التماسات عدالة باسم لجنة المُتابعة العليا ومُلاحقة السيّد محمّد بركة

على الرغم من إحباط الشرطة للوقفة الاحتجاجيّة في الناصرة في التاسع من نوفمبر للعام 2023، ومُلاحقتها لمُنظّميها من خلال توقيف وفرض شروط تقييديّة على بعض القيادات السياسيّة في الداخل الفلسطينيّ (انظر\ي هنا)؛ إلّا أنّ لجنة المُتابعة العُليا ثابرت على مُحاولاتها تنظيم وقفات احتجاجيّة أُخرى للتنديد بالعدوان الإسرائيليّ على غزّة. كسابقتها من الوقفات، وعلى الرغم من أنّ تنظيمها لم يتطلّب تصريحًا من الناحية القانونيّة؛ إلّا أنّ الشرطة عملت بشتّى الطرق لمنع هذه الوقفات وأعلنت عن نيّتها استخدام القوّة لحظرها وفضّها في حال إقامتها. فيما يلي تتبّع للخطوات التي اتّخذها مركز عدالة، مُمثّلًا عن لجنة المُتابعة العليا بقيادة السيّد محمّد بركة، ردًّا على هذه السياسة المُمنهجة التي باتَت مُمارستها هي الوضع الاعتياديّ والمألوف بفترة الحرب.

 

الصورة من صفحة الفيسبوك للسيّد محمّد بركة

 

يوم الخميس| 30.11.2023| في أعقاب سياسة حظر المُظاهرات العامّة هذه، وحظر الشُرطة تنظيم وقفات احتجاجيّة في الناصرة بشكل خاصّ، قدّم كُل من مركز عدالة ورئيس لجنة المُتابعة التماسًا (1) إضافيًّا إلى المحكمة العليا للمطالبة بإلغاء الحظر الذي تفرضهُ الشرطة على الوقفات الاحتجاجيّة المُناهضة للحرب. 

 

يوم الأحد|03.12.2023| المحكمة العليا ترفض الالتماس دون عقد جلسة استماع أو حتّى مُطالبة الشرطة بردّ على الالتماس. بَرَّرَت المحكمة العليا قرارها هذا بعدم وضوح توجّهات لجنة المُتابعة لهيئات الشرطة المسؤولة حول شكل وماهية وحجم وأهداف الوقفات الاحتجاجيّة المُزمع عقدها. مّما يعني، أنّه وبحسب تبرير المحكمة لم يُوضّح الملتمسون في توجّهاتهم أنَّ عدد المُشتركين في الوقفات المذكورة لن يتجاوز الخمسين شخصًا، أو أنّها، وبغضّ النظر عن أعداد المُشاركين، لن تَتضمّن خطابات سياسيّة أو تنظيمًا لمسيرة خلالها. هذا على الرغم من أنّ المُلتَمِسين أوضحوا أنّ الوقفات الاحتجاجيّة المُزمع عقدها لا تستوجب تَرخِيصًا مُسبَقًا وفقًا للقانون. 

 

يوم الأربعاء| 13.12.2023| بعد إصدار قرار المحكمة السابق، توجّهت لجنة المُتابعة للشرطة والمُستشارة القانونيّة للحكومة مَرَّةً أُخرى، مُطالبين إيّاهم باحترام حقّ المُواطنين بالاحتجاج ضدّ الحرب والامتناع عن عرقلة تنظيم وقفةً احتجاجيّة لا تحتاج إلى ترخيص، والتي يعتزمونَ إقامتها يوم السبت، السادس عشر من ديسمبر 2023 في الناصرة. جاءَ ردّ الشرطة على هذا التَوجّه عن نِيَّتها فرض شروط على الوقفة وفقًا لما تراهُ مُناسبًا بحسب تقديرها للأوضاع، حتّى وإن لم تكن هناك حاجة للحصول على تصريح مُسبق لتنظيمها. لذلك، وللمرّة الثانية خلال أسبوعين، قدّمَت كل من لجنة المُتابعة وعدالة التماسًا (2) للمحكمة العُليا من أجل لجم سياسات الشُرطة غير القانونيّة التي تهدف لقمع التظاهر ضدّ العدوان على غزّة في المجتمع العربيّ، وذلكَ من خلال وضع شروط لتنظيم هذه المُظاهرات، وإن لم تكن بحاجة إلى ترخيص أصلًا، أو من خلال اتّخاذ جملة من الإجراءات لقمعها.  بشكل خاصّ، طالبَ الالتماس بوضع حدّ لمُحاولات الشرطة إحباط المُظاهرة التي كان من المُزمع عقدها يوم السبت السادس عشر من ديسمبر للعام 2023.

 

بيَّن الالتماس بأنّ إصرار الشُرطة على وَضع شروط للسماح بتنظيم وقفة احتجاجيّة لا تحتاج لترخيص هو بمثابة فرض للحصول على ترخيص لتنيظمها، الأمر الذي يمسّ بسلطة القانون من خلال خرق الحقّ الدستوريّ للمواطنين بالتظاهر والاحتجاج. تكشف سياسات الشرطة هذه أَنَّ قرارات المحكمة العليا لا تتَعَدَّى كونها أقوالًا عندما تَنَصّ على أنّ حظر المُظاهرات لا ينبغي أن يكون القاعدة العامّة التي تتبنّاها الشرطة خلال الحرب، أو أنّ على هذا الحقّ أن يُحفَظ شأنه شأن حقوق أُخرى خاصّةً في ظروف الطوارئ.

 

يوم الخميس| 14.12.2023| المُتابعة وعدالة يُقرّران سحب التماسِهما بعدَ الوصول لطريق مسدود مع الشرطة في المُداولات بالمحكمة العليا. في ردّها على الالتماس، ادّعت الشرطة بأنّها تملك الصلاحيّة لتقييد الاحتجاجات "مكانيًّا، زمانيًّا وشكليًّا"، حتّى تلكَ التي لا تحتاجُ ترخيصًا منها، وذلك لاعتبارات تتعلّق "بالنظام العامّ" وَ"سَلامة وأمن الجمهور". لذلك، طالبت الشرطة المُلتمسين بتنظيم الوقفات الاحتجاجيّة خلال أيّام الأسبوع فقط وليس في أيّام العطل أو نهاية الأسبوع، أو تنظيمها يوم السبت في جبل القفزة عوضًا عن ساحة العين بالناصرة، وهو مكان ناء وبعيد. في مرافعته، أشارَ طاقم المحاميّين في عدالة، بأنّ تنظيم الوقفة في مكان معزول ومُقفر يُفقدها معناها ونجاعتها  ويتعارض مع الأهداف السياسيّة والاجتماعيّة لأي احتجاج، والتي تَتَمثَّل بتوصيل رسالة للمُجتمع والرأي العام. لذلك، اقترح المُلتمسون على الشرطة تنظيم الاحتجاج إمَّا في يوم الثلاثاء أو يوم الخميس في تمام الساعة الخامسة مساءً، إلّا أنّ الشرطة رفضت هذا الاقتراح وأَصَرَّت على أنَّ تنظيم الوقفة يجب أن يتمّ خلال أيّام الأسبوع وفي ساعات الصباح حصرًا.

 

موقف الشرطة هذا جعلَ عدالة والمُتابعة على قناعة تامّة بأنّ غرض الشرطة هو تفريغ الاحتجاج من معناه وتثبيط أي مُحاولة للمُلتمسين بالخروج باحتجاج ناجح يُحقّق أهدافه ورسالته، من خلال مُمارسة الاحتجاج أمامَ حشد كبير من الناس، أو من خلال تجنيد عدد كافٍ من الشخصيّات السياسيّة والقياديّة للمُشاركة في الاحتجاج في ساعات تخلو من الالتزامات والنشاطات. على ضوء ذلك كله، سحبت المُتابعة وعدالة الالتماس، فيما أعلنَ بركة في قاعة المحكمة عن نيّته تنظيم الاحتجاج بجميع الأحوال ذلك أنّه لا يحتاج إلى ترخيص وبالتالي فإنّ تنظيمه لا يُعدُّ مُخالفًا للقانون أصلًا.  ولكن على على الرغم من سحب الالتماس، أصدرت المحكمة، في خطوة غير معهودة، قرارها برفض الالتماس مُبَرِّرَةً ذلك بأنَّ للشرطة  قرينة الصحَّة الإداريّة، وليس أمامها إلّا أن تَقبلَ مَوقفها. بعد ذلك كُلّه، ألغت المُتابعة الوقفة المذكورة دون أن تُعلِم الشرطة بذلك، لهذا فقد امتلأت ساحةُ العين بالناصرة برجال الشرطة المُدجّجة بالأسلحة والخيّالة في موعد الوقفة، إِلَّا أنَّها لم تجِد أحدًا هناك، ما يُثبت بأنَّ ادّعاء الشرطة حول النقص في مواردها البشريّة غير صحيح. 

 

يوم الأربعاء|27.12.2023| مركز عدالة يُبرق رسالةً بالنيابة عن رئيس لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربيّة في إسرائيل، السيّد محمّد بركة، إلى كلّ من المستشارة القضائيّة للحكومة، غالي بهراف-ميارا، المُفوّض العامّ للشرطة، يعكوف شبتاي، وقائد شرطة الناصرة، إيال كيهاتي، لمُطالبتهم بوقف أساليب شرطة الناصرة غير المشروعة والمُخالفة للقوانين بمُلاحقة، مُراقبة وتهديد بركة لما بذله من جهود حثيثة وأظهره من إصرار في ممارسة الحقّ في الاحتجاج ضدّ الحرب على غزّة. بالطبع، لم تستسغ الشرطة جهوده هذه، بدايةً من أوّل وقفة احتجاجيّة نظّمتها المُتابعة في ساحة العين بالناصرة، وحتّى تقديم الالتماسَين الأخيرين للمحكمة العليا بهذا الخصوص؛ وهو ما دفعها للاعتداء عليه وارتكاب جملة واسعة من الانتهاكات غير المسبوقة بحقّه، والتي قد تصل حدَّ الإجرام أو الجناية.

 

على سبيل المثال، وبعد سحب الالتماس الأخير من المحكمة، بادرَ قائد محطّة الشرطة في الناصرة بإرسال رسالة نصّيّة عبر تطبيق واتسآب لتهديد السيّد بركة، وثنيه عن التخطيط لأي مُظاهرة قادمة؛ مُدّعيًا أنّ في تخطيط كهذا ما يُخالف قرار المحكمة العليا، وهو ادّعاء مُضلّل يهدف كيهاتي من خلاله إلى شرعنة تهديده بعدم التهاون في قمع أي نشاط احتجاجيّ مُستقبليّ. إلّا أنّ تجاوزات قائد الشرطة بحقّ بركة لم تنتهِ عندَ هذا الحدّ، إذ وَكَّلَ بعض عناصر الشرطة المُتخَفِّين بمُراقبة منزل السيّد بركة في مدينة شفاعمرو مُنتهكينَ بذلك خصوصيّته. بالإضافة، إلى تتبّع السيّد بركة ورصد تحرّكاته؛ حدَّ قطع عناصر من الشرطة، الطريقَ عليه بجانب عيلوط ومُساءلته حول وَجهته فيما كانَ مُتوَجِّهًا إلى أحد مشافي الناصرة.

 

طالبت الرسالة بفتح تحقيق في تصرّفات شرطة الناصرة التي تُثير شُبهات بارتكاب مُخالفات جنائيّة وتأديبيّة. كما وطلبت بوضع حدٍّ لهذه الانتهاكات والتهديدات بحقّ السيّد بركة مُمَثِّلًا عن الجمهور العربيّ، ذلكَ  أنَّ مُلاحقات الشرطة هذه للسيّد بركة، أو لأي مُواطن آخر، لا تقع ضمنَ نطاق صلاحيّات قائد الشرطة أو أفراد الشرطة بشكل عام، وإنّما هيَ تُمَثِّل شكلًا من أشكال الاستغلال غير القانوني للقوّة الممنوحة للهيئات التنفيذيّة لأهداف مُرتبطة بالقمع، الترهيب والردع السياسيّ. علاوةً على ضرورة التأكيد لقائد الشرطة في الناصرة بأنّ القانون لا يسمح بمنع الوقفات الاحتجاجيّة بشكل مُسبق، كما ولا يسمح بقمعها وتفريقها ما دامت سلميّة؛ وأنّه على الرغم من أنّ المحكمة الأخيرة افترضت في قرارها "صحّة إدارة السلطة الشرطيّة لعملها"، إلّا أنّها لم تمنع تنظيم الوقفات الاحتجاجيّة، ولم تفرض على القائمين والمُشاركين بها الحصول على إذن الشرطة لإقامتها، كما ولم تُقرّ أنّ هنالك أيّ صلاحيّة في وضع شروط لتنظيم نشاطات احتجاجيّة من هذا النوع.

 
 
موقف عدالة
أثارت سياسة الشرطة التي تمس بشكل جارف بحرية الاحتجاج للجمهور العربي، ولا زالت تثير، ردود فعل حادّة وانتقادات لاذعة سواءً على المستوى المحلّيّ أو على المستوى الدوليّ، بسبب المنع شبه الكامل بحقّ الجمهور في الاحتجاج ضدّ الحرب على غزة. تُعتبر هذه السياسة والاستهداف المُتعمّد لأي وقفة احتجاجيّة تبادرُ إليها لجنة المُتابعة، سياسةً تمييزيّة وعُنصريّة وتتعارض مع مَبدأ سيادة القانون، وهو المبدأ الذي فشلت المستشارة القانونيّة للحكومة بالحفاظ عليه من مكانها. بالإضافة إلى تواطؤ المحكمة العليا مع هذا المسّ من خلال قراراتها المُتساهلة التي تسمح للشرطة بمُواصلة تنفيذ سياسات تكميم الأفواه بحقّ المُجتمع الفلسطينيّ دون رادع أو حساب، والتي بلغت أقصاها في المُلاحقات السياسيّة التي تعرّضَ لها بركة لمُحاولة منعه من تأدية مهامه بصفته رئيسًا للجنة المُتابعة العليا والتي تُعدُّ الجسم المُمَثِّل لكافّة الأطياف السياسيّة والسلطات المحلّيّة في المُجتمع العربيّ.

 

 

 

 

مُستندات:

  • لقراءة الالتماس (1) لعدالة، باسم لجنة المُتابعة العليا بشأن حظر الشرطة للوقفات الاحتجاجيّة، اضغط\ي هنا.
  • لقراءة قرار المحكمة بشأن الالتماس(1)، اضغط\ي هنا.
  • لقراءة الالتماس (2) للجنة المُتابعة وعدالة بشأن حظر الشرطة للوقفات الاحتجاجيّة، اضغط\ي هنا.
  • لقراءة محضر المحكمة العليا بشأن الالتماس(2)، اضغط\ي هنا.
  • لقراءة قرار المحكمة بشأن الالتماس (2)، اضغط\ي هنا.
  • لقراءة رسالة عدالة باسم رئيس لجنة المُتابعة (27.12.2023)، اضغط\ي هنا