مأوى مشترك في النقب

أورن يفتاحئيل وثابت أبو راس | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 84، تموز حزيران 2011
على المتظاهرين أن لا يتنازلوا، لأن العدالة ومستقبل المجتمع الان في يديهم.

أورن يفتاحئيل وثابت أبو راس | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 84، تموز حزيران 2011

 

 

 

 

 
متى كانت اخر مرة رأيتم بها يهود، عرب، علمانيين، متدينين، مواطنين قدامى، قادمين جدد، طلاب جامعات ونشطاء أحياء في مسيرة ومظاهرة مشتركة؟ نعم، مساء يوم الاثنين الماضي، شارك المئات منهم سويًا في مسيرة مشتركة، يحملون يافطات كتبوها سويًا، عليها شعارات مشتركة وعلى رأسها "الشعب يريد – عدالة اجتماعية". مشحونون بالطاقة جراء مشاركتهم في المظاهرة الناجحة يوم السبت، تقدم منظمو الاحتجاج في بئر السبع خطوة إضافية، وخلقوا جبهة حقيقية مكونة من مجموعات مختلفة في إطار نضال مشترك.

 

بعد المسيرة عقد اجتماع جماهيري في الساحة المحاذية لخيم الاعتصام. وكان من بين المتحدثين، على سبيل المثال، بيلا أليكسندروف، حايم بار-يعكوف، أدار شطيرن، صياح الطوري، حايم بيركوفيتش، نوري العقبي، جابي بيرتس، ديبي كوهين-كيشت وكثيرون آخرون. بحسب أسماء المتحدثين يمكن الملاحظة أنه ثمة هنالك أمر جديد ومنعش– نضال متعدد القطاعات في إسرائيل، حول هدف مشترك، الذي يتحول الان حول موضوع المسكن، لكنه يعكس تعطش أكبر لمجتمع عادل في هذه البلاد.

 

في العقود الأخيرة، خلقت الأجندة السياسية التي فرضت "من أعلى" مجموعات مختلفة معادية الواحدة للأخرى. في النظام الإثنوقراطي الإسرائيلي أصبح النضال "ضد" هو العلم الأبرز— وهكذا وجدنا أنفسنا داخل سياسة إحترابات مريرة- يهود ضد عرب، متدينين ضد علمانيين، مهاجرين جدد ضد مواطنين قدامى وطلاب جامعات ضد بقية الشعب، وكل ذلك في الوقت الذي تمعن وزارة المالية "المهنية" ببيع أملاك الدولة – أملاكنا نحن – لكل من يدفع أكثر، وبهذا تعمق الفجوات والتصدع في المجتمع.

 

في مظاهرة يوم الاثنين أيضًا تم اقتحام المظاهرة من قبل شخصان يحملان يافطات كتب عليها "كلنا ليبرمان"، وهم يصرخون بعبارات نابية تجاه المتظاهرين ويطالبون بطرد العرب. خلال لحظات سيطر عليهم منظمو الاعتصام  وطردوهم من المكان. هذه المحاولة الشفافة لزرع الفتنة بين المتظاهرين فشلت هذه المرة.

 

الضائقة السكنية مشتركة فعلاً لكافة المجموعات في إسرائيل، وبإمكانها أن تشكل أرضية لنضال مشترك مستمر وحقيقي الذي من شأنه أن يقرب بين المجموعات المختلفة. هذا النضال سيضع تحدي أمام المنظومة الرأس مالية المشوهة والمنفلتة التي نمت في إسرائيل، والتي يشكل سوق البيوت في إسرائيل أحد رموزها البارزة.

 

لكن، ألا لنا أن نكون ساذجين – علينا الاعتراف أن مصادر أزمة السكن تختلف من مجموعة إلى أخرى. عند غالبية المجتمع اليهودي، وخصوصًا في أوساط الشباب، تنبع الضائقة من إهمال الدولة لمجال الإسكان من جهة، ومن عملية خصخصة الأراضي الحاصلة من جهة أخرى. عند العرب بالمقابل، تنبع ضائقة السكن بالأساس من مصادرة الأراضي في البلدات العربية وضواحيها، من النقص الشديد في تخصيص أراض للبناء في البلدات، والعوائق الكثيرة أمام تنقلهم في الحيز الإسرائيلي كالنقص في مؤسسات عربية في غالبية المدن الإسرائيلية وإقامة لجان قبول، التي تمنع سكنهم في البلدات الجماهيرية وتضر أيضا في مجموعات يهودية مستضعفة. أزمة الحرديم التي لا تقل صعوبة عنها عند العرب، تنبع اساسًا من الفقر والتعلق غير الصحي بالصدقات الحكومية والخاصة. ليس بالصدفة صرخ المتظاهرين: "نريد عدالة، لا نريد صدقة".

 

لكن في مجال الإسكان يزيد المشترك عن المفرق. رغم المصادر المختلفة للأزمة، الحق في المأوى واهتمامنا بالجيل القادم، يجب أن توحد المجموعات حول طلبات تغيير هذه المنظومة المشوهة من جذورها، كونها لا تضمن لمواطني الدولة ولا حتى المأوى الذي يعتبر أبسط الحقوق. ومن يقرر اليوم هل سيكون لأبنائنا مأوى؟ بالأساس موظفي وزارة المالية، الذين يسعون إلى تطبيق نظريات انهارت في أنحاء العالم، وحلفائهم – أصحاب رؤوس الأموال الذين يهتمون بربحهم فقط، وذلك من خلال المس المستمر بالمواطن البسيط.

 

مجلة عدالة الالكترونية، العدد 84. تموز- حزيران 2011

 

لماذا يحتاج الشخص في إسرائيل إلى مبلغ يعادل 12 سنة عمل للحصول على شقة متوسطة، في الوقت ذاته في ألمانيا، هولندا، سنغفورا وفرنسا يكفي مبلغ يعادل 6-7 سنوات عمل فقط. يمكن أن نتعلم من تجربة هذه الدول التي تتدخل في سوق الإسكان، وتخلق بدائل تتيح لكل مواطن أن يحصل على مسكن مقبول كحق دستوري أساسي.

 

في هذه الدول يوجد عادةً أنواع مختلفة من الإسكان الجماهيري (حكومي، بلدي أو تابع لجمعيات إسكان)، وبالمقابل يوجد إلزام قانوني لبناء شقق في متناول الجميع (شقق متواضعة وغير مرفهة) في كل مشروع بناء جديد بالإضافة إلى التشجيع الحكومي للمقاولين لإقامة بنايات للتأجير طويل الأمد، ووجود نسبة صغيرة نسبيًا من البيوت التي تعرض للبيع وفقًا لمنطق السوق.

 

في هذه المنظومات، تساعد الدولة مواطنيها في الحصول على مصادر تمويل وتوفير شبكات الضمان لذوي الدخل المحدود. هكذا يبنى مجتمع متطور وهكذا تتحقق المواطنة بالمعنى الصحيح، التي تعطي مضمون حقيقي للدولة كبيت لجميع مواطنيها.

 

يجب أن لا نوهم أنفسنا، الحكومة الحالية لن تسارع لتبني حلول جذرية من هذا النوع، الأمر الذي سيشكل اعترافًا ضمنيًا من قبلها بفشل سياسة الإهمال التي اتبعتها على مدار عقود متعاقبة. الرد المتوقع هو المزيد من المحاولات لشرذمة الاحتجاج، وللعودة إلى سياسة فرق تسد التي تضعف الجميع.

 

لكن على المتظاهرين أن لا يتنازلوا، لأن العدالة ومستقبل المجتمع الان في يديهم. ربما من بئر السبع ستنطلق شارة النضال القادم من نوع جديد الذي يصدر "من أسفل" من الواقع متعدد المجموعات في أطراف الدولة. نضال مشترك من هذا النوع يمكن أن يؤدي ليس فقط إلى تغيير منظومة الإسكان المترهلة، لكن إلى إنعاش وجه جميع النضالات لتعديل المجتمع في إسرائيل.

 

 



* بروفيسور أورن يفتاحئيل  أستاذ الجغرافيا في جامعة بن غوريون في بئر السبع ود. ثابت أبو راس مدير مشروع عدالة في النقب.

ملفات متعلقة: