غير نزيه وغير عادل التخطيط للمستوطنات الفردية في النقب

أورن يفتحئيل | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 24، نيسان 2006
يتناقض مخطط "طريق النبيذ" بوضوح مع منطق التخطيط اللائق بمجتمعات متعدّدة الإثنيّات

 

أورن يفتحئيل *| مجلة عدالة الألكترونية، العدد الرابع والعشرين، نيسان 2006


في أيلول 2005 صادقت لجنة ال
شؤون التخطيطية المبدئيّة التي تعمل إلى جانب المجلس القطري للتخطيط والبناء، على مخطط "طريق النبيذ" الذي يمنح تراخيص بناء لثلاثين مستوطنة فردية في "رمات هنيغف"، والتي تمّت إقامة عشرين منها فعليًا على الأرض. في ما يلي عدد من الملاحظات النقدية على المخطّط، والتي شكّلت أساسًا لإعداد "شهادة خبير" لدعم الالتماس الذي يعدّه مركز "عدالة" بالتعاون مع تنظيمات إضافيّة ضدّ المخطّط.

 

 

 

 

 

 

 

إدّعائي المركزي هو أنّ قرار المصادقة على المخطّط مخطوء، وذلك لاعتبارين أساسيين: الأوّل، أنّه يناقض بشكل غير معقول سياسة التخطيط اللائقة في دول متعدّدة الإثنيّات عمومًا، واتجاهات التخطيط الإسرائيلي بشكل خاص. الاعتبار الثّاني هو أنّ المخطّط يتعارض مع مبدأي المساواة وعدالة التوزيع، وسوف يؤدّي إلى مفاقمة الغُبن بحقّ العرب - البدو في منطقة النقب، وإلى تعميق اغترابهم عن المجتمع وعن مؤسّسات التخطيط. وهي إسقاطات في غاية الإشكاليّة تتركها العمليّة التخطيطية، التي يُتوخّى منها أن تساعد في تحسين جودة حياة سكّان المنطقة كافة.

 

التناقض مع مبادئ التّخطيط اللائق

تشكّل التّغييرات في الاستيطان الرّيفي والاستيطان خارج المدن موضوع جدلٍ مركزي لدى العاملين في تخطيط المدن والمناطق في معظم أنحاء العالم الآخذ بالتمدّن. ويتمحور الجدل في جانبين أساسيين للتخطيط - الإثني والبيئي.

 

يرتبط الجانب الأول بتأثير الاستيطان على العلاقات بين مجموعات داخل مجتمعات متعدّدة الإثنيات. فقد تم تسويق الصيغ الأولى لمخطّطات المستوطنات الفردية في النقب بين الجمهور كما لو أنها تساعد على "منع سيطرة البدو على أراضي النقب"، وكذلك تقوية السكان اليهود في المنطقة. هذه المخططات ألغيت في محكمة العدل العليا (قرار حكم محكمة العدل العليا 99/243 في التماس "أدام طيفع فدين" (إنسان، طبيعة وقانون)، من يوم 2 تمّوز، 2001)، وتعرّضت لنقد حاد في تقرير مراقب الدولة 50 ب (2000)، في أعقاب محاولات الالتفاف على إجراءات التخطيط وتسويق الأرض المتعارف عليها، بغرض جعل المستوطنات مأهولة باليهود فقط.

 

يصيغ المخطّط الراهن ("طريق النبيذ") هدفه بشكل مختلف بعض الشيء، بوصفه تحسينًا للعرض السياحي في المنطقة. على الرّغم من ذلك، فحقيقة أنّ الأطر التي بادرت إلى المخططات السابقة تقف، أيضًا، خلف المخطّط الراهن (المجلس الإقليمي رمات هنيغف، دائرة أراضي إسرائيل)، والشبه في التفاصيل الحيّزية للمخطط (توزيع المستوطنات الفردية في موقع مشابه، ووجودها على امتداد محاور حركة السير نفسها)، هي حقيقة تشهد على أنّ الأهداف الإثنية لا تزال كامنة "بين سطور" المخطّط الراهن.

 

إذًا، من الجدير أن نعرض بإيجاز المعلومات المتوافرة حول مسألة التخطيط الحيّزي - الإثني الحسّاسة. ثمّة أدبيّات مهنية عديدة تتناول هذا الجانب من التخطيط وتتمحور في دول المهاجرين/ المستوطنين، أو في بؤر الصراعات الإثنية على المساحات، وتشير غالبية الأدبيّات - القانونية، التخطيطية والاجتماعية - بوضوح إلى أنّ النقل المخطّط للمستوطنين يشكّل، بشكل عام، جهازًا للسّيطرة على الأقليّات التي تقطن في الضواحي.

 

ليس المقصود من الادّعاء هنا أنّ مخططًا صغيرًا نسبيًا يسعى لإقامة ثلاثين مستوطنة فردية في النقب (والمصادقة عليها فيما بعد)، يماثل مخطّطات نقل السكان الكبيرة الواردة فيما يلي، في إسبانيا، الاتحاد السوفييتي أو سيريلانكا. فالمفهوم المركزي للمخطّط هو التوجّه الدؤوب بغرض السيطرة الحيّزية - التخطيطية للأغلبية على الأقلية، والسابقة التخطيطية التي يخلقها، كما سأفصّل فيما يلي.

 

يعرّف عالم السياسة والاجتماع المعروف جون مكغاري ((McGarry هذه السياسة بوصفها "هندسة ديمغرافية" تمسّ، حسب اعتقاده، بشكل بنيوي بالعلاقات بين المجموعات وتُدخل في صفوفها ديناميكية من التوسّع العنيف، الدفاعية المتطرّفة، والصراع الحيّزي بعيد الأمد. وهو يبيّن في أبحاثه المقارنة الرائدة كيف أنّ الدول التي ترفع لواء السيطرة الإثنية تقوم على الدوام بنقل مجموعات سكانية، وفي الأساس بطريقتين اثنتين: (أ) نقل أبناء مجموعة الأغلبية إلى مناطق تتركز فيها أقليّات إثنية، بغية تفرقة وإضعاف تلك الأقليّات؛ (ب) تقييد وتركيز المجموعة السكّانيّة الأقليّة بغية التقليص من حيازتها على الحيّز، وبالتالي تقييد نفوذها السياسيّ.[1]

 

وكإثبات على ذلك، يحلّل مكغاري تطوّر العلاقات في عدد من الدول. ففي شمال إيرلندا، مثلاً، حاولت حكومات مختلفة إدخال البروتستانت إلى مناطق كاثوليكية؛ في إسبانيا تحت حكم فرانكو، نقلت الحكومة قشتاليين ناطقين بالإسبانية إلى المناطق الباسكية، وفي الاتحاد السوفييتي نقلت الدولة السوفييتية سكّانًا ناطقين بالروسيّة إلى الجمهوريات المختلفة، وخصوصًا في المناطق البلطيقية. هذه "الهندسة الديمغرافيّة"، التي طُوّرت بواسطة أجهزة التنظيم، التطوير والاستيطان، خلقت بؤرًا عميقة من الصراعات الإثنية التي لا تزال تقضّ مضاجع تلك المجتمعات حتى أيامنا هذه. من هنا، فإنّ سياسة "إدخال" سكان من أبناء مجموعة الأغلبية إلى الضواحي، هي سياسة إشكاليّة جدًا، ومن الجدير بمؤسّسات التخطيط الإسرائيلية أن تتعلّم من التجربة الإشكاليّة التي حدثت في هذه الدول، من أجل مقارنتها بها.

 

في بحثٍ آخر ذي صلة، يحلّل الباحث الهندي - الأمريكي نيهال فيريرا (Perera) بشكلٍ مفصّل مخطّطات الاستيطان لدى حكومة سيريلانكا في المناطق الجدباء الجافّة من الدولة. ولهذه المقارنة صلة كبرى، كون طريقة الاستيطان التي اتبعتها حكومة سيريلانكا قامت على تخصيص مستوطنات فردية، على خلفيّة صراع إثنيّ إقليميّ متواصل بين الأغلبية السنهالية وبين أقليّة التاميل. فالحكومة التي تسيطر عليها الأغلبية السنهالية خصّصت على امتداد عشرات السنين قسائم زراعية في شمال الدولة لعائلات سنهالية من الجنوب ممّن لا تملك أراضي. وكان الهدف هو تقليص الضغط على البنى التحتية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ولكن، أيضًا، نقل سنهاليين إلى مناطق في الشمال تُطالب بها الأقلية التاميلية كوطن إثنيّ حصريّ[2]. لقد أدّت هذه السياسة، إلى جانب عوامل أخرى، إلى أزمة ثقة مستمرّة بين الأقليّة وبين الحكومة، وإلى اندلاع حرب أهلية دامية. ويُجمل فيريرا قائلاً بأنّه لربّما أضاف هذا المخطّط أجزاء معيّنة إلى مناطق النفوذ السّنهالية، لكنّ الثمن المتمثّل بتدهور العلاقات بين المجموعات السكّانية كان باهظًا، ولا يبرّر تفعيل المخطط، حتى من وجهة نظر الأغلبيّة السنهالية نفسها.

 

من خلال دراساتي المختلفة في مجال العلاقات الإثنية، أطلقت على نظام الحكم في إسرائيل، أسوةً بدول يمكن مقارنتها بها مثل سيريلانكا، أستونيا، صربيا والسودان، اسم "إثنوقراطي"، أي النظام الذي يشجّع التوسّع والسيطرة لدى مجموعة إثنية طاغية، والتي تتملك مؤسسات الحكم. السياسة الإثنوقراطية تمسّ، أساسًا، بالأقليّات المعرّفة بوصفها "خارجية" (أي التي ليست جزءًا من "الأمة" التي تتبع إليها الدولة)، لكنها تعمل، أيضًا، على التقسيم الداخلي لمجموعة الأغلبية وفقًا لمعايير إثنية - طبقية، في معظم الأحيان.

 

يمسّ النظام الإثنوقراطي بغالبية مبادئ الديمقراطية المعروفة، وعلى الأخصّ بالمواطنة المتساوية. أحد المداميك المركزية في تعزيز قوّة الأنظمة الإثنوقراطيّة هو السيطرة على الحيّز، وخاصة إلصاق الصّفة الإثنيّة بالأرض، الاستيطان والحيّزات المدينية. يجري تلاعب واسع في غالبية الأنظمة الإثنوقراطية في الحيز، ويحدث هذا غالبًا من خلال تقليص سيطرة الأقليّات وتوسيع سيطرة مجموعات سكانية من بين الأغلبية. وبناءً عليه، فإنّ مخطط "طريق النبيذ" يشكّل مركبًا في المبنى الإثنوقراطي للحيّز الإسرائيلي، ومن هنا تكمن أهميّته في تعزيز سياسة تواصل تهويد الحيّز بشكل غير متساوٍ، غير عادل وغير ديمقراطيّ[3].


بالإضافة إلى الاستنتاجات الإشكالية من الجانب المقارِن، تلوح، أيضًا، أسئلة معيارية منوطة بالمخطّط المقترح: ما الذي "يبثّه" لمجموعة الأقلية العربية - البدوية التي تعيش في النقب؟ ما هي الرسالة المترتّبة عنه؟ فمن وجهة نظر السكان البدو، يندرج المخطط ضمن موجة من المخطّطات التي تسعى إلى إقامة عشرات المستوطنات في النقب، في حين أنّ أحد أهدافها المركزية هو تقيّيد حيازة الأراضي من قبل العرب البدو. مثلا، الخطّة الحكومية التي صودق عليها في تموز 2003 لإقامة 30 بلدة يهودية جديدة، 14 منها في النقب، تعجّ بمصطلحات مثل: "خلق حد فاصل بين البلدات البدوية"، "منع السيطرة البدوية"، أو ضمان أمن سكّان النقب (اليهود)[4].

 

يتّضح من النقاش الذي عرض في الفقرات السابقة حول التخطيط الحيزي والإثني أنّ محاولة تشجيع الهجرة اليهوديّة إلى النقب بمساعدة المستوطنات الفردية تبثّ للبدو مواطني الدولة ما مفاده أنّ وجودهم هو بمثابة "مشكلة"، لا بل إنّه "عنصر معادٍ" يتوجّب على الدولة السّيطرة عليه. تعزّز الخطّة من مواصلة الاستيطان اليهودي، أيضًا، على حساب مواطني الدولة العرب، إن كان بشكل مباشر – من خلال الاستيطان على أراض يطالب بها البدو؛ أو بصورة غير مباشرة – من خلال ممارسة سياسة تهدف إلى السيطرة اليهودية على أراضي النقب.

 

تتوافر في الأدبيات الأكاديمية سلسلة طويلة من الأبحاث القانونيّة، التخطيطية والفلسفية، التي تحلّل بشكل نقدي مخطّطات الاستيطان الإثني في المناطق الحدودية، بهدف تقييد وإضعاف أقليات إثنية. وهكذا، يعتبر المؤرّخ القانوني أريك باوسون (Pawson) استيطان البيض في نيوزلندا، والذي توسّع على الغالب على هيئة مزارع لأفراد بيض في مناطق الأقلية الماورية، بمثابة "مسّ عميق ومتواصل في العلاقات بين المجموعتين السكانيتين"[5]. على نسق شبيه به، يدعي عالم الجغرافيا ديفيد ميرسر ((Mercer في مقال له بأنّ مخططات الاستيطان الأسترالية، التي عرضت على المستوطنين البيض، وعليهم فقط، أراضي في المناطق الريفية، "شكّلت أحد المركبات المركزية في تدمير المجتمع الأبوريجيني، وفي تفتيت الثقة بين الدولة وبين الأقلية الأصلية، حتى أيامنا هذه"[6]. وتحذّر الباحثة المعروفة فينسا واتسون، أيضًا، في مؤلفاتها من التطوير المديني والإقليمي القائم على محو الأقليات، وبالتالي إضعافها وإقصائها عن عمليّة التخطيط واستخدام الحيّزات المخططة[7].

 

أحد المبادئ التخطيطية الإضافية التي تُطرح باستمرار في النقاشات المهنية والأكاديمية بشأن الاستيطان الريفي هو الحفاظ الأقصى على المساحات المفتوحة والمناظر الطبيعية. لقد تحوّل هذا المبدأ إلى مبدأ رائد في معظم الدول الصناعية، إزاء التمدين المكثّف، الزحف للضواحي، والتدهور البيئي المنوط بهما. فقد توقّفت الدول الصناعية -تمامًا تقريبًا- عن إقامة بلدات جديدة، في حين أنّ التطوّر الحيّزي يتمّ أساسًا عن طريق بناء أحياء على تخوم المدن القائمة أو عن طريق توسيع قرى قائمة. إنّ التوجّه التخطيطيّ الرائد اليوم يؤيّد زيادة الكثافة المدينية، استخدام المواصلات العامة (وخصوصًا القطارات) والحماية المشدّدة للمساحات المفتوحة، التواصلات البيئية والمناظر الطبيعية، من أجل رفاهية الجمهور بأكمله[8]. إن المخطّط الذي يسعى لإقامة عشرات المزارع العائلية الجديدة، بأدنى كثافة، على طول محاور الطرق الرئيسية، يمسّ بشكل سافر بتلك المبادئ.

 

لا أنوي التعمّق في المسألة البيئية، المفصّلة بشكل كامل في الإلتماسات التي قدّمَتْها في السنوات الأخيرة تنظيمات بيئية مثل "شركة حماية الطبيعة" و "إنسان، طبيعة وقانون"، بل الإشارة الى أنه حتى من الناحية البيئية فإنّ مخطط "طريق النبيذ" مشوّه، لأنه يمس بمساحات مفتوحة شاسعة، بتواصلات بيئية وبمناظر طبيعيّة متميّزة على امتداد محاور السير المكشوفة أمام الكثيرين. علاوةً على ذلك، فإنّ التطوير الضئيل الذي يقدمه المخطط، والذي يقضي على موارد أرض شاسعة، يتناقض بوضوح مع توجه التخطيط القطري الذي جرت صياغته في سلسلة من وثائق التخطيط والمخططات القطرية. إنّ أبرز الوثائق هي المخطّط الرئيسيّ لإسرائيل في العام 2020 الذي تبنته الحكومة في العام 1996، والخارطة الهيكلية القطرية رقم 35، واللذان يؤكدان بوضوح على الحاجة في التعبئة المدينية، وحماية المساحات المفتوحة كقيم تخطيطية عليا. إن التطوير المقترَح يتناقض، أيضًا، مع توصيات مجموعة من المخطّطات القائمة للمنطقة نفسها، بما في ذلك خارطة لواء الجنوب ومخطط متروبولين بئر السبع.

 

ختامًا، يخلق المخطّط، أيضًا، سابقةً خطيرةً كونه يسمح بالتّطوير لصالح الإسكان في غير إطار البلدات، وبهذا سيخصخص عمليًا أراضي عامة واسعة تنتقل الى سيطرة عائلات خاصة ومستثمري تطوير. من شأن هذه السابقة أن تخلق ضغطًا متراكمًا على مؤسسات التخطيط لتطوير مساحات مفتوحة، وأن تؤدّي، كما يبدو، إلى تآكل متعاظم في إحتياطيّ المساحات المفتوحة والأراضي العامة.

 

إذًا، يتناقض مخطط "طريق النبيذ" بوضوح مع المنطق التخطيطي للعقد الأخير، إن كان في مسألة التخطيط اللائق بمجتمعات متعدّدة الإثنيّات، أو في قضيّة الحفاظ على البيئة والمساحات المفتوحة.

 

المسّ بمبادئ المساواة وعدالة التوزيع

وفقًا للمعلومات والتّجربة التي تراكمت في مختلف أرجاء العالم، خلال السنوات المئة الأخيرة، يوجد للتخطيط الحيّزي عدد محدّد من الأهداف. يتوجّب عليه ضمان تطوير مديني وإقليمي منظّم، ناجع، نزيه ومفتوح، من خلال احتساب مجمل الضغوط والمصالح الممارَسة بشكل دائم على اتجاهات تطوير الأراضي المخططة. من المتعارف عليه في الأدبيّات المهنيّة أنّه يتوجّب على التخطيط الحيّزي العمل من أجل تحسين جودة حياة السكّان، وإيلاء الاهتمام، قدر الإمكان، لاحتياجات ورغبات سكان المنطقة العينية، من خلال التعاطي المتساوي مع مجمل المجموعات الاجتماعية. إذًا، المساواة المدنية هي بمثابة المنارة لأخلاقياّت التخطيط.

 

عادة ما تتضمّن أهداف السياسة الحيّزية المتنوّرة المعمول بها في معظم الدول المتحضرة، أيضًا، تقليص الفوارق الاجتماعية-الاقتصادية، الحفاظ على هوية المجموعات السكانيّة المتميّزة، وتحسين العلاقات الاجتماعية. هذه المبادئ مشمولة في نظريات كثيرة حول السياسة العامة[9] ، وكذلك في مناهج تعليم تخطيطية في شتّى أنحاء العالم[10]. تشمل عملية التخطيط في هذه الدول، عادة، تعريفًا للاحتياجات التخطيطية لمجموعات سكانية مختلفة، وبناء برامج تخطيطية وفقًا لتلك التعريفات.

 

ترتبط هذه العمليّة بشكل وثيق بفكرة العدالة في التوزيع التي تؤكد على تخصيص الموارد حسب الاحتياجات (needs)، خلافًا للمتعارف عليه حسب منطق السوق أو التفكير الفئوي، اللذان يُخضعان توزيع الموارد إلى القدرة على الدفع أو الانتماء الإثنيّ. جرت صياغة توجّه عدالة التوزيع في التخطيط عبر سلسلة من الأبحاث المنشورة، التي تعتبر مرجعيات في هذا المجال، لعالم الجغرافيا والمخطّط ديفيد هارفي (Harvey)، والفيلسوفة ايريس م. يونغ (Young)، اللذان يطوّران في مؤلّفاتهما منظومة معايير منهجية لتحديد توزيعة الموارد في الحيّز وفقًا لمبادئ الاحتياجات، العطاء للصالح العام، التفضيل الإيجابي والاعتراف بهويّات الأقليات[11].

 

إنّ العمليّة التخطيطيّة التي تؤكّد على المساواة المدنيّة، إحتياجات المجموعات الخاصة والإجراء النزيه والمنفتح، قائمة كأمر مفروغ منه في الأنظمة المهنية لدى نقابات التخطيط في كثير من الدول (مثلا: أستراليا، إيطاليا، بريطانيا، هولندا والولايات المتحدة)، وكذلك في القوانين ذات الصلة، كقوانين التخطيط والبناء وقوانين السلطات المحلية في تلك الدول[12]. لقد وجد جهاز التخطيط في إسرائيل أيضًا أنه يجدر إضفاء مضمون في شعارات إشراك الجمهور، التي باتت معيارًا مقبولاً في التخطيط الإسرائيلي. وتظهر هذه المسألة، أيضًا، في معاهدة المخطّطين التي تنصّ على ما يلي:

ملفات متعلقة: