جَسرٌ بين قضاء، وحياة، واغتيالات

مروان دلال | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 32، كانون الثاني 2007
قرار الحكم بشأن سياسة الاغتيالات يشرعن أخطر الأغتيالات الإسرائيل في السنوات الأربعين الأخيرة

مروان دلال | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 32، كانون الثاني

 

 

 

 

تمديد من دون ضربات جزاء ترجيحيّة

يحمل قرار الحكم بشأن سياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل في المناطق الفلسطينية التي احتلتها عام 1967، خلاصة غريبة. فقد أقرّ رئيس المحكمة العليا، أهرون براك، الذي كتب قرار الحكم الرئيسي، أنه لا يمكن تحديد مسألة قانونية سياسة اغتيالات كهذه. كتب براك: "وبناء عليه، فقد تقرّر أنه لا يمكن التحديد، مسبّقًا، أنّ كلّ إحباط مركّزٍ محظورٌ بموجب القانون الدولي المعمول به، مثلما أنّه لا يمكن التحديد، مسبّقًا، أنّ كلّ إحباط مركّز مسموحٌ به بموجب القانون الدوليّ المعمول به".[1]

 

بعد نحو خمسة أعوام من عقد جلسات في القضية، وتجميدها وإرجاء موعد البتّ فيها، قام براك، مثل حَكَم كرة قدم بعد التمديد الذي لم تتوافر له إمكانية الحسم بضربات الجزاء الترجيحيّة، بإعلان التعادل. وهو إعلان لا يخلو من المصاعب، وبودّي الإشارة إلى عدد منها في هذه المقالة القصيرة.

 

بين الحقائق والقضاء

إنّ قرار حكم القاضي براك مكتوبٌ كوجهة نظرٍ صاغها حقوقيّ في سلك "خدمة الدولة"، وفي حالتنا - في خدمة دولة الاحتلال. الحسم الغائب لدى براك ليس عَرضيًّا، إزاء غياب الحقائق التي يُفترض أن يُطبَّق عليها البحث القضائيّ الملتوي الذي يقوم به براك، في الحال العادية للحسم القضائي. فالحقائق الوحيدة الماثلة أمام المحكمة تتعلّق بهجمة إرهاب شاملة ضدّ دولة إسرائيل، وحاجة هذه الأخيرة إلى الاحتماء من وجهها، في إطار نموذج الديمقراطيّة المقاتلة أو الديمقراطية الدفاعيّة. وفيما عدا الحادثة الشهيرة، إلقاء قنبلة زِنَتُها طنّ على حيّ مكتظّ في قطاع غزة بُغية اغتيال صلاح شحادة، التي يتمّ إيرادها من دون أية مقولات نقديّة، لم تُذكر أيّة حالة اغتيال في قرار الحكم. يكتب براك:

"وَفقًا لمعطيات قدّمها الملتمسون، منذ بوشِرَت هذه العمليات وحتى نهاية عام 2005، قُتل ما يُقارب الثلاثَمِائة ناشط في منظّمات الإرهاب في هذه الهجمات. أكثر من ثلاثين محاولة إحباط مركّز قد فشلت. نحو مِائة وخمسين مواطنًا كانوا على مقربة من موقع أهداف الإحباط المركّز قد قُتِلوا خلال هذه العمليات. وجُرح مئات آخرون".[2]

 

في غياب الحقائق العينيّة التي كان يُفترض بها أن تقود حسم المحكمة، يبدو قرار حكم براك متأرجحا، بلا كلل أو ملل، بين أطراف نظرية. وبين هذه الأطراف يُراوِح قرار الحكم باحثًا عن الحلّ الوسط، وهو الموجود، كما هي الحال دائمًا، في المركز دون غيره. ولكن هذا المركز، مثلما هي الأطراف، نظريّ تمامًا. إنّه مركز يقع خارج المنطقة[3]، اي الأراضي التي احتُلّت عام 1967، والذي يفتقر إلى أية منظومة لعلاقات القوّة وأشكال تحقّقها الفعلية، بين دولة الاحتلال، وشعب تحت الاحتلال وقضاء منحاز لصالح الأولى. وحتى المواطن الفلسطيني، الذي تمّ اغتياله، خطأً، لأن اسمه كان مشابهًا لاسم هدف الاغتيال الأصلي، لا يحظى بالذكر في قرار الحكم سوى كمن أصابته يد القدر، وليس دولة الاحتلال. فهو قد "أُميت"، خلافًا لـ قُتل أو قُتل عمدًا، لئلاّ يُستخدم قرار الحكم الصادر عن براك من قبل جهات قضائية تسعى لاستكمال الإجراءات القضائية مع قتلة "من أُميت". إذًا، قرار حكم القاضي براك كُتب بأعلى درجات التجريد، وبالتالي لا يمكن الا أن يكون فارغا من أي معنى قضائي. 

 

الباب الدوّار للاحتلال في المحكمة العليا

يعتبر الموقف الرسمي لدولة إسرائيل أنّ معاهدات جنيف من سنة 1949 لا تنطبق، وبالتالي لا تسري، على المناطق الفلسطينية التي احتلتها عام 1967. هذا هو الموقف الذي تعلنه إسرائيل على مسمعٍ من العالم كلّه في الأمم المتحدة، والأهم، أنّه الموقف الذي تعرضه للفلسطينيين الذين يعيشون في تلك المناطق. وبالفعل، ليس هناك أمر واحد صادر عن أيٍّ من الحكّام العسكريين الذين حكموا هذه المناطق طيلة ما يقرب من 40 عامًا، يحدّد صلاحياته استنادًا إلى معاهدات جنيف. وعليه، ليس هناك أيّ أمر لأيٍّ من هؤلاء الحكّام العسكريين يمكن أن نجد فيه، مثلاً، الجملة التالية: "بموجب صلاحيتي وَفقًا لمعاهدة جنيف، أقرّر ما يلي". فليس الطابع الشاعريّ لمدينة جنيف هو الغائب عن المناطق الفلسطينية المحتلة فحسب، بمساهمة دولة الاحتلال السخية، بل، أيضًا، مصطلح "معاهدات جنيف"، بكلّ ما فيه من معانٍ قضائية مرافقة بصدد واجبات دولة الاحتلال. 

 

إنه ثَقْب أسود بلا شك، مملكة من غير قانون واضح. وحتى التزام دولة الاحتلال أحدادي الجانب، أمام محكمتها فقط، ب"البنود الإنسانية" الخاصّة بمعاهدة جنيف الرابعة، من دون أن تفصّل ما هي تلك البنود ومن دون الاستناد إلى تجربة إنسانية واحدة مشابهة، ليس بمقدوره أن يُضيء الثَقْب الأسود الذي يلفّ المناطق الخاضعة للسلطة الفعلية لدولة الاحتلال، منذ نحو 40 عامًا. كذلك النقاش أمام المحكمة العليا الاسرائيلية على خلفية عدد من قواعد القانون الدولي المتعارف عليه (Customary Law) أو المتفق عليه (Treaty Law)، من خلال القيام بفحص لاحق يخلف خرق دولة الاحتلال للقانون، ليس بمقدوره أن يُضيء هذا الثَقْب الأسود، وبالتأكيد ليس حين تنتهي الرقابة القضائية - وهي المغروسة عميقًا في الوهم القضائي الغريب الذي خلقته إسرائيل في المناطق المحتلة – بالاتفاق، كما يجري عادة، مع موقف دولة الاحتلال. هذه هي الأسس لنظام قضائي غريب، يقوم بوضع أرضيّة صُلبة لإعفاء مختلف وكلائه من العقاب (impunity). 

 

من الممكن فهم عبثية النظام القضائي الذي ابتدعته إسرائيل في المناطق المحتلة، إذا ما طبّقناه في إطار أحكام العقود. تدّعي إسرائيل (الطرف "أ" لضرورة عرض المثال) أنها تُبرم عقدًا مع نفسها. هذا العقد ليس ملزمًا لإسرائيل في علاقاتها مع الطرف "ب" (الفلسطينيون)، وليس في إطار علاقاتها مع الطرف "ج" (العالم)، أيضًا. أي أنه بُغية جعل هذا العقد ساريًا في أيّ إطار كان، بما في ذلك الاطار القضائي، يجب أن يتوفر الشرط الأساسي التالي: الطرفان "ب" و"ج" مقتنعان بأن المستوى الأخلاقي للطرف "أ" عالٍ إلى درجة أنه ليست هناك حاجة إلى إبرام عقد معه، حيث يمكن الاكتفاء بالالتزام من جانب واحد من قبل الطرف أ. لكن الطرف الوحيد المقتنع بالمستوى الأخلاقي العالي للطرف "أ"، الكافي لإبرام عقد بين "أ" وبين نفسه، هو ذلك المستفيد من عدم احترام العقد الأحاديّ الجانب، وهو ليس سوى الطرف "أ".

 

فيما يتعلّق بسياسة الاغتيالات، قامت إسرائيل حتى بالالتفاف على الادّعاء التقليدي الذي طرحته أمام المحكمة العليا. فقد دأبت إسرائيل، عادة، على الادعاء، بموافقة المحكمة العليا، أن القانون المتعارف عليه دوليا (Customary Law) يلزمها، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى القانون المتفق عليه دوليا (Treaty Law). لقد وشملت اسرائيل معاهدات جنيف ضمن القانون الدولي المتفق عليه. وادعت فيما يخص سياسة الاغتيالات أن القاعدة المنصوصة في البند 51(3) من البروتوكول الأول لمعاهدات جنيف، القاضي بحظر مسّ مواطن إلاّ إذا شارك في القتال مباشرة، وطوال تلك الفترة فقط "unless and for such time as they take a direct part in hostilities" ليس متعارفًا عليه، رغم المعهودية الواضحة والمتعارف عليها لتلك القاعدة لدى مجتمع القانونيين الدوليين. والأخطر من ذلك، هو أن إسرائيل طلبت الانضمام إلى طالبي تغيير القانون الدولي من أساسه، من خلال انتاج مجموعة جديدة من المواطنين - المقاتلين، أي مقاتلين يمكن مسّهم من دون منحهم أية حقوق.  

 

لقد ردّت المحكمة العليا ادعاءَي الدولة. لم تقبل موقفها بشأن عدم معهوديّة البند 51(3) ولا رغبتها في خلق مجموعة جديدة في القانون الدولي الإنساني، بشكل يتجاوز المجموعتين القائمتين لمواطنين ومقاتلين. هكذا حاولت المحكمة الانضواء مع "الشبان الطيّبين" في مجتمع الحقوقيين الدوليين، وتمييز نفسها عن المؤوّلين "الخلاّقين" للقانون الدولي، كالذين عملوا في خدمة الإدارة غير المعتدلة الحالية للولايات المتحدة، مثل البروفسور جون يو أو البروفسور جاك غولدسميث (كلاهما يدرّس، اليوم، القانون الدولي، الأول في جامعة بيركلي والثاني في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة).

 

جيري آدامز وجورج بوش، عليكما بالحذر

لكنّ المحكمة فشلت في تلك المحاولة التي يُشكّ في أنها حاذقة. فهي قبلت بالتفسير الموسِّع من قبل الدولة لمعنى الشروط التي يجب على المواطنين حسَبها "المشاركة بشكل مباشَر في القتال" و"طوال تلك الفترة". وعليه، لا عجب في أن الجيش أعرب عن اكتفائه بعد إصدار قرار الحكم، وجزم بأنه يعمل بالطريقة التي حدّدتها المحكمة بالضبط. وبموجب ذلك التفسير، هناك شكّ كبير في أن جيري آدامز كان سيتواجد بيننا اليوم، فيما لو قرّر البريطانيون العمل وَفقًا لسياسة الاغتيال الإسرائيلية ابان سيطرتهم العسكرية في شمال ايرلندا.  

 

إن قرار حكم المحكمة العليا يُعرّض رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، للخطر أيضًا، وهو المُعرَّف، بموجب المبنى الدستوري في الولايات المتحدة الأمريكية (البند 2(2) من الدستور) كالقائد الأعلى للقوّات المسلحة للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فهو مشارك بشكل مباشَر في نزاع مسلّح، طالما أن هذا النزاع قائم. ووَفقًا لتأويل المحكمة العليا الاسرائيلية، فإن الرئيس بوش يشارك في النزاع طالما أن هذا النزاع قائم، من دون أن تكون لذلك علاقة بوجوده في البنتاغون مع مرؤوسيه، أو بتناوله وجبة العشاء مع لورا في بيته فيما يرقد كلبه عند قدميه.

 

يواجه خطر الموت من دون محاكمة المتعاوِن الفلسطيني، أيضًا، الذي يمكن النظر إليه، بموجب قرار حكم المحكمة العليا، كمن يشارك بشكل مباشَر في القتال، فيمكن التعرض له في بيته، قبل تعاونه مع دولة الاحتلال أو بعده. لكن يبدو أن الخطورة الحاسمة التي تقرها المحكمة الاسرائيلية هي من نصيب جنود الجيش الإسرائيلي بالذات، قادتهم ومرسليهم، فهم بموجب قرار الحكم غير محميّين حين لا يحاربون في ساحة المعركة. تنبع هذه الإسقاطات بشكل مباشَر من قرار الحكم، وهي تتناقض بالطبع مع قواعد القانون الدولي الإنساني. قرار المحكمة العليا يشكل مصدر للفوضى والالتفاف على أسس هذا القضاء وعلى هدفه وغايته – حماية المواطنين وتحديد قواعد قِتالية ملزمة.

 

بصدد شميت والضرر العَرضيّ

كما سبق القول، كان أمام المحكمة العليا معطًى مفادُه أن أكثر من ثلاثين عملية اغتيال نفذتها إسرائيل في المناطق المحتلة قد فشلت. لم يتمّ ادّعاء خلاف ذلك في قرار الحكم. وكذلك، فقد قُتل 150 مدنيًّا، وجُرح مئات آخرون، إضافة إلى 300 كانوا قد قُتلوا بعد تعريفهم كأهداف للهجوم، وَفقًا للتفسير الموسِّع والإشكالي، إذا ابتغينا تلطيف العبارات، من قبل المحكمة. أي أنه، بحساب جافّ، وبموجب المعطيات المطروحة أمام المحكمة العليا، قُتل نصف مواطن في كلّ قتل شرعيّ، وأصيب كثيرون آخرون، وجاءت إصابة غالبيتهم بالغة على ما يبدو، نتيجة لسياسة الاغتيالات التي انتهجتها إسرائيل. هذا هو الضرر العَرضي (collateral damage) للعمليات العسكرية الشرعية. من بين مجمل الحالات التي عُرضت أمام المحكمة، لم تكن هناك ولو حالة واحدة تقرَّر أنها غير قانونية، أو إشكالية على الأقل. لذلك، فمقولة أن المحكمة أعطت شرعية لهذه العمليات القاتلة، ليست مجرّد غير مبالغ فيها، فحسْب، لا بل إنها ضرورية.

 

أحالت المحكمة إلى باحثيْن، تمّ ذكرهما بالاتفاق كمرجعيّتيْن أكثر من غيرهما، على امتداد قرار الحكم الصادر عن براك: مايكل شميت (ذُكر ستّ مرّات على الأقل)، وأنطونيو كاسيسه (ذُكر 12 مرّة على الأقل). الأول محسوب أكثر على وجهة النظر العسكرية بشأن القانون الدولي الإنساني. شميت، وهو مواطن أمريكي، يدرّس القانون الدولي في المركز الأوروبي للدراسات الأمنية في ألمانيا. كاسيسه، بالمقابل، يفهم القانون الدولي عمومًا، والقانون الدولي الإنساني خصوصًا، بوصفه قائمًا على حقوق الإنسان. ويعتبر أحد مؤسّسي هذا التيار، بما في ذلك ضمن إطار القانون الدولي الجنائي، بكونه الرئيس الأول للمحكمة الدولية بخصوص الجرائم التي ارتكبت في يوغوسلافيا السابقة.

 

إذًا، هناك وَهْم بصريّ غيرُ مستعصٍ على التشخيص في قرار الحكم. فأكثر الباحثين المقتبَسين على امتداد قرار حكم براك (والذي تُرجم إلى الإنجليزية) هو المختصّ من جانب الملتمسين، نصير حقوق الإنسان، الذي أقرّ أن سياسة الاغتيالات العينيّة التي تنتهجها إسرائيل ليست قانونية. أمّا في المسائل الحاسمة التي حدّدت قانونية سياسة الاغتيالات، مثل ما هو معنى "المشاركة المباشَرة في القتال"، فقد تمّ تفضيل موقف شميت الموسِّع[4] على الموقف الواضح والجليّ لكاسيسه، الذي أعرب عن موقفه الواضح بصدد عدم قانونية سياسة الاغتيالات الخاصّة بإسرائيل.

 

لقد التقيت البروفسور شميت في صيف 2005، في إطار دورة متقدّمة في القانون الدولي الإنساني في جامعة هارفارد. شارك في الدورة مدّعون عسكريّون من جيشَي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ناشطون إنسانيّون من الصليب الأحمر والأمم المتحدة، مسؤولون من منظمات لحقوق الإنسان مثل Amnesty International وHuman Rights Watch وغيرهما. كان البروفسور شميت أحد المشاركين والموجّهين في المناقشات التي جرت. كانت غاية تلك المناقشات، أيضًا، طرح قضايا صعبة وفحص كيفية تعاطي القانون الدولي معها. وكان أحد التمارين اختبار قانونية الهجومات العسكرية في مدينة ما، ألا وهي بغداد. لقد هدَف التمرين إلى الوقوف على الأهداف الشرعية للهجوم، مقابل الأهداف التي لا يمكن مسّها بموجب القانون الدولي الإنساني. تمّ تزويدنا بمعلومات استخباراتية حول كلّ هدف، قبل اتخاذ قرار ما إذا كان الهجوم قانونيًّا أم لا. وقد قام البروفسور شميت بتوجيه هذا التمرين.

 

كان أحد الأهداف غرفة فوق سطح مدرسة. وكانت المعلومات الاستخباراتية تُفيد أن في هذه الغرفة اجتماعًا لقيادة المخابرات العسكرية للجيش العدو. وكان بين المعلومات المتوافرة، أيضًا، أنه من غير المعروف ما إذا كان هناك طلاّب في المدرسة أم لا. دار جدل حادّ بيني وبين البروفسور شميت. فادّعى هو أنه من الممكن ومن اللائق ضرب هذه الغرفة على الموجودين فيها. كان ادعاؤه الرئيسيّ أن مسّ هؤلاء الأشخاص من شأنه إنهاء الحرب. أنا ادّعيت أنه لا يمكن مسّ هذا الهدف؛ لأنه ليست هناك معلومات استخباراتية تدلّ على أنه ليس هناك طلاّب في الجوار، وأنه، بالإضافة إلى ذلك، للمدرسة، كونَها كذلك، الحقّ في ألاّ تُهاجَم. أمّا هو فقد جزم بأن مسألة مسّ الطلاّب والمدرسة تُحَلّ في إطار سؤال "الضرر العَرضيّ الشرعيّ"[5].

 

إن قرار الحكم بشأن سياسة الاغتيالات الإسرائيلية يشرعن أخطر العمليات التي نفّذتها إسرائيل كقُوّة تمارس الاحتلال في المناطق المحتلة في السنوات الأربعين الأخيرة: عمليات قتل غير "مركّزة" مصحوبة بـ"ضرر عَرضي" كبير ومعروف سلفًا. إن من شأن هذه الشرعنة أن تؤدي إلى انتهاكات جسيمة إضافية من قبل الجيش الاسرائيلي لحقوق الإنسان الأساسية للسكان الذين يعيشون تحت الاحتلال. هذه الانتهاكات الجسيمة، التي ينفّذها الجيش ومرسِلوه، تتمتع بنظام مستقرّ بوصفها معفيّة من العقاب (impunity) بقيادة المدّعي العسكري العام، المستشار القضائي للحكومة والمحكمة العليا، على مرّ الأجيال. ولا مفرّ، إذًا، من تحدّي نظام الإعفاء من العقاب هذا، في أساسه. ولا شك، اذا، أن البروفسور ديفيد كندي، الذي يدرّس القانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة هارفارد، يصف بدقّة استحالة تقييم المس الشرعي للمواطنين، الذي تكون نتيجته الأكيدة الانتقال من قواعد قانونية تسمح بمسّهم إلى المسؤولية الجنائية بصدده:

"[It] is extremely difficult to see how one might, in fact, weigh and balance civilian deaths against military objectives. The idea of proportionality – or necessity – encourages a kind of strategy, and ethic, by metaphor: the metaphor of weighing and balancing… Indeed, at least so far as I have been able to ascertain, there is no background exchange rate for civilian life. What you find instead are rules kicking the decision up the chain of command as the number of civilians increases, until the decision moves offstage from military professionals to politicians. Rules transforming weighing and balancing effects into attributions of responsibility".[6]