الولاء لقيم الصهيونية كشرط قبول للبلدات التعاونية

علاء محاجنة | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 67، كانون الأول 2009
المفاهيم السياسية التي تطالب بالولاء كشرط لمواطنة متساوية، آخذة في التفشي في داخل المجتمع الإسرائيلي

 

علاء محاجنة | مجلة عدالة الإلكترونية، العدد 67، كانون الأول 2009

يبشر تغيير الدستور الداخلي الخاص بالبلدة التعاونية "متسبيه أفيف" التابعة لمجلس "مسغاف" الإقليمي بنهج خطير آخذ بالتفشي في إسرائيل ("إمتحانات الولاء في مسغاف آخذة في التعاظم"، "هآرتس"، 16/11). فقد نصّ التعديل على اشتراط تخصيص الأراضي في البلدة بإعلان الشخص الراغب بالانضمام إليها، بأنّ "قيم الصهيونية وقيم الدولة كدولة يهودية وديمقراطية، على رأس سلم أولوياته". في العاشر من كانون الأول صدّق الكنيست وبأغلبية كبيرة على مشروع قانون بهذا الشأن بالقراءة التمهيدية بعد أن تبنته اللجنة الوزارية للتشريع. يهدف مشروع القانون بحسب مؤيديه إلى "الحفاظ على قدرة تحقيق الرؤيا الصهيونية على أرض الواقع" في البلدات التعاونية، عن طريق مطلب "الولاء" المطروح على المرشحين للقبول لهذه البلدات.

 

 

 

 

 

وفي الواقع، فإنّ التعديلات التي أجريت في الأشهر الأخيرة على الدساتير الخاصة بعدة بلدات تعاونية لا تغير من الوضع القائم، كون هذه البلدات خالية فعليًا من العرب. ومع ذلك، فإنّ هذه التعديلات تشكل تعبيرًا جليًا عن التمييز ضد المواطنين العرب ولها "تأثير رادع" هام في كل ما يتعلق بحقهم في اختيار مكان سكناهم. ومع ذلك، فإنّ مشروع القانون يسعى لتكريس صلاحية البلدات التعاونية باختيار المرشحين للسكن بواسطة تشريع رئيسي في الكنيست.

 

ليست "متسبيه أفيف" البلدة الأولى التي تدخل تغييرًا بهذه الروح على دستورها. فقد سبقتها بلدتا "منوف" و"يوفاليم"، وهما أيضًا بلدتان تعاونيتان في مجلس "مسغاف" الإقليمي، اللتين أدخلتا تعديلات مشابهة في جوهرها. كما يبدو أنّ هذه الحالة لن تكون الأخيرة، في ضوء النشر حول تغيير مشابه من المفترض أن يجري في البلدة التعاونية "عتسمون"، وهي أيضًا تابعة لمجلس "مسغاف" الإقليمي. وقد سبق وتوجه مركز "عدالة" إلى المستشار القضائي للحكومة مطالبًا بإصدار أمر يلغي هذا الشرط في دساتير البلدات سالفة الذكر[1].

 

كما يبدو أنّ هذا النهج لا يتعلق بمجال المسكن فقط (وزارة المعارف تطلب من المرشحين العرب أن يبدوا "موقفًا إيجابيًا" من قيم الثقافة الإسرائيلية، "هآرتس"، 3/12). الاستنتاج الحتمي واضح: مفاهيم أفيغدور ليبرمان السياسية، التي تطالب بالولاء كشرط لمواطنة متساوية، آخذة في التفشي والتعاظم وهي تتغلغل في داخل المجتمع الإسرائيلي، على حساب قيم ديمقراطية وعلى رأسها مبدأ المساواة. كما أنّ مشروع القانون الذي أسلفنا ذكره، والمقدم بدعم من رؤساء المجالس الإقليمية في النقب والجليل، ليس إلا انعكاسًا لهذه التغييرات.

 

تشير قيم الديمقراطية الأساسية في الدول السّويّة إلى المسلكيات المعيارية الأساسية التي تُدار هذه الدول وفقها. كما أنّ مكانة هذه المسلكيات المعيارية متجذرة جيدًا في المشهد الاجتماعي-السياسي، وأية تغييرات أو شذوذ عنها هو أمر خارج عن المألوف. مقابل هذا، فإنّ النهج السياسي لحزب لا يمثل التيار المركزي في المجتمع في إسرائيل، يتغلغل إلى لبّ الخطاب العام. كما أنّ هذا النهج ينجح في زعزعة قيم ديمقراطية أساسية جرت بلورة مكانتها في التشريعات وقرارات المحكمة العليا، وبدلا منها ينجح في إملاء قيم عنصرية ومناهضة للديمقراطية.

 

 

المطلب بأنّ على كل مرشح لبلدة "أفيف" أن يبدي الولاء لقيم الصهيونية كشرط للقبول في البلدة غير أخلاقي. فمن وجهة نظر المواطنين العرب فإنّ إقامة الدولة محفورة في الذاكرة الجمعية كصدمة- النكبة. لقد كانت إقامة الدولة مرهونة بمواجهة بين حركتين قوميتين، في حين أنّ هذه المواجهة لم تنتهِ حتى يومنا هذا. وبما أنّ المواطنين العرب جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، فإنّ قيم الصهيونية تمثل في منظورهم هزيمتهم وتحويلهم من مجموعة مركزية في المنطقة إلى مجموعة أقلية في دولة تابعة للقومية الأخرى- وفق تعريفها لذاتها. وعليه، فإنّ مطالبة المواطنين العرب بأن يبدوا الولاء لقيم الصهيونية هي أمر غير أخلاقي ويمكن أن نضيف بأنه غير قابل للتطبيق.

 

كما أن المطلب بأن يبدي كل مواطن الولاء لقيم الصهيونية مخالف أيضًا لمبادئ الديمقراطية الأساسية، وعلى رأسها مبدأ المساواة وحرية المواطن في اختيار مكان سكناه. في قرار الحكم الصادر عن المحكمة العليا في مسألة قعدان تقرر بشكل لا يحتمل التأويل بأنّ الدولة ملزمة بالتعامل بسواسية بين المواطنين اليهود وبين المواطنين العرب، في كلّ ما يتعلق بتخصيص الأراضي. كما تقرّر أنّ التمييز بين المواطنين العرب وبين المواطنين اليهود في القبول إلى البلدات التعاونية ممنوع[2]، ناهيك عن أنّ مطلب التعبير عن الولاء لقيم الصهيونية يخرق مبدأ المساواة المثبت في قرار حكم قعدان، كون غايته الأساسية إقصاء المواطنين العرب عن هذه البلدات. أضف إلى ذلك أنّ مطلب الولاء يثير التساؤلات بصدد علاقة الأغلبية والأقلية في المجتمع، حيث أنّ هذه العلاقة في صلبها محاولة من جانب مجموعة الأغلبية لفرض منظومة سياسية على مجموعة الأقلية.

 

وحتى لو تخطينا الأبعاد القانونية والأخلاقية، فليست هناك إمكانية عملية لفرض مطلب الولاء. ويُسأل السؤال: ما الذي على المواطنين العرب أن يثبتوه، لغرض قبولهم للبلدة، كي يُنظر إليهم على أنهم مُوالون لقيم الصهيونية؟ هل سيُطلب منهم أن يتهوّدوا أو يمكنهم الاكتفاء بتعليق صورة هرتسل في بيوتهم؟ كيف بالإمكان قياس الولاء وما هي المعايير التي تُقرر بحسبها درجة الولاء لدى المواطن؟

 

إنّ اشتراط تحقيق الحقوق الأساسية، مثل الحق في اختيار مكان السكن، بالولاء لمنظومة الأيديولوجية الصهيونية غير قانوني، كونه يشكل تمييزًا على خلفية قومية. كما أنه يمس مسًا بالغًا بمبدأ المساواة ويناقض قرارات سابقة ملزمة صادرة عن المحكمة العليا. إنّ وجود لجان القبول التي تفرض شروطًا تستند إلى منظومة الحياة الخاصة بالمرشحين هو وضع بالغ الخطورة. وهكذا نجد أنّ هذه اللجان هي وسيلة لغربلة مجموعات لا تتبع للأغلبية القوية. مبدئيًا، يمكن للجان القبول أن تفرض شروطًا لغربلة أقليات أخرى- ليست من العرب بالضرورة.

 

 



[1] في أيلول 2009 قدّم "عدالة" التماسًا إلى العليا باسم عائلة زبيدات التي رغبت في السكن في بلدة "ركيفت" التعاونية في الجليل الغربي، ورفضت لجنة القبول المحلية طلبها، بتسويغ "عدم الملاءَمة الاجتماعية". يُنظر إلى قرار العليا 8036/07، فاتنة إبريق زبيدات وآخرون ضد دائرة أراضي إسرائيل وآخرين (التماس عالق). في الغالبية الساحقة من الحالات تقوم لجان القبول برفض طلبات تقدمها عائلات عربية ويهود من أصول شرقية وعائلات أحادية المُعيل وأزواج مثلية ومجموعات اجتماعية أخرى.

 

[2] يُنظر إلى قرار العليا 6698/95، قعدان ضد دائرة أراضي إسرائيل وآخرين، ب د 54(1) 258 (2000).

ملفات متعلقة: