"التّعليم هو الحرّية"

هيلين موري | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 18، أيلول 2005
لا تنتهك إعاقة الاحتلال للتّعليم الفلسطيني حقوق الفرد فحسب، بل تعتبر اعتداء على تطوّر المجتمع عامةً.

 

 

 هيلين موري | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 18، أيلول 2005

كتبت تالا، وهي طالبة السّنة الثالثة للغة الإنجليزية في جامعة بيرزيت في الضفّة الغربيّة، مؤخّرًا، مقالة حول تجربة التعلّم والدراسة تحت نير الاحتلال العسكريّ الذي يوجّه هجماته ضدّ المؤسّسات التّعليميّة كجزءٍ من اعتدائه طويل الأمد ضدّ البنية التحتيّة المدنيّة والتنمية الوطنيّة. وقد جعلت تالا المقالة بعنوان "التّعليم هو الحرّية".

 

عندما أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلية جامعة بيرزيت لمدّة خمس سنوات تقريبًا بين الأعوام 1988 و 1992، إلى جانب جميع المؤسّسات التعليمية الفلسطينية الأخرى، بما في ذلك المدارس وحضانات الأطفال، رفضت هيئات الجامعة أن تقبل بتجريم التعليم واستمرّت في التعليم "بشكل سرّي" في المنازل، والمكاتب، والكنائس، والمساجد والمراكز الجماهيرية. وقد تعرّضت هذه الصفوف الدراسية مرارًا وتكرارًا لمداهمات من قبل الجيش الإسرائيلي وتمّ اعتقال الطلاب والمعلّمين الذين تواجدوا هناك. وفي محاولة لتحدّي الحكم العسكري، أصبح مجرّد السّعي لطلب العلم طريقةً لمجابهة الاحتلال بشكل مباشر.

 

تعرّضت المدارس والجامعات الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول العام 2000 للهجوم مرّة أخرى بشكل مباشر، كأهداف عسكرية، وبشكل غير مباشر نتيجةً لسياسات العقاب الجماعي الإسرائيليّة والتقييدات التي بالسجون أشبه المفروضة على الحركة، والتي حالت دون وصول آلاف الطلاب والمعلّمين إلى مؤسّساتهم التّعليمية.

 

وفقًا لوزارة التربية والتّعليم العالي الفلسطينية فقد تعرّضت نحو 300 مدرسة وثماني جامعات للقصف، لإطلاق النار أو للمداهمات من قبل الجيش الإسرائيلي في غضون السّنوات الخمس الأخيرة. ووثّق المركز الفلسطينيّ لحقوق الإنسان أنّه تمّ تدمير 73 مؤسّسة تعليمية بشكل جزئيّ أو بشكل كامل في قطاع غزّة فقط، بما في ذلك كلية المعلّمين التي تمّ تدميرها بشكل كامل في آذار العام 2004. وتمّ إطلاق النّار على أربعة أطفال داخل غرف تدريسية تابعة للأونروا، خلال عمليّات اجتياح قطاع غزّة السنة الماضية، ومن بينهما الطالبتان رغدة عدنان العصار، في سن العاشرة، وغدير جابر مخيمر، في سن التاسعة، واللتان قتلتا نتيجة لإطلاق النار وهما جالستان على مقعديهما الدراسيين.

 

صرّح بيتر هانسن، الذي شغل منصب المفوّض العام للأونروا، بأنّ "المدارس من المفروض أن تكون ملاذًا آمنًا. لقد ناشدت السلطات الإسرائيلية مرارًا أن تحترم التزاماتها بموجب اتفاقيّة حقوق الطفل وبموجب القانون الإنساني الدولي عامة، وأن توقف إطلاق النار على المدارس خوفًا من تعرّض طلاب المدارس الأبرياء إلى القتل الحتميّ. وقد حدث ذلك الآن."

 

وعلى نحو يذكّر بالانتفاضة الأولى، تمّ إغلاق جامعة الخليل وجامعة البوليتكنيك الفلسطينية، عبر إصدار أمر عسكري، معظم سنة 2003، ممّا ترك أثره على أكثر من 6,000 طالب. وتمّ تنفيذ الإغلاقات، وفقًا للمتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، لأنّ الجيش "عليه واجب منع التعليم الذي يحرّض على قتل الإسرائيليين." وقام طلاب جامعة الخليل وجامعة البوليتيكنيك الفلسطينية بكسر بوابات الجامعة في نهاية المطاف، متحدّين بذلك للجيش الإسرائيلي، من أجل إعادة عقد الدروس والمطالبة بحقّهم في التعليم.

 

في السنة ذاتها، تلقّت جامعة القدس أمرًا عسكريًا مفاده أن جدارًا إسمنتيًّا يصل ارتفاعه إلى 8 أمتار سيمرّ عمّا قريب داخل الحرم الجامعي، الأمر الذي سيؤدّي إلى مصادرة ثلث مساحته. في أعقاب حملة دولية، تمّ في النهاية نقل مسار هذا الجدار الى خارج مدخل جامعة القدس في أبو ديس، مما أدى إلى بتر الجامعة عن القدس وعزل 36 بالمائة من طلابها.

 

إن عمليات الفصل المستمرة، العزل وتحويل المناطق الفلسطينية إلى غيتوات نتيجة لبناء الجدار غير القانوني داخل منطقة الضفّة الغربيّة، ووجود أكثر من 700 حاجز ونقطة تفتيش في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية وقطاع غزة، وفرض الإغلاق المتكرّر على المدن وحظر التجوّل الطويل أثّرت جميعها، وبشكل مأساويّ، على مناحي الحياة الفلسطينية كافةً، بما في ذلك إمكانيّة التوجّه إلى التعليم. وتوفّر نظرة خاطفة على عمليّة استيعاب الطلاب على مستوى قطري في جامعة بيرزيت، خلال السّنوات الخمس الأخيرة، أحد الأمثلة على ذلك:

  • في العام 2000، التحقَ بجامعة بيرزيت نحو 400 طالب من قطاع غزّة. يوجد اليوم 13 طالبًا فقط.
  • إنخفض عدد الطلاب الجدد الذين تسجّلوا للدراسة في جامعة بيرزيت في السنة الدراسيّة الأخيرة (2003-2004) والقادمين من مدينة جنين شمال الضفّة الغربيّة من معدّل 120 طالبًا في السّنة إلى صفر.

 

في تشرين الثاني من العام 2004، إعتقل الجنود الإسرائيليون، في منتصف الليل، أربعة من أواخر الطلاب في جامعة بير زيت من سكان مدينة غزة وتمّ ترحيلهم بشكل غير قانوني إلى قطاع غزة. على الرغم من أنه لم يتم تقديم أي لائحة اتهام ضد وليد مهنّا، بشار أبو سليم، محمد مطر وبشار أبو شهلة – وجميعهم طلاب في السّنة الأخيرة في الهندسة الميكانيكية والهندسة المدنية في جامعة بيرزيت، فقد تمّ منع الطلاب الأربعة من العودة إلى بيرزيت لمواصلة دراستهم.

 

لا تنتهك إعاقة التّعليم الفلسطيني المنهجيّة على أيدي الاحتلال العسكري الإسرائيلي حقوق الإنسان الفرد فحسب، بل تعتبر بمثابة اعتداء على تطوّر المجتمع الفلسطيني بشكل عام.

 

ومن المنطلق ذاته الذي دفع تالا إلى وصف التّعليم بأنّه الحرية، تشدّد، أيضًا، المعاهدة الدوليّة حول الحقوق الاقتصاديّة، الاجتماعيّة والثقافيّة، والتي صادقت عليها إسرائيل في العام 1991، على حقيقة أن "التّعليم هو حقّ إنسانيّ في حدّ ذاته ووسيلة أساسيّة لتحقيق حقوق الإنسان الأخرى".[1]

 

إنّ "حملة الحقّ في التّعليم" التي أطلقتها جامعة بيرزيت، في العام 2002، جاءت كردّ فعل على حاجز عسكريّ نُصب على الطريق بين رام الله وبيرزيت، أدّى، عمليًا، إلى إغلاق جامعة بيرزيت مدّة ثلاث سنوات. وتمّ في نهاية المطاف تفكيك "حاجز سوردا" في كانون الأوّل من العام 2003، إلا أنّ الطريق إلى بيرزيت ما زالت معرّضة لـ "حواجز متنقّلة"، تواصل إزعاج الطلاب والمعلّمين وتسدّ الطريق أمام وصولهم إلى الجامعة.

 

على الرّغم من أن الأزمة الحالية هي التي أثارت "حملة الحق في التعليم"، إلا أن جذور هذه الحملة تعود إلى زمن بعيد من العمل على حقوق الإنسان في جامعة بيرزيت، التي نظّمت حملات حول قضايا مثل حقوق السجناء الطلاب وإغلاق الجيش للمؤسّسات التعليمية منذ سبعينيات القرن الماضي.

 

تؤكّد "حملة الحقّ في التّعليم" التي تصل إلى الجامعات، الحركات الاجتماعيّة والسياسيّة، منظّمات حقوق الإنسان والأفراد المعنيين في جميع أنحاء العالم، بأنّ الحرية، العدالة، التعليم والتطوّر هي شروط مسبقة للسلام. وتقع على عاتق الحكومات، منظّمات المجتمع المدني والناس العاديين مسؤولية الدفاع عن الحقّ العالمي في التعليم والمطالبة بتحقيقه.

 

"حملة الحق في التعليم" في جامعة بيرزيت هي حملة دولية يتوفّر لديها موقع إخباريّ على الإنترنت: http://right2edu.birzeit.edu . في إمكانك ضمّ منظّمتك للحملة أو الاشتراك في نشرة الحملة عن طريق البريد الإلكتروني: right2edu@birzeit.edu.                 

                        



[1] المعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، التعليق العام رقم 13 – الحقّ في التعليم، الفقرة 1، http://www.ohchr.org/english/bodies/cescr/comments.htm.    

ملفات متعلقة: