بلدية بئر السبع للعليا: لن نسمح للمسلمين بالصلاة في "المسجد الكبير" لأسباب أمنية وسوف نحوله إلى متحف؛ العليا انتقدت البلدية على هذا التوجه واقترحت على الأطراف تسوية مؤقتة

بيان للصحافة
28.1.2005

 

بلدية بئر السبع للعليا: لن نسمح للمسلمين بالصلاة في "المسجد الكبير" لأسباب أمنية وسوف نحوله إلى متحف؛ العليا انتقدت البلدية على هذا التوجه واقترحت على الأطراف تسوية مؤقتة

 

إيفا موسى

 

بتت المحكمة العليا يوم 10.1.2005 في الإلتماس الذي قدمه مركز عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، في اَب 2002 والذي طالب فيه المحكمة بالسماح لسكان بئر السبع المسلمين وزائريها المسلمين بالصلاة في المسجد الكبير في بئر السبع. واقترحت الهيئة القضائية (أ. بروكاتشا، أ. حيوت وس. جبران) على الطرفين إقتراح تسوية مفاده "تخصيص مبنى المسجد لاحتياجات المسلمين في البلدة، واستعماله كمركز ثقافي- إجتماعي (ما عدا لأهداف الصلاة)".

 

وطلبت المحكمة من الطرفين فحص الإقتراح وتقديم موقفهما للمحكمة خلال 60 يوم. ووفق رد الطرفين ستقرر الهيئة القضائية على كيفية الإستمرار في معالجة الإلتماس.

 

المسجد الكبير في بئر السبع

 

بني "المسجد الكبير"، وهو المسجد الأول في النقب، في العام 1906، وقصده سكان المدينة المسلمين وزائرو بئر السبع للصلاة حتى احتلال المدينة عام 1948. وقد مول بناء المسجد شيوخ القبائل في المنطقة. بعد العام 1948 حول المسجد إلى معتقل وقاعة محكمة من قبل السلطات الإسرائيلية حتى سنة 1953. وفي سنة 1953 حول المسجد إلى متحف النقب حتى سنة 1991، وبعدها أغلق وأخرجت منه معروضات المتحف. اليوم ومنذ 13 سنة، المسجد هو مبنى مهجور، مهمل وبدون أي استعمال أو صيانة، وقد منع المسلمون سكان المدينة وسكان القرى المجاورة من إداء الصلاة فيه على الرغم من توجهاتهم العديدة للسماح لهم بترميمه والصلاة فيه.

 

ويقع المسجد في منطقة البلدة القديمة وتحيطه الحوانيت والمكاتب ومبنى البلدية وحديقة عامة.

 

السكان المسلمون: نريد أن نصلي في المسجد

 

يوجد اليوم في بئر السبع حوالي 259 كنيس ل 180 ألف يهودي يقطنون في بئر السبع، أي كنيس واحد لكل 700 يهودي. ووفق معطيات دائرة الإحصاء المركزية يسكن بلدة بئر السبع حوالي 5000 مسلم. وتعتبر مدينة بئر السبع مدينة متروبولين، فهي تقدم الخدمات لحوالي 150 ألف مسلم في النقب، يزورونها باستمرار ويعملون فيها.

 

وبالرغم من طلبات المسلمين المتكررة بالسماح لهم بإداء الصلاة في "المسجد الكبير" إلا أن بلدية بئر السبع تمنعهم من ذلك وتخطط إلى تحويل المسجد إلى متحف. في اَب 2002 التمس مركز عدالة للمحكمة العليا بإسمه وبإسم مؤسسات حقوق إنسان ومؤسسات جماهيرية في النقب، مطالباً المحكمة بالسماح للمسلمين (سكان بئر السبع وزائريها) بالصلاة في المسجد. وادعى عدالة في الإلتماس أن إغلاق المسجد وتحويله إلى متحف يمس بحقوق المسلمين في الإحترام وحرية العبادة.

 

في الجلسة التي عقدت للبت في الإلتماس في شهر أيار 2003، تعهدت نيابة الدولة بتعيين لجنة لفحص الموضوع وتقديم توصياتها.

 

وعلم مركز عدالة بعد ذلك أن بلدية بئر السبع نشرت مناقصة في بداية شهر كانون الثاني 2004 لإجراء الترميمات في المسجد وتحويله إلى متحف. وتضمنت قائمة الترميمات التي أرفقت للمناقصة على بناء مراحيض في مدخل المسجد وتحويل مكان الصلاة لقاعة عرض. بالإضافة، نشرت بلدية بئر السبع دعوات لإفتتاح "المتحف" من جديد. في أعقاب ذلك، توجه مركز عدالة للمحكمة العليا مطالباً إياها بإصدار أمر مؤقت وفوري ضد بلدية بئر السبع ورئيسها يعقوب تيرنر، سلطة التطوير، وزير الأديان، ووزير العلم، الثقافة والرياضة، يمنعهم من متابعة نشر مناقصة لإجراء الترميمات في مبنى "المسجد الكبير" في بئر السبع، وذلك حتى الإنتهاء من البت في إلتماس عدالة. كما طالب عدالة المحكمة بإصدار أمر يمنع المذكورين أعلاه من تغيير مبنى المسجد في بئر السبع لمبنى متحف حتى إنتهاء البت في الإلتماس.

 

في أعقاب ذلك حذرت المحكمة العليا بلدية بئر السبع من إجراء ترميمات على مبنى المسجد الكبير في بئر السبع التي من الممكن أن تؤدي إلى تغييرات في مبنى المسجد. وورد في قرار المحكمة أن بلدية بئر السبع مخولة بترميم المسجد فقط لهدف الحفاظ على هيكله لكنها غير مخولة بتغيير واقعه كمسجد، وذلك حتى تصدر المحكمة قراراً نهائياً في الإلتماس. وبعد ملاحظة المحكمة تعهدت بلدية بئر السبع عدم إجراء أي ترميمات على مبنى المسجد التي من شأنها أن تغير المسجد وتحوله إلى متحف.

 

اللجنة: إذهبوا للصلاة خارج البلدة

 

أوصت اللجنة في تقريرها الصادر، في تشرين الأول 2004، بعدم السماح للمسلمين في بئر السبع وخارجها بإداء الصلاة في المسجد. وجاء في التقرير أنه بالرغم من إعتراف اللجنة "بالقيمة التاريخية للمبنى، وبضرورة عدم المس في المبنى أو إجراء التغييرات عليه وضرورة احترام المكان نظراً إلى تاريخه واستعماله السابق"، إلا أنها لا ترى تبريراً لتغيير الوضع القائم، خاصةً وأنه على حاله منذ حوالي الخمسين سنة.

 

بالإضافة جاء في التقرير أن بئر السبع هي بلدة يهودية، وعليه فإن مسألة المسجد تختلف عن المساجد الأخرى في البلدان المختلطة، كون المسجد يقع في وسط منطقة يهودية". وأضافت اللجنة أنها "لم تقتنع بحاجة اَلاف أو عشرات المسلمين و/أو عشرات اَلاف المسلمين بإداء الصلاة في هذا المبنى بالذات". وذكرت اللجنة أن هناك ثلاثة أماكن صلاة مخصصة للمسلمين في بئر السبع (في مستشفى سوروكا وفي كلية "ك" وجامعة بن جوريون)، وعليه "استنتجت اللجنة أن تحقيق حق المسلمين في بئر السبع وضواحيها بالصلاة لا يجب أن يقتصر على هذا المبنى، ومن الممكن اداء الصلاة في الأماكن الأخرى". وفي البند الثاني لتوصياتها اقترحت اللجنة على السكان المسلمين الذهاب لإداء الصلاة في إحدى البلدات المجاورة.

 

بلدية بئر السبع: يجب الأخذ بعين الإعتبار قضية أمن وسلامة الجمهور وكون الإلتماس سياسي – قومجي يقف من ورائه جهات إسلامية من خارج بئر السبع

 

في ورقة قدمتها بلدية بئر السبع للمحكمة العليا قبل الجلسة الأخيرة التي عقدت للبت في الإلتماس، شددت البلدية، على ضرورة الأخذ بعين الإعتبار قضية "سلامة وأمن الجمهور" وقضية كون الإلتماس "سياسي قومجي يقف من ورائه جهات إسلامية من خارج بئر السبع". وادعت البلدية أن المواقف التي عرضت أمامها من قبل بروفيسور رفئيل يسرائيلي من الجامعة العبرية وبروفيسور موشي شارون من الجامعة العبرية (وهو سابقاً مستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب) تقوي ادعاء البلدية حول كون الإلتماس سياسي – قومجي.

 

وأشار برفيسور شارون أن "الجهات الإسلامية تعتقد أن باستطاعتها استعمال الدين للتسلط على أكثر قدر مممكن من الأراضي والأملاك في الدولة، وأن الإلتماس هو إلتماس سياسي لا يمت للدين بصلة". وفصل بروفيسور شارون (الأمر الذي ادعاه بروفيسور يسرائيلي أيضاً) أنه "بحسب الدين الإسلامي، أي مكان مر فيه الإسلام يتحول إلى وقف وأرض مقدسة ويجب إرجاعه إلى المسلمين إن كان ذلك مسجداً أو أي مبنى اَخر. ولهذا السبب، كل "المساجد" في الدولة تتبع للإسلام ويجب الرجوع إليها، لأن المسجد كان ولا يزال وقف، تماماً كما أرض إسرائيل كلها تعتبر وقف". وأضاف شارون أن "المبنى الذي يستعمل كمسجد هو فقط مسجد، وليس له أية صبغة مقدسة".

 

وأشار شارون أيضاً "أن الحديث هنا عن قضية سياسية من الدرجة الأولى ولا علاقة للأمر بالدين". وشدد شارون على إمكانية تحويل المساجد لمبان لأهداف أخرى كما يحصل في الدول الإسلامية مثل تركيا، الأردن وحتى مصر".

 

وبصدد الإلتماس، وضح شارون أن "الهدف من ورائة هو ليس التعايش وإنما تسلط الحركة الإسلامية على أراضي دولة إسرائيل وإذا كانت مطالبهم تتمحور حول الخدمات الدينية فيجب الإكتفاء بالأماكن التي عدد المسلمين فيها كبير".

 

وتبنت بلدية بئر السبع موقف شرطة إسرائيل، الذي استمعت إليه اللجنة، "كجسم مدني" المسؤول على أمن وسلامة الجمهور". وادعت البلدية أن شرطة إسرائيل "وضحت الإشكالية التي ستنتج عن السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد. وتكمن الإشكالية في موقع المسجد، إذ أنه سيصبح مركزاً للإحتكاك بين المسلمين واليهود وسيسبب لتشويش مجرى الحياة في البلدة القديمة".

 

عدالة: سيؤدي إتباع توصيات اللجنة إلى المس في الحقوق الدستورية للمسلمين في بئر السبع والجوار

 

في رد مركز عدالة الذي قدمه للعليا جاء أن "اللجنة فضلت الحفاظ على الوضع القائم الذي يظلم الملتمسين؛ لم يكن في اللجنة حضور وتمثيل لأي من ممثلي المسلمين في بئر السبع أو في الدولة، إذ ان أعضاء اللجنة أتوا من مكاتب حكومية مختلفة لها مصلحة بإبقاء الوضع على ما هو؛ لم تفحص اللجنة قضية السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد وفق المبادئ الأساسية التي وردت في الإلتماس؛ وكانت توصياتها معروفة مسبقاً، ولم تتطرق بشكل موضوعي وعادل لإدعاءات الملتمسين؛ ولم تأخذ اللجنة بالحسبان مسألة المس المستمر في حقوق جزء كبير من سكان بئر السبع والدولة؛ بالإضافة، شككت اللجنة في نية الملتمسين".

 

وأشار مركز عدالة إلى أن ادعاء اللجنة حول وجود ثلاثة أماكن مخصصة للصلاة للمسلمين في بئر السبع غير صحيح. فقد قام المحامي مراد الصانع من عدالة بفحص الأمر واتضح أنه لا يوجد مكان للصلاة في كلية "ك" ولا في مستشفى سوروكا (بالرغم من وجود كنيس كبير هناك للمصلين اليهود)، أما جامعة بن غوريون فقد قامت مؤخراً بتخصيص مكان للصلاة للمسلمين وذلك بعد نضال دام ثماني سنوات. وتم تخصيص غرفة للطلاب المسلمين (وليس لسكان بئر السبع) للصلاة.

 

"وعلى أية حال"، ادعى المحامي الصانع، "حتى ولو صدقت اللجنة، فهذا لا يعني أن الإلتماس غير ضروري لأن هدفه هو إيقاف المس في المسجد وفي مكانته الدينية الهامة وإيقاف سياسة السلطات المميزة اتجاه الملتمسين".

 

وشدد المحامي الصانع على عدم قدرة اللجنة في التوصل لتوصيات بشكل موضوعي لأن أعضاء اللجنة هم أصلاً طرفاً في النزاع.

 

ورداً على ادعاءات بروفيسور شارون، شدد المحامي الصانع على أن الإلتماس لا يعتمد على قوانين دينية، وأن الملتمسين لم يدعوا ملكية على الأرض ولم يدعوا بتاتاً أنها أرض وقف".

 

وجاء في رد عدالة أن "القهر الديني يعود إلى الأنظمة المظلمة. ففي الدول الديموقراطية تم افتتاح أماكن للعبادة والصلاة لجميع الديانات، فعلى سبيل المثال في اسبانيا تم افتتاح مسجد أغلق لمدة 500 عام، بالرغم من معارضة قسم من السكان، وهذا ما حصل في يافا واللد وهرتسليا وحيفا وأماكن عديدة أخرى هنا وفي دول العالم".

 

في الجلسة الأخيرة انتقدت المحكمة العليا عدم تعيين شخص من الملتمسين في اللجنة، وذكرت أن تعيين رجل عربي مسلم من سكان بئر السبع كان سيساهم في عمل اللجنة وسيؤدي إلى التوصل إلى حل عادل. وأضافت المحكمة أن ما قامت به الدولة هو غير عادل لأن الأمر يتعلق بحقوق الأقلية العربية في مدينة بئر السبع. ورفضت القاضية بروكاتشا طلب الدولة برد الإلتماس ورفضت الإكتفاء بالحل الذي طرحته النيابة حول الإبقاء على الوضع القائم.

 

وسيقوم مركز عدالة ببحث إقتراح التسوية الذي اقترحته المحكمة على الأطراف مع الملتمسين وبعدها سيقدم رده للمحكمة.

 

م.ع. 02/7311، المؤسسة الجماهيرية للدفاع عن حقوق البدو واَخرون ضد بلدية بئر السبع واَخرين؛