العوائق والعقبات التي تواجه الفلسطينيين المصابين من قوات الأمن الإسرائيلية في طريقهم للحصول على العَوْن المدنيّ من الجهاز القضائي في إسرائيل

ورقة موقف/ فاطمة العجو | مجلّة عدالة الإلكترونيّة، العدد 104، أيّار 2013
وافقت الدولة على دخول الشهود لصالحها من غزة ، لكنها رفضت السماح بدخول الشهود الذين هم من طرف المدّعين

 ورقة موقف/  فاطمة العجو | مجلّة عدالة الإلكترونيّة، العدد 104، أيّار 2013

وجود ونشاط قوات الأمن والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة سبّب مرّات كثيرة إصابات في الأرواح وإصابات جسدية وأضرارًا في الممتلكات في صفوف السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة؛ فقد سقط على الأقل 6704 شهيدًا في المناطق الفلسطينية المحتلة على يد الجيش الإسرائيلي،[1] كم جُرح على الأقل 31008 شخصًا.[2] كما تم هدم 12,575 بيتًا خلال العمليات العسكريّة، كنوع من العقاب الجماعي ضد العائلات، كما ألحق الأذى بعشرات آلاف البيوت والممتلكات التي لم تعد صالحةً للسكن. [3]

 

بدأ المتضرّرون من ممارسات قوات الأمن بتقديم دعاوى تعويض ضد الدولة للحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم، وذلك كي يستطيعوا ردّ الاعتبار وإعادة بناء حياتهم والعودة إلى حياتهم السابقة قدر الإمكان. الحقّ في التعويضات هو حق دستوري ناجم عن حق الدفاع عن حياته وجسده وأملاكه. وبدأت الدولة البحث عن طرق للتهرب من مسؤوليتها عن تعويض المتضررين وباشرت وضع العوائق والعقبات في طريق المصابين الذين يسعون للحصول على العون القضائي في المحاكم الإسرائيلية. تفاقمت جهود الدولة الرامية إلى سد المنافذ أمام هذه الدعاوى تصاعدت بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، وتم تتويجها في التعديلات الجديدة على القانون، والتي تمنع الضحايا من التوجه إلى الأجهزة القضائية لإنصافهم. إسرائيل تخرق التزاماتها اتجاه القانون الدولي وهي التزامات بموجبها تضمن الدولة التعويضات ضمن المبادئ الأساسيّة لمسؤوليّة السلطات، كما يعبّر عنها القانون الدولي في قضيّة "مصنع شورزوف"؛[4] المادة 3 لمعاهدة هاج الرابعة من العام 1907؛ والمادة 91 من البروتوكول الإضافي الأوّل (1977) لمعاهدة جينيفا الصادرة في العام 1949؛ وتعليمات حقوقيّة دوليّة أخرى. [5]

 

الحديث يدور عن عوائق جوهرية، إجرائيّة وعملية، تهدف إلى أن تصعّب على ضحايا قوات الامن تقديم دعاوى بشأن الأضرار والحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة المسّ الخطير بحقوقهم الأساسية جدًا، الحق في الكرامة والحياة وسلامة الجسم وحق الملكية. وفي مقابل وضع العوائق ادّعت الدولة أمام المحاكم في الخارج وفي المنتديات الدولية الأخرى أن المتضررين من ممارسات قوات الأمن يستطيعون تقديم الدعاوى والحصول على التعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم في المحاكم الإسرائيلية. ولكن، وكما سنرى أدناه، فإن العوائق المختلفة والكثيرة التي تضعها الدولة أمام المتضرّرين الفلسطينيين، تحرم عمليًا المتضرّرين، وبشكل خاص سكان قطاع غزة، من العون القضائي. [6]

 

 

قانون الأضرار المدنية:

 

وفي حين أن المسؤولية حسب قوانين الأضرار مرتّب نصّها في قانون الأضرار فإن مسؤولية الدولة ومن يعمل باسمها مرتب نصّها في قانون الأضرار (الصيغة المعدلة)، 1968، هو قانون الأضرار المدنية (مسؤولية الدولة - عام 1952)، (فيما يلي: "قانون الأضرار المدنية"). وينصّ هذا القانون على أن الدولة أيضًا مسؤولة عن الأضرار.[7]

 

وخلال الانتفاضة الثانية بادرت الحكومة الإسرائيلية إلى تعديل قانون الأضرار المدنية بشكل يهدف إلى إعفاء الدولة من مسؤوليتها الكاملة عن الأضرار الناجمة عن عمليات الجيش في المناطق الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك العمليات غير القانونية؛ وأقرّت الكنيست في نهاية الأمر تعديل القانون عام 2005. مركز عدالة ومنظمات حقوق إنسان أخرى في إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة قدموا معًا التماسًا إلى المحكمة العليا وادّعوا أن تعديل القانون يحرم المتضررين الفلسطينيين من حقوق إنسان أساسية. المحكمة قبلت أساس ادعاءات الملتمسين التعديل ليس دستوريًا ويمنح حصانة مطلقة وغير مبرّرة للدولة، واعترفت بحق المتضررين من عمليات قوات الأمن في تقديم دعاوى للتعويض عن أضرار ضد دولة إسرائيل في المحاكم الإسرائيلية بسبب الإصابة في الأرواح والأذى في أجسادهم واملاكهم، واعتبرته حقاً دستوريًا.[8] ومع ذلك وبالرغم من إلغاء التعديل فإن القانون يشمل عوائق جوهرية تمنع الضحايا من الحصول على العون القضائي في المحاكم.

 

 

الشروط الأولية في القانون لتقديم الدعاوى وبحثها

 

يجب على المتضررين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقاً لقانون الأضرار المدنية أن يقدموا بلاغًا خطيًا لوزارة الدفاع عن الحادث الذي لحقت بهم في أثنائه الأضرار، خلال 60 يومًا من وقوع الحادث.[9] هذا المطلب ليس موجودًا بالنسبة لأي شخص يقدم دعاوى الأخرى. إضافة لذلك يحدد القانون أن المحكمة لن تبحث الدعوى في حال عدم تقديم البلاغ في الموعد المحدد.

 

قصّر قانون الأضرار المدنية فترة التقادم التي تسري على الدعاوى المدنية إلى مدة سنتين، بدلاً من سبع سنوات كما هو الحال في الدعوى العادية.[10] وقد ادّعت الدولة في مناسبات مختلفة أن "أسباب التعطيل" التي توقِف سريان فترة التقادم في أحكام التقادم العامة ([11]) لا تسري على الدعاوى التي ينطبق عليها ترتيب التقادم المختصَر في قانون الأضرار المدنية، وبذلك خصصت لضحاياها وقتًا قصيرًا للمطالبة بحقوقهم.([12]) وهكذا فإن الكثير من الفلسطينيين الذين تضرّروا خلال عملية "الرصاص المصبوب" العسكرية (كانون أول 2008- كانون ثاني 2009) لم يتمكنوا من تقديم دعاواهم خلال هذه المدة بسبب الأزمة في قطاع غزة في أعقاب الهجوم على القطاع، ونتيجة لذلك، فإنه من المحتمل أن ترفض دعاواهم بسبب التقادم.

 

وكما هو معلوم، فمنذ شهر أيلول 2007، أعلنت إسرائيل قطاع غزة "كيانًا معاديًا" وقرّرت فرض عقوبات إضافية ضد السكان المدنيين في القطاع، بما في ذلك فرض القيود على تنقّل الناس من القطاع وإليه.([13]) ومنذ اتخاذ هذا القرار أصبحت السياسة المعلنة الخاصة بمنح تصاريح الدخول إلى إسرائيل والمرور عبرها إلى الضفة الغربية مقصورة على الحالات الإنسانية الاستثنائية والملحّة فقط،([14]) ودخول سكان القطاع إلى إسرائيل لأغراض قضائية لا يشكل جزءًا من الحالات الاستثنائية المحدّدة في سياسة الإغلاق. هذه السياسة لا تنسجم مع تعليمات قوانين الدخول إلى إسرائيل، التي تمنح أصحاب وظائف معيّنة صلاحية منح تصاريح دخول لسكان القطاع لهدفٍ مؤقت، ولكن ليس لأغراض إنسانية أو لاحتياجات طبية.([15]) علاوة على ذلك، يحظر القانون الإسرائيلي دخول الإسرائيليين إلى قطاع غزة والبقاء فيه بدون تصريح من القائد العسكري.([16])

           

ونتيجة لهذه التقييدات المفروضة، يُمنع سكان قطاع غزة من دخول إسرائيل ويمنع المحامون الإسرائيليون من السفر إلى قطاع غزة. وفي أعقاب ذلك لا يستطيع المتضررون من عمليات الجيش لقاء محاميهم ولا يستطيع المحامون لقاء موكليهم، كما لا يستطيعون زيارة ساحة الحدث ولا يستطيعون الاستماع إلى رواية الشهود وغير ذلك من عملٍ قانوني ضروري. وهكذا يصبح مطلب تقديم البلاغ الخطي وتقديم الدعوى خلال المواعيد المحددة في قانون الاضرار المدنية مهمّة صعبة، وفي بعض الأحيان، مستحيلة.

 

ويواجه مقدّمو الدعاوى عوائق أخرى حتى عندما يتغلبون، هم ومحاموهم، على المصاعب والعقبات التي تفرضها عليهم إسرائيل.

 

 

نصب العائق الاقتصادي - مطالبة الضحايا بإيداع الكفالات

 

في معظم الدعاوى التي قدّمها المتضررون من ممارسات قوات الأمن طالبت الدولة - المدعى عليها - بإلزام المدعين بإيداع كفالة مالية لضمان تغطية تكاليفها.وذلك يجوز للمعكمة بحسب القانون، لذا ففي حال أمرت المحكمة بذلك ولم يتم إيداع الكفالة في الموعد المحدد، يمكن للمحكمة أن ترفض الدعوى.([17])

 

وفي دعاوى المتضررين من قوات الأمن قبل عملية "الرصاص المصبوب" بلغ معدّل مبلغ الكفالة المطلوب دفعها نحو 30,000 شيكل (8,570 دولار أمريكي) وقد اضطرّ في حينه مدّعون كثيرون إلى سحب دعاواهم بسبب عدم قدرتهم على تلبية هذا الشرط الذي أثقل كاهلهم، أو ان المحاكم، بدلاً عن ذلك، رفضت الدعاوى بسبب عدم إيداع الكفالة المطلوبة في الوقت.[18]

 

وفي السنوات الأخيرة قُدّمت دعاوى تعويض عن الأضرار من قبل المتضررين من عملية "الرصاص المصبوب"، ومنذ ذلك الوقت قدمت الدولة طلبات الإلزام بدفع الكفالات في جميع الدعاوى التي قُدّمت. وطالبت المحاكم في هذه الملفات كل مدّعٍ في الملف بإيداع كفالة مقدارها 20,000 شيكلأ لضمان تغطية نفقات المدعى عليها. في قضية عائلة السمّوني،[19] مثلًا الكفالة التي فُرضت علي العائلة تصل إلى أكثر من مليون شيكل. وتتطرق هذه القضيّة إلى قصف الجيش الإسرائيلي لبيت عائلة السمّوني، ما أدى إلى موت وجرح العشرات من أبناء العائلة. وتحدّد هذه المبالغ في ظلّ تجاهل القواعد الخاصة بأنظمة القانون التي تُلزم بدمج الدعاوى الناجمة عن السبب نفسه أو الدعاوى التي تثار بسببها الأسئلة القانونية نفسها أو الأسئلة نفسها الخاصة بالوقائع.[20] ولذلك لا يوجد أيّ أساس منطقي لتحديد قيمة الكفالة حسب عدد المدّعين بدلاً من تحديدها بالنسبة للدعوى ذاتها. وقد رفضت المحكمة العليا التدخل في هذا الأمر.[21]

 

إغلاق المعابر وشطب الدعاوى بسبب عدم المثول

 

نتيجة التقييضات والعقبات المذكورة أعلاه، لا يستطيع المدعون والشهود من غزة الوصول إلى المحاكم للتداول والبحث، وبذلك يجري المسّ، وأحياناً المنع المطلق، بقدرتهم على إتمام الإجراءات القضائيّة الضروريّة من أجل إثبات الدعوى وإتمام الواجبات المفروضة عليهم حسب القانون.[22]

 

وهكذا، مثلاً، يتعذّر على المدعين تقديم إفادات بشأن إظهار الوثائق والأجوبة على الاستمارات،[23]  والمثول لضرورة الفحص الطبي من قبل مختصين في إسرائيل، وكذلك تقديم إفادات الشاهد الرئيسي.[24] وبذلك تحرم الدولة عمليًا المدعين من إمكانية إثبات دعاواهم.[25]

 

وتقدم الدولة، بصفتها الطرف المدعى عليه، طلبات لإزالة الدعاوى بحجّة أن المدعين لم يستوفوا المطلوب منهم حسب القانون. واحدة من القضايا التي تظهر فيها هذه الحالة هي قضيّة عائلة حجّاج الذين تضرروا عام 2006 جرّاء إطلاق الصواريخ عليهم. فقد قدّمت الدعوى الخاصة بهم إلى المحكمة المركزية في حيفا. وعلى ضوء إغلاق حاجز "إيرز" لم يتمكن ممثل المدعين من دخول قطاع غزة وتعذّر دخول المدعين إلى إسرائيل، وبسبب ذلك لم يجر اللقاء بين المحامي وموكليه بشكل يسمح بتبادل الوثائق وتوقيع المدعين على الإفادات الخاصة بالاجوبة على استمارات الأسئلة. وأدى هذا الوضع إلى تقديم طلبات تمديد مواعيد كثيرة. وفي نهاية الأمر طلبت المدعى عليها شطب الدعوى بحجة أن المدعين لم ينجحوا في إتمام الإجراءات التمهيدية في الملف، وقد قبلت المحكمة طلب الدولة وقررت شطب الدعوى.[26] وهكذا كان الامر في قضية صرصور، حيث قدمت المدعى عليها طلبًا بشطب الدعوى بسبب عدم تقديم بيان خاصّ بالكشف عن وثائق وإلزام المدعين بتغطية نفقات المدعى عليها. وبسبب سياسة المدعى عليهم التي لا تسمح باللقاء بين المدعين ووكيلهم تعذر على المدعين تقديم بيان الكشف عن الوثائق حسب القانون. وفي تاريخ 4.4.2011 قررت المحكمة شطب الدعوى وإلزام المدعين بدفع نفقات المدعى عليها بقيمة 30 ألف شيكل.[27]

 

 وفي بعض الحالات تأمر المحكمة بشطب الدعوى حتى بدون أن تطلب ذلك الدولة - المدعى عليها. هكذا كان واقع الحال في قضية أبو سعيد، حيث أمرت المحكمة بشطب الدعوى، بسبب انعدام المقاضاة، وهكذا قررت:

 

"4. في شهر كانون ثانٍ 2009 ألغيت جلسة إثباتات تمّ تعيينها، وذلك بسبب عدم منح المدعين فرصة الدخول إلى إسرائيل. لقد حُدّدت جلسة بتاريخ 8.12.2009 لبحث الأدلّة وقُدّم إليّ طلب آخر (بالاتفاق) لتأجيل موعد المداولات للسبب نفسه. أمامي موجودة ومعلّقة ملفات أخرى مشابهة لوكيل هؤلاء المدعين، برزت فيها مشكلة مشابهة. أنذرته أكثر من مرّة بأنه مع كل الأسى والتفهّم لوضع المدعين، فإنني لا أستطيع تأجيل الملف المرّة تلو الأخرى للسبب نفسه طيلة سنوات، لأن ذلك يُلحق الضرر بملفات أخرى معلّقة أمامي.

5. وبما أن الأمور بهذا الشكل فقد قرّرت، على ضوء طلب التأجيل الأخير، شطب الدعوى لانعدام المقاضاة".([28])

 

إنه لمن الواضح أن هذه السياسة ليست خاضعة لسيطرة المدّعين بل هي تحت سيطرة المدعى عليها، وذلك بصفتها الثانية كسلطة تنفيذية. واقع الأمور هذا فيه خلل وتنقصه الاستقامة وفيه تناقض مصالح كبير.

 

هكذا كان الحال في قضية أفراد عائلة البيشاوي: في 13 كانون ثانٍ 2005 كان حسن لطفي البيشاوي وزوجته حنان، التي كانت على وشك أن تلد، وأختها دلال، في طريقهم من البيت في قرية أم النصر شمال مدينة غزة إلى المستشفى. جارُهم، علاء حسونة، نقلهم بسيارته، وحين كانوا في حي فدعوس في بيت لاهيا، باشرت قوة تابعة للجيش الإسرائيلي، كانت تسيطر على مبنى في المكان، بإطلاق النيران باتجاههم، وأصيب حسونة جرّاء إطلاق النيران في رأسه ولقي مصرعه في المكان نفسه، وأصيب البيشاوي في الفخذ واليد. وبعد أن أوقفت السيارة حاولت دلال الخروج منها وطلب النجدة. ولكن أحد الجنود أمرها بالتوقف. وبعد ان حاولت ان تشرح ان المسافرين في السيارة مستعجلون في طريقهم إلى المستشفى طلب منها زملاء الجندي السكوت وضرَبها احدهم ببندقيته. وقد أُدخِل ركاب السيارة إلى بيت مجاور كان قد سيطر عليه الجنود في وقت سابق، وقد رفض هؤلاء الجنود تقديم المساعدة للبيشاوري رغم إصابته بجروح ورغم انه كان ينزف دمًا. وجرى إخلاء الثلاثة ونقلهم لتلقي العلاج الطبي فقط حين غادر الجنود المبنى بعد ساعة ونصف. وضمن إطار دعوى التعويض عن الأضرار التي قدّمتها عائلة البيشاوي([29]) وافقت الدولة على السماح بدخول الشهود لصالحها من قطاع غزة إلى إسرائيل، لكنها رفضت السماح بدخول الشهود الذين هم من طرف المدّعين. الملف ما زال معلّقاً. وقد وصل المدعون في عشرات الدعاوى إلى طريق مسدود كهذا، وجرى شطب دعاواهم.[30]

 

قدّم عدالة للمحكمة العليا في أيلول 2012 التماسًا ضد سياسة الدولة التي تمنع دخول الغزّيين إلى إسرائيل لغرض إتمام الاجراءات القضائيّة اللازمة لتقديم الدعاوى ضد قوات الأمن الإسرائيليّة.[31] في 14 شباط 2013، حكمت المحكمة المركزية في بئر السبع برفض قضيّة مواطنين أصيبوا خلال عملية الرصاص المصبوب، وقبلوا ادعاءات الدولة بأن توكيل المحامي من قبل المدعي ليس مضيًا، من جهتها المحكمة رفضت الإدعاء بأن الدولة تمنع المحامي من دخول غزّة، أو تمنع المدّعي من الدخول إلى إسرائيل.[32]

 

 

 

 

 

 

عقبات أخرى في القانون تمنع المدّعين الغزيين من تحصيل تعويضاتهم

 

 

- إعفاء العملية الحربية، وإثقال عبء سَوق الأدلّة

 

ينص قانون الأضرار المدنية على أن "الدولة ليست مسؤولة عن الأضرار الناجمة عن عمل جرى تنفيذه خلال عملية حربية قام بها الجيش الإسرائيلي".[33] لقد جرى تطوير تعريف العملية الحربية عبر السنين في قرارات المحاكم المختلفة في الحالات والحوادث المختلفة التي قُدمت للمحاكم. وفي قضية بني عودة ضد دولة إسرائيل [34] تحددت القاعدة في شأن مسؤولية الدولة عن الاضرار جرّاء عمل أو إهمال من جانب الجيش تجاه السكان المحليين، حيث حُددت المعايير التي بموجبها يمكن اعتبار العملية العسكرية عملية حربية أو شرطية تهدف المحافظة على الأمن. عمليات الجيش ليست كلّها حربية:

 

"الجيش ينفذ في مناطق يهودا والسامرة وغزة "عمليات" مختلفة تولّد مخاطر من أصناف مختلفة. عملياته ليست كلها "حربية"... ولذلك عند تقديم الجواب على السؤال: هل العملية حربية، يجب فحص كل حيثيات الحادث. يجب فحص هدف العملية وتعيين مكان الحادث ومدّة استمرار النشاط وهوية القوة العسكرية الفاعلة والتهديد الذي سبقها والنتائج المتوقعة من هذا التهديد وحجم القوة العسكرية وكثافتها ومدة استمرار الحادث. هذه الأمور كلّها تلقي الضوء على طبيعة الخطر الحربي المعين الذي سببته العملية".([35])

 

وفي تعديل قانون الأضرار المدنية منذ عام 2002 أضيف تعريف للمصطلح عملية حربية، تحدد فيه: "عملية حربية" - بما في ذلك عملية لمحاربة الإرهاب، الأعمال العدوانية او الانتفاضة وكذلك عملية لمنع الإرهاب وأعمال العدوان أو الانتفاضة التي نفذت في ظروف تعريض الحياة أو الجسد للخطر". هذا التعريف أوسع من تفسير وتعريف العملية الحربية كما ورد في قرار الحكم في قضية بني عودة.[36]

 

وضمن إطار دعاوى التعويض عن الأضرار التي قدمت خلال عملية "الرصاص المصبوب" العسكرية، ادّعت الدولة أن العمليات المختلفة التي سببت الأضرار الواردة في الدعاوى تندرج ضمن تعريف "العملية الحربية الواضحة"، وبما أن الأمر كذلك "فالدولة لها حصانة مكتسبة كاملة إزاء دعوى التعويض عن الأضرار وذلك استنادًا إلى عمل الدولة واستنادًا إلى قانون الأضرار المدنية (مسؤولية الدولة) لعام 1952 وبمنظور سوابق الأحكام الصادرة".[37] وحسب ادعاء الدولة:

 

"كل عملية يقوم بها الجيش الإسرائيلي وقوات الامن في قطاع غزة، ابتداءً من شهر أيلول 2005، وبمزيد من التأكيد بعد سيطرة منظمة "حماس" على قطاع غزة في شهر حزيران 2007، وبكل تأكيد، خلال عملية "الرصاص المصبوب" تستند إلى الصلاحيات الممنوحة للجيش الإسرائيلي ولدولة إسرائيل بموجب قوانين الحرب. الأساس القاعديّ الذي تستند إليه عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة هو قواعد الحرب، ووفقاً لذلك فإن عملياته تصنف بشكل وحيد واستثنائي باعتبارها "عمل حربي" في جميع الأحوال"([38]).

 

ملفات متعلقة: