التماس لتعريف التقييدات على المصطلح القانوني "حاجة عسكرية ملحة" الذي يستعمله الجيش لهدم البيوت في المناطق المحتلة

في أيار 2005، قدم مركز عدالة والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة ومؤسسة الحق إلتماساً للمحكمة العليا الاسرائيلية ضد قيادة الجيش الاسرائيلي، وضد وزير الأمن في الحكومة الاسرائيلية ورئيسها. وطالب الملتمسون المحكمة العليا بتعريف المصطلح القانوني "حاجة عسكرية ملحة" الذي يستعمله الجيش كادعاء مركزي لهدم البيوت في المناطق المحتلة لعام 67. وجاء في الالتماس ان تعريف هذا المصطلح يجب ان يكون وفقا للقانون الدولي الإنساني، ووثيقة روما وهي دستور المحكمة الجنائية الدولية، وقرارات صدرت مؤخراُ عن المحكمة الجنائية الدولية بصدد يوغوسلافيا سابقاً. كما طلب الملتمسون من المحكمة منع الجيش الإسرائيلي من هدم البيوت بناء على ادعاء وجود "حاجة عسكرية ملحة" حتى انهاء البت في القضية امامها.

يذكر أنه تم تقديم العديد من الإلتماسات للمحكمة العليا ضد سلطات الجيش لمنع هدم البيوت في المناطق المحتلة. وناقشت المحكمة هذه القضايا في سياق حق سماع صاحب البيت المعرض للهدم قبل الشروع بعملية الهدم وفي سياق ادعاء الحاق العقاب الجماعي بالمدنيين عند القيام بهدم المنازل. وفي معظم الحالات رفضت المحكمة العليا الاسرائيلية ادعاءات اصحاب البيوت وقبلت إدعاءات جيش الاحتلال وشرعنت عمليا اوامر هدم البيوت التي اصدرها نفس الجيش.

وادعى الملتمسون أن قاعدة القانون الدولي هي حظر هدم بيوت مدنيين في المنطقة المحتلة من قبل القوة المحتلة. واضاف الملتمسون ان هدم البيوت واسع النطاق يشكل خرقا جسيما لوثيقة جنيف الرابعة من سنة 1949 ولقوانين الحرب المنصوص عليها في وثيقة هاج من سنة 1907، وبالتالي فهي عبارة عن ارتكاب جريمة حرب كتعريفها في المادة 8 لدستور المحكمة الجنائية الدولية. واستعرض الملتمسون ثلاثة اماكن في المناطق المحتلة عام 67 قام الجيش الإسرائيلي بهدم البيوت فيها بناء على ادعاء وجود "حاجة عسكرية ملحة" في الفترة الواقعة بين 2002 – 2004: رفح، وجنين، ونابلس.

واضاف الملتمسون ان لقاعدة حظر هدم بيوت المدنيين في المنطقة المحتلة من قبل القوة المحتلة يوجد استثناء هو وجود "حاجة عسكرية ملحة". وادعى الملتمسون ان اللجوء الى هذا الاستثناء يخضع الى قيود عديدة فرضها القانون الدولي على عملية هدم البيوت بواسطة ادعاء وجود "حاجة عسكرية ملحة"، منها: واجب التمييز الواضح بين المدنيين والمباني المدنية وبين الاهداف العسكرية؛ عند وجود شك فيما اذا كان مبنى مدني ما زال كذلك ام تحول الى عسكري، واجب القوة المحتلة التعامل معه كمبنى مدني؛ يمكن هدم مبنى مدني يستغل لاهداف عسكرية فقط اذا كان الخطر العسكري الذي يشكله انيا وحتميا؛ على الضرر الذي تسببه عملية الهدم ان يتوافق مع الخطر العسكري الحتمي المدعى دون ان يتجاوزه؛ لا يجوز استعمال الاَت عسكرية لهدم البيوت وفقا لادعاء وجود "حاجة عسكرية ملحة" والتي ستسبب ضررا بالغا ومتوقعا يفوق الخطر العسكري المدعى؛ لا يمكن اللجوء لادعاء "وجود حاجة عسكرية ملحة" من اجل تحصيل تفوق عسكري يسهل عمل القوة المحتلة.

وادعى الملتمسون أن الجيش الإسرائيلي لا يحترم قيود القانون الدولي المفروضة عليه عند شروعه بعمليات هدم بيوت مدعيا ان هناك "حاجة عسكرية ملحة". ويستند الإلتماس على تقارير وابحاث ميدانية لمؤسسات حقوق إنسان محلية وعالمية تفصل خروقات الجيش الإسرائيلي للقانون الدولي في سياق هدم البيوت، لا سيما عندما يلجاْ لادعاء وجود "حاجة عسكرية ملحة".

وجاء في الإلتماس أن عمليات هدم البيوت واسعة النطاق ما هي الا جرائم حرب حسب تعريف هذا المصطلح في القانون الدولي، وفي قرارات هيئات قضائية دولية على وجه الخصوص. واعتمد الالتماس على ثلاثة قرارات للمحكمة الجنائية الدولية بصدد يوغوسلافيا سابقاً والتي تم من خلالها ادانة شخصيات سياسية وعسكرية مرموقة لضلوعها بعمليات هدم بيوت واسعة النطاق وجرائم اخرى. وحكمت المحكمة عليهم بالسجن لفترات تتراوح بين 15 – 45 سنة.

بعد تقديم الإلتماس، وفي نفس اليوم، أصدرت القاضية د. بينيش قراراً، وفقه حول الالتماس للبت امام هيئة قضائية. وبناء على نفس القرار على النيابة العامة تقديم ردها على الإلتماس 10 أيام قبل الموعد الذي سيحدد للبت فيه. ولم تر القاضية مكاناً لإصدار أمر إحترازي يمنع الجيش الإسرائيلي من الاستمرار بهدم البيوت استنادا على ادعاء ال"حاجة العسكرية الملحة" "كون الإلتماس عاما".

في يوم 2.6.2004 قدم الملتمسون للمحكمة العليا طلباً لتعيين جلسة مستعجلة في القضية. وادعى مركز عدالة في الطلب أن الجيش الإسرائيلي ما زال يهدم البيوت في رفح وغزة مستعملاً نفس ادعاء "الحاجة العسكرية الملحة". فقد قام هذا الجيش بهدم نحو 20 بيتا بين 29.5.2004 و 30.5.2004، اي بعد بعد تقديم الإلتماس.

كما ادعى مركز عدالة في الطلب، أن تعيين جلسة مستعجلة للبت في القضية هو أمر ضروري في ضوء المس في حقوق المدنيين الأساسية، التي من المفروض أن تكون محمية وفقاً لوثيقة جنيف الرابعة، وفي ضوء خرق الجيش الإسرائيلي لواجباته المفروضة عليه من خلال نفس الوثيقة وقوانين الحرب الواردة في بنود هاج 1907. وأضاف الملتمسون، أن تجربة الماضي تثبت أنه من ناحية تم الغاء امكانية التوجه للمحكمة قبل عملية الهدم ومن ناحية اخرى لم تمارس المحكمة اي رقابة قانونية حول استعمال الجيش الإسرائيلي ادعاء وجود "حاجة عسكرية ملحة" لهدم البيوت. لذلك، ادعى الملتمسون، على المحكمة تحديد موعد عاجل لسماع القضية لكي يتشكل حد ادنى من النزاهة الاجرائية ولكي يكون بإمكان المحكمة ممارسة رقابة قانونية ذات معنى.

ولم توافق النيابة العامة على طلب عدالة، وادعت أن الإلتماس عام ومن غير الضروري تعيين جلسة عاجلة. ورفضت المحكمة العليا الاسرائيلية تعيين جلسة مستعجلة في القضية، وجاء في القرار أن "المحكمة لم تجد تبريراً لتفضيل هذه القضية عن غيرها، في جدول أعمال المحكمة المكتظ".