الحرية الأكاديمية: قضية بروفيسور نادرة شلهوب-كيفوركيان
بروفيسور نادرة شلهوب-كيفوركيان، وهي فلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية، باحثة مرموقة عالميًا وتعمل أستاذة في مجال القانون الدولي بجامعة كوين ماري بلندن. كما شغلت كرسي لورانس دي- بييل في معهد الإجرام بكلية الحقوق والخدمة الاجتماعية والرفاه الاجتماعي في الجامعة العبرية في القدس.
منذ أواخر عام 2023، أصبحت بروفيسور شلهوب-كيفوركيان هدفًا لملاحقة سياسية. تولّت مؤسسة «عدالة» والمحامي علاء محاجنة تمثيلها في الإجراءات القانونية المتخذة ضدها، وهي إجراءات جاءت ردًّا مباشرًا على معارضتها لحرب الإبادة في غزة، وعلى أعمالها البحثية النقدية، ومواقفها الجريئة الرافضة لسياسات إسرائيل القمعية تجاه شعبنا الفلسطيني.
تشكّل هذه القضية مثالًا واضحًا على تجريم الصوت الفلسطيني في الأكاديمية الإسرائيلية منذ خريف 2023، وعلى تسليح الأدوات القانونية والمؤسساتية لإسكات أي رأي معارض.
التحريض والمضايقات العلنية
أصبحت بروفيسور شلهوب-كيفوركيان هدفًا لحملات تحريض بعد توقيعها على عريضة بعنوان «باحثون وطلاب الطفولة يدعون إلى وقف فوري لإطلاق النار»، إلى جانب أكثر من ألف باحث وباحثة دعوا فيها إلى إنهاء الحرب، ووصَفوا ما تقوم به إسرائيل في غزة بأنه إبادة جماعية.
في 29 تشرين الأول 2023، تلقّت شلهوب-كيفوركيان رسالة من إدارة الجامعة العبرية، موقّعة من عميد كلية الحقوق ونائب رئيس الجامعة (الركتور)، اتهموها فيها بانتهاج سلوك «لا يبتعد كثيرًا عن جرائم التحريض والفتنة». وأعربت الرسالة عن «العار» من وجود «عضو هيئة تدريس مثل» بروفيسور شلهوب-كيفوركيان، وحثّتها على «النظر في ترك منصبها».
وقبل أن يُتاح لها وقت للرد أو حتى قراءة الرسالة بالكامل، تم تسريبها وتداولها على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإسرائيلي، ما عرّضها لوابل من رسائل الكراهية والتهديدات من طلاب إسرائيليين وسياسيين ومسؤولين رسميين.
لم يكن توقيعها على العريضة مجرد موقف شخصي، بل جاء انعكاسًا لخبرتها كعالِمة نقدية في مجال علم الإجرام، وتعبيرًا عن موقف أكاديمي يتبنّاه العديد من الباحثين حول العالم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.
تعليق عملها في الجامعة العبرية
في 12 آذار 2024، قامت الجامعة العبرية بتعليق عمل بروفيسور شلهوب-كيفوركيان، مدّعيةً أن نشاطها الحقوقي يضرّ بـ«سمعة إسرائيل». جاء هذا التعليق على خلفية حملة لإقالتها قادتها حركة «إم ترتسو»، وهي منظمة يمينية متطرفة سبق أن وصفتها محكمة إسرائيلية بأنها حركة فاشية.
في رسالة التعليق، اتهمتها الجامعة بالتصرف بشكل «مخزٍ ومعادٍ للصهيونية ومحرض»، وادّعت أن أفعالها، وخصوصًا توقيعها على العريضة المذكورة، قد أضرّت بسمعة إسرائيل «محليًا ودوليًا»، ووصفت نفسها بأنها «مؤسسة إسرائيلية عامة وصهيونية تفخر بذلك».
جاء تعليقها في سياق أوسع من القمع المتصاعد. فمنذ تشرين الأول 2023، مثّلت مؤسسة «عدالة» أكثر من 94 طالبًا فلسطينيًا في 33 جامعة إسرائيلية تعرّضوا لإجراءات تأديبية، بل وحتى لملاحقات جنائية، على خلفية تعبيرهم السياسي المتعلق بالحرب.
لقراءة ورقة «عدالة» بعنوان «حملات قمع ممنهجة لحرية التعبير في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل»، اضغط هنا.
في 13 آذار 2024، أرسلت «عدالة» رسالة طالبت فيها بإعادة البروفيسور شلهوب-كيفوركيان إلى منصبها، مؤكدةً أن تعليقها كان تمييزيًا ودوافعه سياسية. وأشارت إلى أن الجامعة انتهكت لوائحها الداخلية بعدم عقد جلسة استماع أو منحها فرصة للرد على الاتهامات.
كما شدّدت «عدالة» على الطابع الانتقائي لإجراءات الجامعة، إذ لم تتخذ أي خطوات تأديبية ضد أعضاء هيئة تدريس آخرين أعلنوا دعمهم الصريح للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. ويثبت هذا التباين أن الدافع كان «أيديولوجيًا يسعى إلى التماهي مع الإجماع اليهودي-الصهيوني السائد في هذه الحرب»، ويهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة التي تنسجم مع النقد الدولي الواسع. وأكدت «عدالة» أن هذه الخطوات تُقوّض الحرية الأكاديمية وتعزّز سياسة أوسع من القمع السياسي وإسكات البحث النقدي.
لقراءة الرسالة الصادرة في 13 آذار 2024 [بالعبرية]، اضغط هنا.
وسط موجة واسعة من الاحتجاجات والانتقادات من أكاديميين وطلاب فلسطينيين ودوليين، عقد ممثلو الجامعة اجتماعًا مع البروفيسور شلهوب-كيفوركيان في 27 آذار 2024. وخلال الاجتماع، أُجبرت على إعادة تأكيد موقفها كعالِمة نسوية نقدية، وتوضيح أنها لا تنكر وقوع اعتداءات جنسية وعمليات اغتصاب في أثناء الحروب.
مداهمة منزلها واعتقالها
في 15 آذار 2024، تم توقيف بروفيسور شلهوب-كيفوركيان في المطار واستجوابها على خلفية التصريحات التي أدلت بها في حلقة من بودكاست «شارع مقدسي» بتاريخ 8 آذار 2024، بعنوان «كل هذا الحب في فلسطين» تحدّثت في الحلقة عن تجربتها الشخصية في العيش والعمل تحت القمع الإسرائيلي، وعن أعمالها الأكاديمية، والإبادة الجماعية في غزة، واستباحة الأجساد الفلسطينية من قِبل السلطات الإسرائيلية، إضافةً إلى عنف المستوطنين. وعلى الرغم من استجوابها من قِبل الشرطة الإسرائيلية، لم يتم اعتقالها في ذلك اليوم.
في 18 نيسان 2024، اقتحمت الشرطة الإسرائيلية منزل بروفيسور شلهوب-كيفوركيان في البلدة القديمة بالقدس، واعتقلتها بتهم يُزعم أنها تتعلق بـ«التحريض على الإرهاب والعنف والعنصرية». وخلال المداهمة، صادرت الشرطة هاتفها وحاسوبها ووثائقها وكتبها. وُثِّقت قدماها ويداها بالأصفاد، ونُقلت إلى مركز توقيف المسكوبية قرب بلدية القدس، حيث خضعت لتفتيش عارٍ على يد شرطية قامت بشتمها. كما جرى استجوابها ليس فقط حول تصريحاتها في البودكاست، بل أيضًا حول مقالاتها الأكاديمية المنشورة. وبعد ذلك، أُودعت في زنزانة باردة وبغطاء مبلّل ذي رائحة كريهة.
في 19 نيسان، مثلت بروفيسور شلهوب-كيفوركيان أمام محكمة الصلح، حيث طلبت الشرطة تمديد اعتقالها لمدة سبعة أيام، مدّعيةً أنها قامت بـ«تحريض خطير ضد دولة إسرائيل» من خلال انتقادها للصهيونية وتأكيدها أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. واستندت التهم إلى تصريحاتها في بودكاست 8 آذار، وزعمت الشرطة أن أقوالها «بالغة الخطورة نظرًا لاتصالاتها الدولية، ونشرها باللغة الإنجليزية، وتوفّرها على منصات متعددة». كما أشارت إلى ملصقات عُثر عليها في منزلها «تصوّر الجنود الإسرائيليين كجيش احتلال».
أكّد فريق الدفاع أن التحقيق يستهدف، في جوهره، أعمالها الأكاديمية التي نُشرت في مجلات دولية محكّمة مرموقة وتُدرَّس منذ سنوات في جامعات عديدة، من بينها الجامعة العبرية. وشدّد على أن جميع تصريحاتها محمية بحرية التعبير.
في قرارها، أشارت محكمة الصلح إلى أن تفتيش الشرطة لم يُسفر عن «أي دليل جوهري يثبت خطورة الاتهامات أو يدلّ على ضلوعها في مخالفات إضافية»، وأمرت بإطلاق سراحها بشرط موافقتها على الخضوع لمزيد من التحقيق ودفع كفالة مالية.
استأنفت الشرطة القرار أمام المحكمة المركزية في القدس، مكرّرةً الادعاءات ذاتها التي طرحتها أمام المحكمة الأدنى، غير أن المحكمة المركزية أيدت قرار محكمة الصلح ورفضت الاستئناف.
لقراءة بروتوكول جلسة المحكمة المركزية [بالعبرية]، اضغط هنا.
لقراءة قرار المحكمة المركزية في القدس [بالعبرية]، اضغط هنا.
بعد الإفراج
بعد الإفراج عنها، تم استدعاء بروفيسور نادرة شلهوب-كيفوركيان لثلاث جلسات استجواب إضافية لدى الشرطة، بتاريخ 25 نيسان، و28 نيسان، و2 أيار 2024. وقد تجاوز محتوى هذه الاستجوابات الطويلة النطاق الذي أذنت به النيابة العامة.
فعلى سبيل المثال، طالبها المحققون بتفسير سبب وصفها للقدس الشرقية بأنها مدينة محتلة، وضغطوا عليها لتعريف مصطلح «الاستعمار الاستيطاني«، واستجوبوها حول المصادر التي اعتمدت عليها في ذكر عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة خلال الحرب، وسألوها إن كانت لا تزال تعتقد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
ندّد فريقها القانوني بهذه الأسئلة واعتبرها تجاوزًا فاضحًا للصلاحيات. ففي 24 نيسان 2024، أرسل الفريق رسالة إلى النيابة العامة طالبًا تدخّلًا عاجلًا لمنع مزيد من الاستدعاءات، أو لتوجيه الشرطة بعدم طرح أسئلة تتجاوز النطاق المصرَّح به. وأشار الفريق إلى أن تصريح النيابة نفسه غير قانوني بطبيعته، لأنه ينتهك الحق في حرية التعبير والحرية الأكاديمية، ويشكّل اضطهادًا سياسيًا ومضايقة ناتجة عن خطاب مشروع وقانوني.
لقراءة رسالة 24 نيسان 2024 [بالعبرية]، اضغط هنا.
لقراءة رسالة 1 نيسان 2024 [بالعبرية]، اضغط هنا.
في 25 نيسان 2024، أرسلت مؤسسة «عدالة «رسالة إلى سلطات الشرطة تطلب فيها إعادة ممتلكاتها المصادَرة، بما في ذلك هاتفها الخلوي، وساعتها الذكية، وحاسوبها المحمول. وبعد أن رفضت الشرطة إعادة الممتلكات، قدّمت «عدالة «التماسًا إلى محكمة الصلح في 12 أيار 2024. غير أن المحكمة رفضت الالتماس بحجة أن التحقيق ما يزال جاريًا، رغم أن الشرطة كانت قد استجوبت بروفيسور شلهوب-كيفوركيان بالفعل حول جميع التصريحات التي وافقت النيابة على استجوابها بشأنها.
وفي نهاية المطاف، أُعيدت ممتلكاتها بعد أسبوع، وأُغلق الملف.
لقراءة رسالة عدالة من تاريخ 25 نيسان/أبريل 2024 [بالعبرية]، اضغط هنا.
لقراءة الالتماس المقدَّم إلى المحكمة بتاريخ 12 أيار/مايو 2024 [بالعبرية]، اضغط هنا.
لقراءة بروتوكول جلسة محكمة الصلح [بالعبرية]، اضغط هنا.
اعتقال بروفيسور شلهوب-كيفوركيان واستجوابها يمثّلان مثالًا بارزًا لحملة القمع المتصاعدة التي تشنّها دولة إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين في الداخل، بادعاء "التحريض على العنصرية والإرهاب." فبعيدًا عن كونها حالة فردية، تأتي هذه القضية ضمن منظومة أوسع تشترط على الفلسطينيين التنصّل من تاريخهم وهويتهم الجماعية مقابل التمتع بحقوقهم الأساسية.
ومن خلال استهداف شلهوب-كيفوركيان، لم تنتهك السلطات حريّتها الأكاديمية فحسب، بل وجّهت رسالة ترهيب واضحة لكل باحث/ة، طالب/ة، وموظف/ة في المؤسسات الأكاديمية داخل إسرائيل، مفادها أن أي خروج عن السردية الرسمية للدولة بشأن الإبادة والحرب على غزة سيُواجَه بالعقاب، وأن التفكير النقدي سيتم إسكاتُه.
بيانات صحفية متعلقة:
- "عدالة" لإدارة الجامعة العبرية: "قرار فصلكم للبروفيسور شلهوب-كيفوركيان ما هو إلا إجراء تعسفي، عنصري، ضلالي، غير دستوري وغير قانوني وعليكم العدول عنه فورًا!" (14.03.2024).
- القدس: المركزية ترفض استئناف الشرطة وتبقي على قرار الصلح بإخلاء سبيل د.نادرة شلهوب-كيفوركيان (19.04.2024).
- طاقم الدفاع عن شلهوب-كيفوركيان للمدعي العام للدولة: التحقيق المستمر معها غير قانوني ولن تجيب بعد عن أية أسئلة سياسية أو أسئلة تتعلق بعملها الأكاديمي (01.05.2024).





