الدستور الديمقراطي- قضية الاحتلال وثنائية القومية

د. أسعد غانم | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 34، اذار 2007
يتأسّس "الدستور الديمقراطيّ" على العلاقة بين إنهاء الاحتلال والحقوق الجماعيّة للفلسطينيين.

 

 

دستور عدالة

 

 

د. أسعد غانم* | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد الرابع والثلاثين، اذار 2007 

 

إنّ المضامين الأساسيّة للدستور الديمقراطي الذي أصدره عدالة تتمثّل في مجالين: الأوّل يتعلّق بالحقوق العامة في الدولة وحقوق الفلسطينيين في إسرائيل كأقلية وطن؛ حقّ الفلسطينيين في إسرائيل في الشراكة السياسية على مستوى الدولة، من جهة، والحقّ في إدارة شؤونهم الخاصة مثل القضايا المتعلّقة بالتعليم وبالثقافة وبالأمور الدينية واللغوية، من جهة أخرى. أمّا المجال الثاني فيتعلّق بالبنى والمؤسّسات السياسيّة التي يجب أن تدير دولة إسرائيل. في المجال نفسه خطت عدالة خطوة جدية وجريئة في طرحها المتمثّل في مساهمة جدّية لمأسسة الدولة من خلال طرحها الواضح بالنسبة لحدود الدولة (يُنظر البند رقم 1 من الدستور)، وهو أمر تجنّبت الدولة تحديده، وأدّى إلى حالة من عدم الاستقرار والتفكير الدائم لدى النخب اليهودية في كيفيّة توسيع الدولة إلى ما يتعدّى حدود حزيران 1967. ليس صدفة أنّ جميع الاقتراحات الإسرائيلية للدستور مثل الدّستور بالوفاق وغيرها تتجنّب تحديد حدود دولة إسرائيل.

 

 

من خلال التعامل مع هذين الجانبين، فإنّ عدالة يوسّع، من خلال اقتراحه، دائرة تعامله إلى مجالات تتعدّى حدود المواطنة والدولة. إنّ قضية حدود دولة إسرائيل لها علاقة وثيقة بالاحتلال والاستيطان والمستوطنات في الضفّة والقطاع والقدس العربية وهضبة الجولان السورية. وهذه الأمور هي، بالتأكيد، من أهمّ المعيقات التي تعرقل إمكانية إقامة دولة فلسطينية "قادرة على الحياة"، كما تطالب بذلك منظّمة التحرير الفلسطينية. إنّ مساهمة عدالة باسمنا في ذلك هي مسألة في غاية الأهميّة، وهي مساهمة في وضع نقاط واضحة على "حروف الدولة"، وبما يتناسب مع موقف غالبية الفلسطينيين، ومن بينهم مواطنو إسرائيل، على وجه الخصوص. وبما أنّ الدولة العادية/ الطبيعيّة تعيش في رقعة أرض محدّدة ولها حدود، والدولة الحديثة لا تستطيع العيش من دون هذه الحدود، فإنّ مساهمة عدالة لا تكون فقط في تقديم فهمها للبنى السياسية ولحقوق المواطن والحقوق الجماعية، بل في تغيير دولة إسرائيل وعدم التسليم بإمكانيّة استمرار ككيانٍ إمبراطوريّ لا يحتاج إلى حدود، بل إلى تخوم وجبهات.

لذلك، فإنّ رؤية "الدستور الديمقراطيّ" تتأسّس على العلاقة بين إنهاء الاحتلال والحقوق الجماعيّة للفلسطينيين في إسرائيل، من جهة، وعلى مسألة الديمقراطية، من جهة أخرى. ليس صدفة، إذًا، أن تجد هذه العلاقة تعبيرًا لها في مقدّمة الدستور. فمقدّمات الدساتير أو ديباجاتها تُعتبر الجانب الأهمّ فيها، إذ إنّ على جميع البنود القانونية أن تتماشى مع، وتفسّر وفقًا لما جاء في المقدّمة. إنّ المقدّمة هي الجانب السياسيّ لكلّ دستور، بينما البنود الداخليّة هي الجانب القانوني. ومن هنا، فإن الدمج بينهما يجسّد التفسير والفهم الدستوريّين. لذلك، من غير الممكن الفصل بين قراءة البنود الداخليّة وبين المقدّمة. ليس صدفة، إذاً، أنّ المقترحات الإسرائيلية للدستور، مثل "الدستور بالوفاق" أو الدستور المقترح من قبل معهد الإستراتيجية الصهيونية، اختارت أن تكون "وثيقة الاستقلال" الإسرائيلية مقدّمة لدساتيرها. من هنا نستطيع فهم أهميّة الفقرة الأخيرة من مقدمة الدستور الديمقراطي المطروح من قبل عدالة، والتي تتطرّق إلى الدولة المتخيّلة والمدسترة كدولة غير قائمة على احتلال شعب آخر من جهة، وقائمة أيضًا على المساواة التامة على أساس ثنائيّ القوميّة، من جهة أخرى، وهي كما يلي:

 

 

في دولة لا تسيطر وتحتلّ شعبًا آخر وقائمة على المساواة التامّة بين كافة سكانها وجميع مجموعاتها، يحترم المواطنون اليهود والعرب حقوق بعضهم بعضًا بالحياة بسلام وبكرامة، ويكونون موحّدين في اعترافهم واحترامهم للاختلاف القائم بينهم وبين جميع المجموعات الأخرى في دولة ديمقراطية ثنائية اللغة ومتعددة الثقافات.

في ما يتعلق بحقوق المواطنين، بمختلف انتماءاتهم، فإنّ الدستور الديمقراطي يتطرّق إلى مستويين من التعامل: المستوى الفرديّ والمستوى الجماعيّ، وتخطو عدالة من خلال دستورها المقترح خطوة جدية إلى الأمام، مقارنة بالوضع الحالي وبمضامين الاقتراحات الإسرائيلية للدستور المستقبليّ للدولة. فعدالة تطالب بمأسسة و"دسترة" وضع من التساوي الفردي والجماعي، وخصوصًا في ما يتعلّق بالمجموعتين الأساسيّتين في إسرائيل: اليهود والعرب. في هذا الباب يطالب عدالة بمساواة جوهرية، بالإضافة لتلك الشكلية، في ما يتعلق بمكانة اللغة العربية مقابل العبريّة، وفي حقّ إدارة الشؤون الخاصة بالمجموعات، وفي الأساس بالنسبة إلى اتخاذ القرارات في الدولة، كما يتطرّق إلى إحقاق المساواة وتطبيقها على أساس العدل التصحيحيّ والتوزيعيّ.

إنّ ثنائية اللغة المبنية على الاعتراف بلغة وثقافة الآخر، كمتساوية جوهريًا لتلك الخاصة بالأكثرية، واتّباع سياسات تطبيقية لجعل لغة الأقليّة مستعملةً وذات مكانة متساوية، هي أحد أهمّ مبادئ النظام المبنيّ على أساس من التوافق، كما تدلّ على ذلك حالات كندا وبلجيكا وسويسرا. تترافق مع اللغة ومكانتها مسألة الشراكة السياسية من حيث التمثيل السياسي في المؤسّسات المشتركة والالتزام بإشراك الأقليّة وممثّليها في القرارات المتعلّقة بالحياة العامة. صحيح أنّ عدالة يطالب بإشراك المواطنين العرب وممثّليهم في اتخاذ القرارات في المجالات المتعلّقة بقضايا تخصّهم، أو تتعلق بمصالحهم، وأنه لا يطالب بأن تكون كلّ القرارات في الدولة على أساس من التوافق - وهذا بالضبط هو المعنى الحقيقي للدولة ثنائية القومية – لكن، من جهة أخرى، إذا تعاملنا مع حقيقة كون كلّ القرارات في الدولة متعلقة بمصالح عموم المواطنين، ولا توجد قضايا تخصّ اليهود فقط، وبالتالي فإن لكلّ القضايا علاقة بالعرب وبمصالحهم، فإننا نقف منطقيًّا وراء المطالبة بإشراك العرب وممثّليهم في كلّ القضايا، وبذلك فإننا نعود إلى مطالبة جوهريّة بكيان ثنائيّ القومية داخل حدود 1967. هذا بالضبط هو المطلب الذي يقضّ مضاجع المؤمنين بضرورة الحفاظ على نظام "التفوّق العرقي" في إسرائيل، وهي مسألة عملت القيادات السياسية والنّخب اليهودية في إسرائيل والعالم على تسويقها كمسألة مقرونة بالديمقراطية، من خلال شعار "الدولة اليهودية والديمقراطية"، وبخلاف الحقيقة النظريّة والسياسيّة التي تتشكّل من وجود خلاف وصدام بين الديمقراطية المبنية على المساواة أمام القانون لعموم أفراد الشعب، وبين المبنى الإثني/ اليهودي الذي يكفل التفوّق لأفراد إحدى المجموعات في المجتمع المنقسم عرقيًا وقوميًّا.

إنّ القضايا المذكورة، إضافةً إلى قضايا أخرى لا يتّسع لها المجال هنا، تجعل من الدستور الديمقراطيّ وثيقة هامة على المستوى الفلسطيني-الإسرائيلي العام، وكذلك على المستوى الفلسطيني-اليهودي داخل إسرائيل، وهي تؤكد أنّ هناك ضرورة لاستخدامه كحجر أساس في نضالنا من أجل الحياة الكريمة والمتساوية في وطننا.

 

د. أسعد غانم | رئيس قسم الحكم والفكر السياسي في كلية العلوم السياسية، جامعة حيفا، ورئيس إدارة جمعية إبن خلدون – الجمعية العربية للبحث والتطوير.

ملفات متعلقة: