توقيف وفرض شروط تقييديّة على القيادات السياسيّة في الداخل

في تصعيد لمشهد قمع حرّيّة التظاهر والتعبير عن الرأي، حالت الشرطة دون إقامة وقفة احتجاجيّة للقيادات السياسيّة، كانت قد أعدّت لها لجنة المُتابعة في تاريخ 09 نوفمبر 2023 في ساحة العين بالناصرة، احتجاجًا على الحرب في غزّة. وعلى الرغم من أنّ الوقفة لم تكن بحاجة إلى ترخيص من ناحية قانونيّة، إلّا أنّ الشرطة قد حالت دون إقامتها حتّى قبل بدايتها، حيثُ أوقفت عددًا من القادة السياسيّين في المكان أو في طريقهم إليه، لقمع المُظاهرة وفضّها. تجدرُ الإشارة إلى أنّ تصرّف الشرطة يُناقض قرار المحكمة العليا الذي بتّت فيه، قبل أقل من 24 ساعة، بشكل واضح وصريح بأنّ الشرطة لا تمتلك أيّ صلاحية لمنع المظاهرات بشكل جارف في المجتمع العربي.

 

الصورة من صفحة الفيسبوك لسامي أبو شحادة

 

الخميس|09.11.2023| تواجد أفراد من عدالة في مَرْكِزَي الشرطة "مجدال هعيمك" وَ"بيسان" لتزويد الموقوفين بالاستشارة القانونيّة. لاحقًا من ذات اليوم، اُفرج عن كُل من رئيس لجنة المُتابعة العليا، محمّد بركة، ونائب الأمين العام للتجمّع، يوسف طاطور، وعضو لجنة المتابعة، محمود مواسي؛ بعد بضع ساعات من اعتقالهم. وبعد بضع ساعات إضافيّة أُطلقَ سراح نوّاب الكنيست السابقين الثلاثة: حنين زعبي، سامي أبو شحادة وإمطانس شحادة. وجاء إطلاق سراحهم بشروط تقييديّة، تمنع غالبيتهم من دخول الناصرة لمُدّة أربعة عشر يومًا، وبعضهم من السفر، وتفرض على البعض الآخر حجزًا منزليًّا.

 

يوم الجمعة|10.11.2023| مركز عدالة يُقدِّم استئنافًا إلى مَحكمة الصلح في الناصرة على الشروط التقييديّة التي فُرضت على القياديّين، ذلكَ أنّ الوقفة الاحتجاجيّة التي نظّمتها لجنة المُتابعة ضدّ العدوان على غزّة، كانت قانونيّة بالمُطلق، وبالتالي فإنّ أيّ إجراء اتّخذته الشرطة ضدّ المُشاركين بها، هو غير قانونيّ. وعليه، حُدّدت جلسة الاستماع للاستئناف يوم الأحد الموافق 12.11.2023، في تمام الساعة الثانية عشر ظهرًا، في محكمة الصلح في مدينة الناصرة.

 

يوم الأحد|12.11.2023| محكمة الصلح في الناصرة تُرجئ قرارها بالاستئناف على الشروط التقييديّة التي فرضتها الشرطة على القادة السياسيّين. خلال المحكمة، ادّعت الشرطة أنّ الاعتبارات التي فَضَّت على إثرها الوقفة، مُرتبطة بما شكّلته من خطر على الأمن العامّ على حدّ قولها. ومن بين الادعاءات التحريضية والعنصرية التي ذكرتها الشرطة، كانَ التالي:

 
"... ذلك الذي يدّعي باسم حرّيّة التعبير لا يبني ادّعاءهُ على وجهة نظر ديمقراطيّة إنّما يسعى إلى الفوضى. وتكفي الإشارة لما كان في "حارس الأسوار" [يقصد بذلك هبّة الكرامة]. من الممكن لاستعمال خطاب الديمقراطيّة وحقوق الإنسان أن يُفضي إلى التحريض وتدمير الديموقراطيّة. صحيح أنّ على الديموقراطيّة أن تُدافع عن نفسها من الأعداء الخارجيّين، ولكن عليها أيضًا أن تُدافع عن نفسها من الأعداء الداخليّين الذين يُحاولون المساس بها. يقع واجب حماية القيم والقوانين الأساسيّة، والحفاظ عليها، على عاتق السُلطات والقضاة. دعونا نعترف بالحقيقة، تجمّع هؤلاء الأفراد بساحة العين في الناصرة، لم يكن بغية إدانة ما حدثَ في غلاف غزّة، ولا بغية إدانة قتل النساء والأطفال، ولكن بغية التحريض والتشجيع على العنف، وحسب".

 

 

الثلاثاء|14.11.2023| محكمة الصلح في الناصرة، تقبل الموقف المبدئيّ بأنّ الوقفة الاحتجاجيّة المذكورة لم تكن  بحاجة إلى أيّ تصريح من الشرطة، وفي حال أرادت الشرطة أن تمنع المُظاهرة بحجّة الإخلال بالأمن العامّ، لَتَوَجَّبَ عليها أن تُثبت هذا التخوّف بدرجة عالية من اليقين بالاستناد على معلومات عينيّة. مع ذلك، قَرَّرتْ المحكمة أنّه وباللحظة التي أعلنت فيها الشرطة عن فضّ الوقفة الاحتجاجيّة، فإنَّ عدم مغادرة  المُتظاهرين للمكان يُعَدُّ مَسًّا بالأمن العام، حتّى وإن لم تكن لدى المتظاهرين أيّة نيّة بذلك. بالإضافة إلى ذلك، قرَّرت المَحكمة تقصير مُدّة إبعاد القيادات السياسيّة عن الناصرة من 14 يومًا إلى 5-7 أيّام، ذلك أنّ هذا الإبعاد يُشكّل مَسًّا بحقوقهم الدستوريّة. علاوةً على ذلك، أوضحتْ المحكمة أن لا أساس قانونيّ للاعتقال المنزليّ الذي فُرِضَ على جزء منهم، وذلك جاء فقط بعد أن انتهتْ مُدّة الحجز بيوم. 

 

 

موقف عدالة 
على الرغم من أنّ المُظاهرة كانت قانونيّة ولا تحتاج إلى تصريح من الشرطة، إلّا أنّ الشرطة فضّتها دون أي صلاحية لاتّخاذ هذا القرار، وذلك أيضًا بناءً لِمَا جاء في  قرار المحكمة العليا في الالتماس السابق. وهذا وإن دلّ على شيء فهو يدلُّ على أنّ في تعامل الشرطة مع هذا الموضوع ما هو إلّا سياسة مُمنهجة تسعى إلى حظر أي نشاط سياسيّ وإلى إخماد أصوات وتكميم أفواه كُل من يُوجّه انتقادًا، أو يُبدي معارضةً أو رفضًا للسياسة العامّة الإسرائيليّة بسياق الحرب على غزّة، وهو ما يشكّل مُلاحقةً وقمعًا لحرّيّة التظاهر للمواطنين الفلسطينيّين في الداخل. وجاءت ادّعاءات الشرطة لتبرير فضّ الاحتجاج هذه المرّة، عُنصريّةً ومبنيّة على صور نمطيّة كسابقتها من الادّعاءات، إذ تنطلق من فرضيّة أنّ أَيّة مُظاهرة في المجتمع العربي إنّما هي مُظاهرة تحريضيّة بالضرورة، وأنّ المتظاهرين ما هم إلا جمهور مُحرِّض ومُخرِّب. 

أضف إلى أنّ استهداف الشرطة المُباشر غير القانونيّ وغير المُبرّر للقيادة ما هو إلّا مُحاولة من النائب العنصريّ بن غفير لاستفزاز وتأجيج التوتّر في الشارع الفلسطينيّ في الداخل، نظرًا لمكانة المُعتقلين القيادية وما يُمثّلونه للجمهور الفلسطينيّ هنا.
 
 
 
 

مُستندات:

  • لقراءة استئناف عدالة بشأن الشروط التقييديّة على القادة السياسيّين (باللغة العبريّة)، اضغط\ي هنا.
  • لقراءة قرار المحكمة في استئناف عدالة بشأن الشروط التقييديّة على القادة السياسيّين (باللغة العبريّة)، اضغط\ي هنا.