التحقيقات الإسرائيلية الجارية في الشبهات لارتكاب جرائم الحرب تهدف إلى التخفيف من الضغط الدولي على الحكومة

بيان للصحافة
22.11.2009


التحقيقات الإسرائيلية الجارية في الشبهات لارتكاب جرائم الحرب تهدف إلى التخفيف من الضغط الدولي على الحكومة

 

يواصل مركز "عدالة" بالشراكة مع مركز الميزان لحقوق الإنسان ومؤسسة الحق تقديم المزيد من الطلبات لفتح تحقيقات جنائية شبهات لارتكاب جرائم حرب في أحداث عينية خلال العدوان على قطاع غزة. وتشمل هذه الطلبات توثيقاً دقيقاً للحالات مدعمًا بشهادات شهود عيان وقوائم بأسماء القتلى والجرحى والمتضررين وتفاصيلهم الشخصية والأملاك التي تم الاعتداء عليها.

 

ويذكر أن الجيش الإسرائيلي يقوم مؤخرًا بالتحقيق في الشكاوى التي قدمتها المؤسسات الثلاث، إلا أن هذه التحقيقات ليست تحقيقات جنائية، ولا تزال تحقيقات شكلية حيث لم ينتج عنها أية إدانة أو توصيات أو حتى تقارير تذكر. وتتمحور هذه التحقيقات بالتصرفات "الشاذة" خارج إطار التعليمات والأوامر التي قام بها الجنود كأفراد، كما تدعي قوات الاحتلال، وليس في سياسات واستراتيجيات العمليات العسكرية، وآليات تنفيذها، وحجم ونوع الأسلحة المستخدمة فيها. وكما يبدو حتى الآن، فإن هذه التحقيقات تهدف بالأساس إلى التخفيف من الضغط الدولي الذي تتعرض له الحكومة الإسرائيلية وإلى تنقية الجيش وقياداته من الشبهات الموجهة إليهم وسد الطريق أمام إمكانية التداول في هذه الجرائم في محافل دولية.

 

وتأتي هذه الطلبات في سياق التوصية الواضحة للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون (لجنة غولدستون) التي طالبت إسرائيل بفتح تحقيقات جنائية في الحالات التي توجد بها شبهات لارتكاب جرائم حرب ومخالفات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

 

وبالإضافة إلى فظاعة الحقائق الواردة في هذه الطلبات، والتي تتضمن ممارسات خطيرة وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي، فإنه يظهر من جميع الأحداث أن الجيش الإسرائيلي تجاهل وجود مدنيين عزل محميين بموجب القانون الدولي عند قيامه بعملياته العسكرية، والاستهتار بحقهم بالحياة وبممتلكاتهم، وهي ممارسات كافية لإدانة الجيش وجنوده وضباطه بارتكاب جرائم حرب.

 

ومن بين الأحداث التي طالبت المؤسسات لفتح تحقيق جنائي بصددها هي حادثة اغتيال وزير الداخلية في حكومة غزة - الوزير سعيد صيام - وذلك يوم 15.01.09 حيث أغارت طائرات إسرائيلية على بيت شقيق الوزير فقتلت الوزير وابنه وشقيقه وزوجة شقيقه وابنهما. كما طالت الغارة مباني مجاورة مما أدى إلى مقتل ستة مدنيين آخرين بالإضافة إلى جرح وتشويه عشرات من سكان البيوت المجاورة وتدمير العديد من المباني التي لم تعد صالحة للسكن. وذكرت المؤسسات في طلبها أن استهداف الوزير صيام هو جريمة حرب حتى وان اعتبرته إسرائيل قيادياً في تنظيم معاد، وذلك لأنه لم يكن يشارك في أي عمل عسكري بشكل فاعل عند استهدافه.

 

كما طالبت المؤسسات الشروع بتحقيق جنائي في حادثة قصف جوي بيت عائلة صالحة في مدينة بيت لاهيا، الذي راح ضحيته ستة من أبناء العائلة. وقد استخدم الجيش الإجراء المسمى باللغة الحربية "قرع السطح" وهو إجراء يتم بموجبه قصف المبنى بقذيفة صاروخية صغيرة نسبيًا، وذلك كي يتنبه سكان المبنى ويفروا من المنزل، ومن ثم يتم قصف المنزل بصواريخ أو قنابل كبيرة وتدميره بالكامل. وقد وقع الهجوم على منزل صالحة عند الساعة الثالثة من صباح يوم 09.01.09، حيث استفاقت عائلة صالحة من بيت لاهيا وأقاربهم الذين لجأوا للمبيت عندهم بعد قصف الحي الذي يسكنون فيه، على دوي انفجار وارتجاج في البيت ليجدوا أن قذيفة اخترقت سطح البيت ودخلت داخله. وعندما أدركوا ما حدث قرر الموجودين في البيت الفرار منه. وبعد عدة دقائق وقبل أن يتمكن الجميع من الفرار قام الجيش الإسرائيلي بإطلاق صاروخ آخر ودمر البيت بكاملة، وذلك بينما كانت زوجة مالك المنزل وعدد من الأطفال ينزلون سلم المنزل متجهين نحو بابه الخارجي، حيث لم يتمكنوا من الخروج حين انفجر الصاروخ في المنزل. وعندما رجع الناجون من القصف ليشاهدوا ما حدث، وجدوا أشلاء ذويهم موزعة في أرجاء المكان. ويظهر من شهادات شهود العيان من الجيران وأبناء العائلة أن المنطقة لم تشهد أي نشاط عسكري بتاتاً.

 

وفي توجه آخر طالبت المؤسسات الشروع بتحقيق جنائي في حادثة قصف بيت عائلة أبو عيشة في حي القصر في مدينة غزة عند الساعة الواحدة ليلا من يوم 05.01.09. وقد كان داخل البيت عند القصف 26 من أبناء العائلة حيث قتل خمسة منهم وجرح البقية نتيجة للقصف. كما أدى القصف إلى إلحاق الأذى في العديد من البيوت المجاورة وإصابة سكانها. وفي هذه الحالة أيضا شهد شهود عيان أنه لم يسبق القصف أي تحذير للسكان ولم تشهد المنطقة أي نشاطات عسكرية.

 

ان استهداف المنازل وسكانها في الحالات الثلاثة المذكورة دون أي ضرورة عسكرية أو حتى تحذير مسبق قبل القصف هو عبارة عن قصف مدنيين عزل، أي استهداف أعيان مدنية محمية بموجب القانون الدولي.

كما أن مقتل وإصابة هذا العدد من المدنيين يدل على أن الجيش لم يولِ أي اهتمام لوجود مدنيين في الموقع وهو بحد ذاته منافٍ للأعراف الدولية ذات العلاقة، ولا سيما لمبدأي التناسب والتمييز بين المدنيين والعسكريين.

 

 

وتعمل المؤسسات الثلاث على استكمال تحقيقاتها في عشرات من القضايا الأخرى التي يشتبه بارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي فيها جرائم حرب، حيث ستقدم طلبات بفتح تحقيقات فيها في إسرائيل. وفي هذا السياق تؤكد المؤسسات الثلاث على أن القانون الدولي يوجب على إسرائيل التحقيق في ممارسات جيشها أثناء التخطيط للعمليات العسكرية وتنفيذها، ومحاسبة كل من يثبت تورطهم في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وجرائم حرب أياً كانت مراكزهم. وستستمر المؤسسات الثلاث بمراقبة تحقيقات إسرائيل في هذه الممارسات للتحقق من أنها تلتزم بمعايير التحقيقات التي ينص عليها القانون الدولي.