إقتراح لأجل التمثيل المناسب للأقلية العربية في جهاز التخطيط القطري في إسرائيل

هناء حمدان ويوسف جبارين | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 23، آذار 2006
اقتراحات لدمج العرب في جهاز التخطيط القطري استنادًا إلى تحليل المخطّط -تاما 35

هناء حمدان* ويوسف جبارين* | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 23، آذار 2006

 

مقدّمة

 

 

يساهم التخطيط القطريّ في إسرائيل بشكل كبير في تصميم طابع الدولة، حيّزاتها، اقتصادها وبيئتها، من خلال خرائط هيكليّة قطرية متنوّعة. لقد ترك المخطّط القطري الأوّل لإسرائيل،[1] والذي صمّمه المخطّط أرييه شارون في العام 1951، آثارًا بعيدة المدى على تصميم الحيّز المادي، العمراني، والاقتصادي في البلاد.

منذ ذلك الحين وحتى الخارطة الهيكلية القطرية الأخيرة – تاما 35 التي صودق عليها أواخر 2005- كان للتخطيط القطري تأثير ملحوظ على الحيّز الجيوسياسي، الجغرافي والديمغرافي لإسرائيل. تحدّد الخارطة الهيكلية القطرية "التخطيط لمساحة الدولة كلّها"، وهي تتطرّق، أيضًا، الى تخصيصات الأرض واستعمالاتها، المناطق الصناعية، وضع مسارات شبكة الطرق الرئيسية، خطوط السكك الحديدية، خطوط التموين القطرية، الموانئ، محطات توليد الطاقة ومنشآت شركة الكهرباء. تشمل الخارطة، أيضًا، أوامر بخصوص مناطق الاستجمام، التحريش وحماية الطبيعة؛ أوامر بخصوص الحفاظ على الآثار، الأماكن المقدّسة، المناطق الطبيعية؛ مواقع الصناعة وأهداف جماهيرية ذات أهمية قطرية؛ والتوقّعات بشأن التحوّلات في توزيعة السكان في الدولة؛ مراحل التطوير المنشودة لكلّ مرحلة؛ تخطيط بلدات – حجمها المتوقّع، أنواعها وموقع وحجم البلدات الجديدة.

نظرًا لهذه الأسباب، أثّر التخطيط القطري، ولا يزال يؤثر، كثيرًا على الجغرافيا ومجالات الحياة المادية، الاقتصادية والاجتماعية للأقليّة العربية في إسرائيل. حتى اليوم لم يجرِ بحث كافٍ في هذا الأمر، وبالذات في سياق الحقوق الأقليّة العربية ضمن جهاز التخطيط القومي. لهذا، يتناول هذا المقال مكانة الأقلية العربية في جهاز التخطيط القطري. وهو يستعمل المخطط القطري الأخير في إسرائيل، الخارطة الهيكلية القطرية الشّاملة للبناء، التطوير وحماية الطبيعة – تاما 35، لغرض تحليل مكانة العرب في هذا المخطط. استنادًا إلى تحليل هذا المخطّط تُعرض في خاتمة المطاف اقتراحات لدمج الأقلية العربية في جهاز التخطيط القطري ومنح تمثيل لائق لها. يعرض القسم الأوّل من المقال أهداف الخارطة الهيكلية القطرية الشاملة – تاما 35، ويقدّم وصفًا لواضعيها ومركبات لجنة التوجيه ولجنة العمل التابعة لها. ويعرض القسم الذي يليه باقتضاب المشاكل الحيّزية الخاصة بالأقليّة العربيّة، التي يُفترض أن تعالجها تاما 35. بالإضافة إلى ذلك، يفحص هذا القسم مدى معالجة هذا المخطّط لتلك المشاكل. استنادًا إلى هذا التحليل، يعرض آخر أقسام المقال اقتراحات لتمثيل العرب بشكل لائق في جهاز التّخطيط القطريّ.

أهداف الخارطة الهيكلية القطرية الشاملة – تاما 35

منذ بداياتها، عام 1951، تجاهلت المخطّطات الهيكلية القطرية احتياجات الأقليّة العربيّة في إسرائيل ولم تشركها في العمل التخطيطي وفي اتّخاذ القرارات الهامة المرتبطة بتصميم الحيّز المادي، الاجتماعي والاقتصادي.[2] مثلا، في أعقاب موجة الهجرة الى إسرائيل، مطلع التسعينيات، أمر المجلس القطري للتخطيط والبناء بإعداد خارطة هيكلية قطرية شاملة لاستيعاب الهجرة (تاما 31). بدأ مسار تخطيط هذه الخارطة في حكومة يتسحاق شمير، وصادقت عليها حكومة يتسحاق رابين، في العام 1993. كانت الأهداف الأساسية لخارطة تاما 31 هي تطبيق الحد الأقصى من سياسة توزيع السكان اليهود، من خلال التأكيد على تقوية يهودية القدس، النقب والجليل.[3] إنّ تقييم تاما 31 يفيد بأنّ الخارطة تجاهلت بصورة مطلقة الاحتياجات الحيّزية والجغرافية، الاجتماعية والاقتصادية للبلدات العربية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، يبيّن تحليل تركيبة لجنة التوجيه ولجنة العمل التي عملت على تخطيط تاما 31 أنّ المجلس القطريّ تجاهل وجود الأقليّة العربية، التي تشكّل 20% من مجمل السكان في إسرائيل. فلم تحظَ هذه الأقلية بتمثيل في اللجان المختلفة التي عكفت على إعداد الخارطة. مثلا، لم يتمّ ضمّ أيّ عربيّ الى طاقم التخطيط، لجنة التوجيه القطرية ولا إلى لجنة العمل. إنّ نزعة تجاهل الأقليّة العربيّة تواصلت، أيضًا، في إعداد تاما 35، كما سنبيّن في الصفحات القادمة.

بدأ إعداد المخطّط في 5.11.1996، عندما أمر في حينه المجلس القطري بإعداد خارطة هيكلية قطريّة شاملة – تاما 35، صادقت عليها الحكومة في أواخر 2005. إنّ أهداف الخارطة هي: توجيه التطوير وحماية الطبيعة على امتداد حيّز دولة إسرائيل بواسطة تقسيم حيّز التخطيط القطري إلى مناطق تطوير مصنّفة وفقًا لأنسجة حيّزية (كل نسيج يحتوي على تعلميات مختلفة للتطوير)؛ إقرار تعليمات ومبادئ لتوسيع المساحة المبنيّة، لإعداد مبادئ للحفاظ على الاراضي المفتوحة، لتحسين وتخطيط المساحات المبنيّة، بلورة تعليمات في مسألة البيئة، المناطق الطبيعية والمواصلات وإقرار مراحل التنفيذ وتحديد العلاقة بخرائط أخرى.

الهدف الأعلى للمخطّط هو: "أ. تطوير حيّز إسرائيل بشكل يتيح تحقيق أهداف المجتمع الإسرائيلي بمركّباته المختلفة وتحقيق قيمها كدولة يهودية، وكمجتمع يستوعب هجرة وكدولة ديمقراطية".[4] بالإضافة الى ذلك تضع الخارطة نظام أولويات للتطوير: "إعطاء أفضلية لتطوير القدس كعاصمة لإسرائيل، الجليل والنقب – مع التشديد على متروبولين بئر السبع الذي سيشكّل رافعة لتطويره".[5] تطمح الخارطة، أيضًا، إلى "نشر متوازن للسكّان بين أقسام الدولة المختلفة، من خلال التشديد على التطوير المكثّف للنقب والتطوير المتوازن للجليل".[6]

بالإضافة إلى ذلك، تسعى تاما 35 للتطرّق إلى التباين في المجموعات التي تؤلّف المجتمع الإسرائيلي وتشدّد على الحاجة في إعطاء "جواب تخطيطيّ على احتياجات وتطلّعات مجموعات السكّان المختلفة بما يشمل الانتباه إلى المجموعات التي تستحقّ تعاملاً خاصًا". يؤكّد المخطّط الحاجة إلى "تطوير توجّهات تخطيطية جديدة للسكّان العرب في إسرائيل، تمكّن من جسر الفوارق بينهم وبين السكّان اليهود، وتوقّر إجابة حيزية وجغرافية ناجعة لسيرورات التغيير الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي التي تمرّ بها".[7] من شأن هذه الأهداف دفع المصلحة التخطيطية للسكّان العرب، لكنّ السّؤال هو حول مدى تطبيقها وتجسُّدها في التخطيط النهائي. صحيح، على الغالب، أن لغة التخطيط وأهداف هذا المخطط تختلف بعض الشيء عن لغة وأهداف التخطيط في المخططات القطرية واللوائية السابقة التي عملت على تهويد الحيّز وتوزيع السكان، لكن لغة التخطيط هذه لا تنعكس بشكل متلائم في المنتوج النهائي، أي في التخطيط النهائي لـ تاما 35.

 

طريقة البحث

يقوم أسلوب العمل في هذا المقال على منهج تقييم الخرائط الهيكلية(Evaluation Method). هناك منهجيات مختلفة لفحص توجه المخططات الهيكلية لمجموعة سكانية معينة.[8] بشكل عام، بالإمكان التمييز بين أنواع مختلفة من تقييمات المخطّطات. التمييز الأساسي هو ما بين التقييم اللاحق (ex-post) والتقييم السابق (ex-ante). يتمّ التمحور في التقييم اللاحق حول تحليل التأثيرات الفعليّة للمخطّط وحول سياسات التخطيط التي تمّ تطبيقها. أما التقييم السّابق فيتناول التأثيرات المتوقّعة والمُخمّنة للمخطّطات، والتي لم يتم تطبيقها بعد. موضوعنا هنا هو التقييم السّابق، لأنّ تاما 35 تقترح سياسة تخطيط وقرارات تخطيطية بدأ تطبيقها مؤخرًا فقط.

إذا أخذنا بعين الاعتبار خصائص الخارطة الهيكلية القطرية الشاملة التي تتطرّق إلى مسائل حيّزية، اجتماعيّة، اقتصادية وبيئيّة واسعة، فسيتمّ تعريف المصطلح تقييم في هذا المقال كتحليلٍ لمدى تحقيق أهداف الأقليّة العربية في إطار تاما 35. بكلمات أخرى، نحن نجري مقارنة بين أهداف الأقلية العربية الأساسية في كلّ ما يرتبط بالتطوّر الحيّزي، الاجتماعي والاقتصادي، وبين نِتاج المخطط الهيكلي القطري. 

من الواضح لنا أنّ هناك نوعين من الأهداف: (1) الأهداف المؤسّسية - تلك التي يضعها المجلس القطري للتخطيط والبناء؛ (2) الأهداف المنشودة لدى الأقليّة – أي غايات الأقليّة الفلسطينية في إسرائيل. في هذا المقال يجري تقييم تاما 35 من وجهة نظر أهداف الأقلية الفلسطينية.

بغرض حصر أهداف العرب في ما يتعلق بالتخطيط القطري في إسرائيل، تمّ إجراء استطلاع يستند إلى استمارة أسئلة بالعربيّة. شملت الاستمارة أسئلة اجتماعية - اقتصادية وأسئلة تتعلّق بمشاكل الأقليّة العربية في مسائل الحيّز، التخطيط والتطوير. شملت العينة 517 مستطلعًا، من النساء والرجال الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا ويقطنون في بلدات عربية في الشمال، المثلث والنقب وفي مدن مختلطة، أيضًا. وتُعرض في القسم التالي أهداف الأقلية العربية في كلّ ما يتعلّق بالتطوير الحيّزي، الاجتماعي والاقتصادي للبلدات العربيّة. الأهداف التي سيتمّ عرضها تستند إلى نتائج الاستطلاع. إضافة إلى ذلك، سنتطرّق إلى السّؤال: إلى أيّة درجة توفّر تاما 35 إجابة عن هذه الأهداف.

 

توجّه تاما 35 نحو الأقليّة العربيّة في إسرائيل

بيّن الاستطلاع المذكور الذي أُجري بين العرب أنّ الأهداف الرئيسة للتطوير والتخطيط المتعلقة بالتخطيط القطري للمجتمع العربي يجب أن تكون: العدالة والمساواة الحيّزية والجغرافية، المساواة في تخصيص المصادر في المجال الاجتماعي، الاقتصادي والبيئي بين الأقليّة الفلسطينية والأغلبيّة اليهودية في إسرائيل. في هذا القسم سنفحص إلى أيّ مدى تمّ تحقيق هذه الأهداف في إطار تاما 35، من وجهة نظر الأقليّة العربيّة في البلاد. يجدر التأكيد على أنّ هذا القسم يعرض، باقتضاب، عددًا محدودًا فقط من أهداف العرب في كلّ ما يتعلّق بالتطوير والتخطيط القطريّ، وذلك بسبب محدودية حجم المقالة وفقًا لطلب هيئة التحرير.

 

1.       العدالة والمساواة الحيّزية

1.1 البلدات العربية غير المعترف بها: يتجاهل المخطّط تمامًا وجود البلدات العربية غير المعترف بها في النقب وفي شمال البلاد. إنّ المخطّط لا يتعاطى أبدًا مع هذه القضيّة ولا يوفّر حلولاً للضائقة التي يعيشها عشرات آلاف المواطنين الذين يقطنون في هذه البلدات (حوالي 70 ألف نسمة يعيشون في 40 قرية غير معترف بها في النقب). هذه البلدات غير مُشار إلى مواقعها على خارطة أو تخطيطات تاما 35.[9] ويدّعي مخطّطو تاما 35 بشأن تجاهلها البلدات غير المعترف بها وامتناعها عن مواجهة هذه المشكلة ما يلي:   

"بخصوص البلدات غير المعترف بها في النقب فإنّ أيديهم مكبّلة بواسطة وزارة الداخلية ومديرية البدو، اللتين تخطّطان لإقامة أربع أو خمس بلدات جديدة للبدو في النقب"[10]

 

إنتهجت مؤسّسات التخطيط والاستيطان الرّسمية وشبه الرسمية، الوكالة اليهودية على سبيل المثال، حتى يومنا هذا، سياسة "تهويد الحيّز". تجلّت هذه السياسة في توزيع السكان اليهود في حيّزات "ضئيلة السكان"، والسيطرة على الأراضي بواسطة مصادرة الأراضي من العرب وضمان الاستعمال اليهودي الحصري لأقصى ما يمكن من الأراضي، وهذا في إزاء تقليص الأراضي التي يستعملها السكّان العرب. بالاستناد إلى هذه السياسة، فإنّ الدولة لا تعترف بعشرات القرى العربية في النقب. في الوقت نفسه، فهي تعمل بنشاط كبير لدفع إقامة بلدات يهودية في المنطقة واستيطانات فرديّة تمتدّ على عشرات آلاف الدونمات. إنّ توجه تاما 35 نحو البلدات غير المعترف بها هو استمرار لهذه السياسة التمييزية وغير العادلة.

1.2 مناطق نفوذ البلدات العربية: تعاني جميع البلدات العربية تقريبًا من مناطق نفوذ لم تعد تلبّي احتياجات سكّانها، حتى في الوقت الحاضر. فاحتياطي الأراضي في تلك البلدات آخذ بالنفاد ولم يعد يسمح بضمان تطوير لائق في الحاضر والمستقبل القريب. هذا الوضع يخلق مشاكل النقص في الأراضي لمختلف الاحتياجات، كالسكن، الصناعة، الخدمات الجماهيرية والمساحات المفتوحة.[11] حيث أدّت سياسة الأراضي في إسرائيل إلى توزيعة غير عادلة للحيّز بين العرب واليهود، وهي بدورها تخلق مشاكل حيّزية خطيرة من النقص في البنى التحتية، انعدام إمكانيّات التطوير وإلخ.. في أواخر العام 2000 شكلت مناطق نفوذ السلطات المحلية العربية حوالي 2.5% فقط من مساحة الدولة، [12]بينما كانت الغالبية الساحقة من المساحة المتبقية تقع تحت نفوذ بلدي يهودي.[13] مثلا، تمتدّ منطقة بئر السبع على مساحة 12945 كيلومترًا مربعًا. مناطق نفوذ البلدات العربية السبع الواقعة في هذه المنطقة تمتد على مساحة 59,957 كيلومترًا، والتي تعادل 0,5% من مساحة المنطقة[14]. يشكّل السكان العرب 26% من سكان المنطقة[15]. مثال آخر يبرز التمييز وانعدام العدالة في تخصيص الأراضي مُستمدّ من المقارنة بين مناطق النفوذ في مدينتي الناصرة ونتسيرت عيليت المتجاورتين. يصل عدد سكّان الناصرة إلى 63,8 ألف نسمة، وسكّان نتسيرت عيليت إلى 43,9 ألف نسمة[16]. على الرّغم من أنّ عدد سكان الناصرة أكبر بـ1,4 من عدد سكان نتسيرت عيليت إلا أنّ منطقة نفوذ نتسيرت عيليت (42 ألف دونم) أكبر بثلاث مرّات تقريبًا من منطقة نفوذ الناصرة (14,2 ألف دونم)[17]. منطقة نفوذ الناصرة لا تتلاءم مع عدد سكّانها ولا مع احتياجاتهم الراهنة والمستقبليّة. تاما 35 لا تعمل وفق مبدأ العدالة التوزيعية الحيّزية وتمسّ به على المديين، الفوريّ والبعيد. وحول هذا الشأن، تحديدًا، كتبت صحيفة هآرتس بشأن توجّه لجنة العمل على خارطة تاما 35 نحو منطقة نفوذ الناصرة:[18]

 

"بخصوص الناصرة، مثلا، يوجد اقتراح بتوسيع المدينة غربًا. ولكن في أواخر كانون الأوّل 1998، خلال جلسة لجنة العمل على تاما 35، تقرّر أن هذا المخطط تناقض مخطط حماية غابة "ألونيم" ولذلك تقرّر تقليص النسيج المديني للناصرة، وأن يتم تحديده بدقّة سوية مع وزارة الاسكان والجهات الخضراء".

 

1.3 ضائقة السّكن: تعاني الأقلية الفلسطينية من ضائقة سكنية، تشير إليها أيضًا نتائج استطلاع الرأي. لا تعالج تاما 35 هذه المشكلة بشكل معقول بل إنّها تتجاهلها. النقص في السكن هو نتيجة للتخطيط المتجاهِل الذي لا يلبّي احتياجات السكان العرب، وللنقص في أراضي السكن ضمن الخارطة المصادَق عليها. لهذا السبب، توجد اليوم في البلدات العربية مبانٍ سكنية كثيرة دون رخص بناء، بعضها يقع خارج المخطط المصادق عليه. هذا الوضع المستحيل يبقي السكان العرب الذين اضطروا للبناء دون ترخيص تحت طائلة التهديد اليوميّ بالهدم والإخلاء. وهو يجسّد تجاهلاً لاحتياجات السكّان الحيوية الماسّة ويمسّ، بفظاظة، بالحقوق الأساس في السكن، تطوّر البلدة، الارتباط بالبنى التحتية وغيرها.

 

1.4 البلدات العربية المهجّرة والأماكن المقدّسة: كانت إحدى نتائج حرب 1948 وجود مئات البلدات العربية المتروكة والمهجّرة التي لم يُسمح لسكّانها منذ ذلك الحين بالعودة إليها. تحمل هذه البلدات معنى تاريخيًا، ثقافيًا ورمزيًا لدى الفلسطينيين (كما يتبيّن أيضًا في استطلاع الرأي). يجب الحفاظ على، والإشارة إلى، هذه البلدات في الخارطة القطرية. إلى جانب هذا، تبيّن نتائج الاستطلاع، أيضًا، أنّ المجتمع العربيّ يبدي تخوّفًا على مصير الأماكن الوقفيّة المقدسة للمسلمين والمسيحيين، التي تسيطر عليها اليوم سلطات إسرائيليّة مختلفة، بدلاً من أن تكون بإدارة العرب.

 

 

2.     المساواة والتطوير الاقتصادي اللائق

تبيّن المعطيات القطرية أنّ الهوّة الاقتصادية بين العرب واليهود عميقة جدًا. وهي تتجلّى في: (1) نسب بطالة عالية – الغالبية الساحقة من البلدات المنكوبة بالبطالة هي بلدات عربية؛ (2) نسبة النساء غير العاملات بين السكان العرب هي إحدى أعلى النسب في العالم. مثلا: في الناصرة 75%، رهط 93,4%، أم الفحم 87,6%، المغار 88,55؛ (3) القاعدة الاقتصادية للقرى العربية ضعيفة جدًا. فروع التشغيل في تلك البلدات ضعيفة وتقليدية. فحوالي نصف العاملين العرب يعتاشون من مجال البناء وقلة منهم يعملون في مجالات الإدارة والإدارة الماليّة؛ (4) عدم قبول عاملين عرب في شركات حكوميّة وأخرى، مثل شركة الكهرباء، أو منع قبولهم فيها.

عبرت الغالبيّة السّاحقة من العرب في الاستطلاع (95%) عن اعتقادهم بأنّ سياسة التطوير الاقتصادي لدى مؤسسات الدولة ليست عادلة. وتتجاهل تاما 35، بالمطلق تقريبًا، التطوير الاقتصادي للبلدات العربية، بل إنّها تساهم في تعميق الهوّات القائمة بين العرب واليهود. مثلا، تستند تاما 35 بالأساس إلى المناطق الصناعيّة القائمة ولا تقترح مناطق صناعية للبلدات العربية أو لتكتّلاتها. وقد ثبت في السابق أنّ فرضية استيعاب المناطق الصناعية في البلدات العربيّة للعاملين العرب لا تتلاءم مع الواقع الإسرائيلي. إنّ إقامة مناطق صناعيّة بإدارة بلدات عربيّة تزيد من المدخول الذاتي للسلطات المحلية العربية، تنتج أماكن عمل جديدة وتُطلق سلسلة من التطوير الاقتصادي المنشود.

 

3.  المساواة والتطوير الاجتماعي والثقافي اللائق

هنالك نقص كبير بين العرب في إسرائيل في الخدمات الجماهيرية على مستوى البلدة الواحدة. وتعاني هذه البلدات، على المستويين المنطقي والقطري أيضًا، من النقص في الخدمات، كمراكز ثقافية، مراكز تراثيّة، جامعة وغيرها. يدفع النقص في الخدمات الاجتماعية والثقافية على مستوى البلدة الواحدة بالمشكلة الى مستوى قطريّ بصورة واضحة. على الرّغم من هذا فإنّ تاما 35 تتجاهل الاحتياجات الاجتماعيّة والثقافيّة المتميّزة للأقليّة الفلسطينية في إسرائيل. فالخارطة لا تعترف بالاختلاف الثقافي بين اليهود والعرب، وهو ما يجعل المسّ بالثقافة غير المهيمنة واضحًا جدًا. ويتجلّى هذا الوضع الخطير في مواقف المستطلعين، حيث أنّ 93% منهم قدّموا تقييمًا سلبيًا لوضع أماكن الترفيه في بلداتهم. 84% منهم وصفوا وضع الخدمات الطبيّة بشكل سلبيّ. و72% منهم تعاطوا بالمثل مع جهاز التعليم.

 

     4. المساواة والتطوير والحماية البيئية اللائقة

لقد استعملت سياسة التخطيط، بشكل عام، موضوع البيئة و"الأرض الخضراء" كوسيلة للحدّ من تطوّر البلدات العربيّة، وهكذا فقد أثّرت سلبًا ومسّت بصورة فظّة بتطوير البلدات العربية. على النقيض من هذه السياسة، يجب تخصيص مساحات خضراء والحفاظ على المناطق الطبيعية، من دون المسّ بإمكانيّة التطوير الحيّزي الطبيعيّ واللائق للأقليّة العربيّة. إنّ تاما 35 تتجاهل احتياجات البلدات العربيّة بتحديد مختلف الأنسجة، وخاصة أنسجة الحماية والمناطق الطبيعيّة. وهكذا فهي تمسّ ببلدات عربية كثيرة بشكلٍ فظ ولا تأخذ بالاعتبار احتياجات التطوير لتلك البلدات. فمثلاً: تحيط تاما 35 البلدات العربية بغلاف أخضر جاء بهدف منع التطوّر الطبيعيّ والمنشود لهذه البلدات. الأغلفة الخضراء ليست ناجمة عن احتياجات تخطيطية، بل إنّها نتيجة لأهداف جغرافيّة-سياسية ، يقع في صلبها منع "توسّع"  البلدات العربيّة.

 

الإسقاطات المستقبلية لـ تاما 35 على العرب مواطني إسرائيل

توجد للخارطة الهيكلية القطرية الشاملة – تاما 35 إسقاطات خطيرة على الأقليّة العربية. في ما يلي النقاط الأساسية لما يمسّ به المخطط بالسكّان العرب:

1.      تعميق الهوات الحيّزية بين اليهود والعرب في إسرائيل فالمخطّط يجمد، والأصحّ يقلّص، مساحات الأراضي المطلوبة للتطور الطبيعي للبلدات العربية المعترف بها، ويتجاهل تمامًا تطور واحتياجات العرب في البلدات غير المعترف بها. فمن ناحية المخطط، هذه البلدات غير قائمة بالمرّة، والأراضي التي يعيش عليها سكان تلك البلدات ليست مخصّصة للسكن بل لأغراض أخرى.

2.      تعميق الهوّة الاقتصادية بين اليهود والعرب – إنّ الهوة العميقة القائمة في مجالات العمل، كنسبة البطالة بين العرب، سوف تزداد. ولا يقترح المخطط أيّ حلول اقتصادية للأقليّة العربية كإقامة مناطق صناعيّة ومناطق عمل متطوّرة تليق بالقرن الواحد والعشرين.

3.      تعميق الهوّات الاجتماعية – لا تعرض الخارطة للأقليّة الفلسطينيّة حلولاً تخطيطية في مجال السكن، الخدمات الاجتماعية، الخدمات الثقافية وغيرها، أسوةً بالبلدات اليهودية.

4.   &n

ملفات متعلقة: