؟" ، يطرح السيد عمير أبراموفيتش من المعهد الإسرائيلي للديموقراطية ثلاث نقاط، سأتطرق اليها فيما يلي:

 

 

 

(أ) يدعي السيد ابراموفيتش ان المعارضة لتعريف إسرائيل كـ"يهودية ديموقراطية" تعبّر عن موقف أيديولوجي متصلب ومتطرف.  تطرقت في مقالتي للمعطيات الإحصائية- البحثية التي تشير الى اعتقاد غالبية الفلسطينيين مواطني دولة اسرائيل بأن دولة يهودية لا يمكنها ان تكون ديموقراطية، لأنها لن تضمن المساواة التامة. ويرتكز هذا الموقف الى قيم كونية تتعامل مع كرامة الإنسان ومساواته كقيم عليا. ولا يقتصر هذا الموقف القِيَمي على المواطنين الفلسطينيين، إذ يتبناه الديموقراطيون في أنحاء العالم، ومواطنون يهود من بينهم. لذا فإن توجه ونهج هؤلاء الذين يرفضون تقبل هذه المبادئ الكونية التي تم إرسائها في الإعلان العالمي حول حقوق الإنسان (1948) هو التوجه الأيديولوجي المتصلب والمتطرف بعينه. ولا يمكن تسويق هذا المنهج المتطرف- عالميا-  إلا إذا تم تزييفه وتقديمه على انه يمثّل القيم التي يعجز عن تمثيلها. لذا يمكن فرض هذا الموقف المناهض للكونية على معارضيه-مؤيدي المساواة التامة- بالقوة فقط، ففي جوهره يتسم هذا الموقف بمنطق القوة ويحمل في داخله قدرة كامنة على استعمال العنف.

 

(ب) ليس من باب الصدفة –إذا- أن يجد منطق القوة في هذا المنهج المتطرف تعبيرا له في نقطة الإنتقاد الثانية التي يطرحها السيد أبراموفيتش، عندما يدّعي أن المعارضة لمكانة إسرائيل كـ"يهودية وديموقراطية"، ستشكل مبررا لتعامل الأغلبية اليهودية في دولة إسرائيل مع الموطنين العرب على أنهم يشكلون مصدرا للتهديد. وتنعكس غطرسة السيد أبراموفيتش الذي يريد ان يفرض "دولة يهودية-ديموقراطية" على المجموعة التي بمقدورها فضح التناقض والزيف في هذا المصطلح، تنعكس من خلال تهديده المبطن للمجتمع العربي كافة. وهو يدّعي  أيضا ان الموقف الكوني الذي عرضته في مقالتي سيؤدي إلى دعم الاغلبية اليهودية للتطهير العرقي والى سلب حقوق المواطنين العرب .لكن السيد أبراموفيتش لا يفلح في الوقوف على ان فكرة "الدولة اليهودية" ذاتها، تشكل  مصدر الغطرسة والعنف الكامن اللذان يرتكزان الى الترهيب والتهديد. لذا أقترح على السيد أبراموفيتش -بدل ان يعتمد على الإكراه والتخويف والتهديدات- أن يبحث عن البدائل التي يمكنها تحويل إسرائيل إلى دولة ديموقراطية حقيقية متحررة من حاجتها للترهيب والتهديد. ويشكل المنهج الذي اختاره ترجمة واضحة للمفهوم الكولونيالي الذي يطلب من السكان الاصليين الخضوع بقوة حتى للقيم التي تجسد قمعهم. يصمم السيد أبراموفيتش  على تسمية المواطنين الفلسطيننين بـ "عرب إسرائيل"، وهي تسمية يمقتها هؤلاء ويرفضونها. ويمنح نفسه الحق -دون تردد- أن يتبنى موقفا يشكل خليطا مألوفا من الجهل والوصاية بكل ما يتعلق بالسكان الأصليين. فهكذا مثلا يدعي ان موقف المواطنين العرب "يتناقض ويتعارض مع مصلحة وإرادة الاغلبية الساحقة من الجمهور العربي في البلاد"؛ وسيتضح مصدر منهج الوصاية هذا في ردي على النقطة الثالثة.

 

 

(ج) يدعي السيد أبراموفيتش أنني أضلل القراء في ادعائي بأن السيرورة التي يقودها المعهد الإسرائيلي للديموقراطية تطمح للتعبير عن الإجماع اليهودي- الإسرائيلي الذي يستبعد المواطنين العرب. ويدعي أيضا ان "عشرات العرب الإسرائيليين"  قد شاركوا في الحوار الذي يدور في إطار مداولات  "المجلس الشعبي للدستور بالإجماع". وكرد فعل على هذا الإدعاء  يمكنني الإكتفاء بتوجيه القراء الى موقع "المعهد الإسرائيلي للديموقراطية" على شبكة الإنترنت والذي يكشف عن تركيبة المعهد الإثنية: الطاقم والإدارة وأعضاء الجمعية. ويحتوي هذا المعهد على اكثر من اثني عشر قسما يعمل فيها اكثر من مائة شخص (باحثون، وزملاء بحث، وموظفون إداريون وموظفو مركز المعلومات إلخ)، ولا يوجد بين هؤلاء اي مواطن عربي. ولا أستطيع في هذه المرحلة ان احدد أذا ما كان السبب في ذلك هو الخضوع لتعليمات صناديق التمويل  ام ان الامر يرجع ببساطة الى حالة العمى التي يعاني منها هذا المعهد. لكنني استطيع أن أجزم -بوضوح تام-  ان هذه التركيبة الإثنية وحدها تكفي للتوضيح بأن الحديث هنا يدور عن "معهد يهودي للديموقراطية اليهودية". وماذا بخصوص "المجلس الشعبي للدستور بالإجماع" الذي صاغ الدستور؟ في الواقع تظهر اسماء لبعض العرب، ويختلف عددهم القليل عندما نتنقل بين اللغتين العبرية والإنجليزية من صفحاته الألكترونية. لكن أعضاء إدارة "الدستور بالإجماع" هم من اليهود فقط ، وجميع من صاغو مسودة الدستور المقترح هم كذلك من اليهود، ولم يكن بينهم أي عربي على الإطلاق. وفي الكثير من المؤتمرات التي عقدتها هذه الإدارة شارك العشرات من المختصين اليهود دون ان يشارك فيها باحثون عرب.

 

وشارك في الجلسة الأولى والجلسة الثانية التي نظمها المجلس، تحت عنوان "تحسين نموذج الحكم البرلماني في إسرائيل"، 19 مشارك: بروفيسورات، أعضاء كنيست، قضاة، محامون واَخرون لم يكن بينهم أي مشارك عربي.

 

وبعد ان صاغ "المجلس اليهودي" مسودة الدستور المقترح ، قام بتنظيم اربعة اجتماعات لوائية وبعض اللقاءات لمجموعة من المحامين. في اجتماعين لوائيين دعي للمشاركة فيهما 128 مشاركالم تتم دعوة اي من العرب إطلاقا. وفي اللقاءين اللوائيين الإضافيين –في النقب والشمال- دعي 29 مشاركا عربيا من أصل 151 من المدعوين، وحضر منهم 13 فقط. وللقاءات الثلاثة التي عقدها مجلس المحامين  حضر 4 مشاركون عرب للقاء الاول، ولم يصل اللقاءين الاخيرين أي عربي على الإطلاق. في الإجتماعات اللوائية طرح المشاركون ردود فعلهم على النص المعد سلفا. ورفض عدد من المدعوين العرب الوصول الى هذه الإجتماعات لاعتقادهم أن مشاركتهم تشكل ورقة التوت التي توفر الغطاء لنص لم يشاركوا في صياغته.

 

ولو فتح المعهد أبوابه بصدق للعرب ، ربما كان بمقدور السيد أبراموفيتش  وزملاءه- عندها- أن يتعلموا شيئا ما عن كيف يعرف الجمهور العربي إرادته ومصالحه، أو على الأقل كيف يعرّف هذا الجمهور نفسه، وما هو الإسم الذي إختاره بدل الإسم الذي تريد الدولة والغالبية اليهودية فرضه عليه.وإذا ما كان السيد أبراموفيتش معني بالمشاركة الحقيقية للمواطنين العرب كان من المفترض به ان يبادر لمشاركة نسبية في المجلس  الذي صاغ مسودة الدستور، وكان سيساوره بعض القلق من ان عددا من المدعوين العرب رفضوا الإستجابة للدعوة. لكن ربما  كانت تلك طريقة هذا المعهد،الذي يتصرف على أرض الواقع كمعهد يهودي للديموقراطية الإثنية. من هنا يمكن فهم وإدراك- مع عدم تقبل- التعصب الزائد والمتطرف لهذا المعهد لطريقه-  "فكل شيئ يسخّر من اجل الإجماع اليهودي-الإسرائيلي".

 

* بروفيسور نديم روحانا هو مدير مركز مدى الكرمل، ومحاضر في قسم  العلوم الإجتماعية في جامعة تل أبيب

ملفات متعلقة: