لاعتبارات سياسية: المئات من العرب البدو في النقب بدون ماء

عادل بدير | مجلّة عدالة الإلكترونيّة، العدد 30، تشرين الثاني 2006
قرار مأمور المياه يصبح أداة في خدمة الحكومة لاجل ترحيل المواطنين العرب البدو

 

 عادل بدير* | مجلّة عدالة الإلكترونيّة، العدد 30، تشرين الثاني 2006

 

من المتبع في الدولة السويّة، التي تعنى برفاهية مواطنيها، اعتبار أن الماء هو حاجة يتوجب على الدولة أن تقوم بتزويدها لمواطنيها. إلا أنه في إسرائيل وفي العام 2006، فإن هذه الحاجة يتم تزويدها للمواطنين بناءاً على اعتبارات سياسية. فهناك المئات من العائلات العربية تعيش في النقب في ظروف معيشية رهيبة، بدون بنى تحتية، وبدون شبكة مياه للشرب. وبحسب دراسة أجريت برعاية وزارة الصحة، فإن هذه الحقيقة تعرّض غالبية هذه العائلات لأمراض خطيرة مثل الكوليرا والديزنطاريا والتيفوئيد.

 

 

 

 

نشأ هذا الواقع كنتيجة لقرار مأمور المياه قبل سنتين، حيث لم يسمح بربط القرى "غير المنظمة" في النقب بنقاط في شبكة المياه. وقد تم تقديم اعتراض على هذا القرار في المحكمة لشؤون المياه، إلا أنه وقبل شهرين، ولأسباب مخطوءة، قرر القاضي ران شابيرا، رئيس المحكمة، رفض الاعتراض.

 

ولدى تقصي طريقة اتخاذ القرار المذكور من قبل مأمور المياه، كشف النقاب عن سلسلة طويلة من النقائص والشوائب، وعلى رأسها حقيقة أن القرار لم يتخذ من قبل الهيئة المخولة بذلك- مأمور المياه-  بحسب القانون. وتبين أن القرار اتخذ عملياً في لجنة المياه. ولم تقم الأخيرة بعرض الأسباب، في الوقت الذي يقتصر دور اللجنة على تقديم التوصيات فقط. هذه الحقيقة تثبت أن قرار مأمور المياه، إذا كان بالإمكان اعتباره قراراً، فهو ليس مستقلاً، فضلاً عن عدم تعليل القرار بتاتاً، وفقما يقتضي القانون.

 

ولكن لا تكمن المشكلة عند هذا الحد. ففي الواقع هناك شبهات جدية تشير إلى أن الإعتبارات التي انطلقت منها لجنة المياه لدى تقديم التوصية أمام مأمور المياه، كانت اعتبارات سياسية بعيدة عن الطلب الذي يتصل بالتزود بالمياه. وهذا الإدعاء يستند إلى حقيقة أن لجنة المياه المذكورة هي هيئة تعمل تحت سلطة مديرية البدو. ومن كان على دراية بالوضع السائد في النقب، سيدرك أن مديرية البدو هي هيئة حكومية، تعمل منذ تشكيلها على تهجير العرب البدو، الذين يعيشون في القرى غير المعترف بها في النقب، من أراضيهم، وإلزامهم بالإنتقال إلى بلدات تعاني من الإهمال في مستوى البنى التحتية في أقل تقدير. وغني عن البيان الإشارة إلى أن هناك معارضة واسعة لهذا المخطط.

 

إن مصادرة حقوق سكان القرى غير المعترف بها في النقب في الإرتباط بشبكة المياه والتزود بالكمية والنوعية المطلوبة، يشكل مساً بحق دستوري يستند إلى الحق في الكرامة وشروط الحد الأدنى للمعيشة، والحق في الصحة، والتي لا يمكن اشتراطها بتطبيق سياسة ما. وهذا الاشتراط، كما أسلفنا، هو خطوة تعسفية تمنح أفضلية لسياسة حكومية تمارس التمييز على الحق بالحياة. ومن هنا فإن قرار مأمور المياه يصبح أداة في خدمة الحكومة، وتعمل على ترحيل المواطنين العرب البدو سكان القرى غير المعترف بها في النقب، من خلال عدم تزويدهم بالخدمات الأساسية، مثل الحق بمياه الشرب النقية.

 

تجدر الإشارة إلى أنه يوجد في النقب العشرات من المزارع التي يمتلكها أفراد، وتمتد على آلاف الدونمات، ويسكن فيها عائلة يهودية منفردة. وهذه المزارع تمت إقامتها بدون تراخيص من قبل سلطات التخطيط، إلا أن هذا الأمر لم يمنع الدولة من تزويدها بالمياه والبنى التحتية العصرية والمتطورة بأضعاف مضاعفة عما يطمح المواطنين العرب البدو في الحصول عليه.

 

وقد جرى مؤخراً تقديم استئناف إلى المحكمة العليا على قرار المحكمة لشؤون المياه، بهدف إلزام مأمور المياه بتزويد مياه الشرب للمئات من أولئك المواطنين العرب في النقب. فالحق بالحصول على المياه هو حق أساسي، يكفله القانون بشكل مفصل (البند 3 من قانون المياه للعام 1959). ويستند كذلك على الحق في الكرامة وشروط الحد الأدنى للمعيشة، بالإضافة إلى الحق في الصحة.

*عادل بدير هو مستشار قضائي في مركز "عدالة"

ملفات متعلقة: