التصفيق بيد واحدة: التّهليل للتسامح والتعدّدية في الأكاديميا الإسرائيلية

شريف حمادة | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 13، أيار 2005
بين المُجاهرات حول التّسامح في الجامعات الإسرائيليّة، غابت الأصوات ذات المصداقية الكبرى: أصوات الطلاب والباحثين الفلسطينيين

 

شريف حمادة | مجلة عدالة الألكترونية، العدد 13، أيار 2005

يرتكز
الدعم الدوليّ لإسرائيل على فكرة القبول غير المنتقد للدولة اليهودية على أنّها تؤدّي، بشجاعةٍ، واجبات الديمقراطية ذات الأسلوب الغربيّ في منطقة، سواها، مُعادية. في الواقع، يعتبر هذا مجرّد إعادة وسم جديد لعلاقات عامة ودّية لفكرة هرتسل القديمة. يرى ثيودور هرتسل، المفكّر الأيديولوجي الصهيونيّ الأوّل، في كتابه "الدولة اليهودية"، أنّ من شأن تأسيس دولة يهوديّة في فلسطين أن يشكّل "جزءًا من جدار دفاعيّ لأوروبا في آسيا، قاعدة أماميّة من الحضارة ضدّ البربرية."

 

لكن، وفي نفس الوقت الذي يصبح فيه الجدار والقاعدة الأماميّة الخاصّان بالمشروع الصهيونيّ جليين بشكل أكبر، تتّضح، أيضًا، التناقضات المتأصّلة في التجربة ذات الـ 57 عامًا لتأسيس دولة "يهودية" و "ديمقراطيّة" على حدّ سواء في فلسطين التعدّدية. ثمّة إدراك آخذ في الازدياد بأنّ سياسات إسرائيل تؤثّر سلبًا على الفلسطينيين، على كلا جانبيّ الخطّ الأخضر، كما يشهد على ذلك القرار الذي لم يطل كثيراً،  الأخير لجمعيّة أساتذة الجامعات في بريطانيا الذي يفرض مقاطعة أكاديميّة على جامعتيّ بار إيلان وحيفا.

 

 ان قرار جمعية أساتذة الجامعات في بريطانيا، والذي تمّ اتخاذه يوم 22 من أبريل وابطاله نتيجة الضغوطات العديدة يوم 26 من أيّار، هو استجابة لنداء "الحملة الفلسطينية لفرض مقاطعة أكاديميّة وثقافية على إسرائيل"، لفرض مقاطعة احتجاجًا على مساهمة الأكاديميا الإسرائيلية في الحفاظ على سياسات الدولة تجاه الفلسطينيين؛ الأكثر بروزًا من بينها، استمرار "الاحتلال العسكريّ والاستعمار للضفّة الغربيّة وغزة"، و "نظام التّمييز  والفصل العنصري المتجذّر ضدّ المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل."

 

تتمحور معظم الادعاءات، في الحملة المضادّة التي تمّ شنّها في صحافة اللغة الإنجليزية ضدّ المقاطعة، حول نقض مبادئ الحرية الأكاديمية التي تسببها هذه المقاطعة حسب ما قيل. الا أنه، تتكشف خلف هذه الادعاءات استراتيجية دفاع مفذلكه. الإدّعاء الثاني، من بين الإدّعائين اللذين تم الاستشهاد بهما واللذين أعلنت عنهما "الحملة الفلسطينية لفرض مقاطعة أكاديميّة وثقافية على إسرائيل"، هو الذي أثار أشدّ الآراء المُستنكرة من قبل الإنتليجنسيا المحلّية الإسرائيليّة ومؤيّديها المخلصين في العالم.  ينكر قليلون فقط من اليمينيين الإسرائيليين الاحتلال، لكن الليبراليين في إسرائيل هم الذين يرفضون اتهامات التمييز العرقي وسياسة الفصل المحليين والذين ترعاهما الدولة. فضلاً عن ذلك، فإنّ الفكرة القائلة بأنّه يمكن وصم  الأكاديميا الإسرائيلية بمثل هذه الممارسات المتعصّبة هي بمثابة لعنة لترويج إسرائيل لنفسها كديمقراطية ناضجة.

 

يعلن الكاتب الإسرائيليّ العصري إتجار كيرط، من خلال صفحات "The Guardian" ، أنّ مؤسّسات التعليم العالي الإسرائيلية هي "أحد المعاقل الأخيرة القليلة لليسار الليبراليّ". وأصدر "المجلس الإسرائيلي للتّعليم العالي "تصريحًا يؤكّد فيه على أنّ السكّان العرب في إسرائيل يتمتّعون "بمنفذ كامل إلى معاهد التّعليم العالي". وتصف فانيا عوز سلزبيرغر، وهي محاضرة كبيرة في جامعة حيفا، جامعتها في "The Wall Street Journal" بأنّها "نموذج لمؤسّسة يهودية - عربية"، بينما تصرّ البروفيسور مينا تيتشر، من جامعة بار إيلان، في لقاء تضمّن أسئلة وأجوبة على الإنترنت استضافته صحيفة "هآرتس"، على أنّه "ليس هنالك أيّ تمييز في الجامعات الإسرائيليّة على الإطلاق". باختصار، تمّ رسم صورة جميلة للجامعات الإسرائيلية بأنّها "ملاذ التسامح السياسيّ والعرقيّ"، كما وصفتها بإسهاب إحدى افتتاحيّات صحيفة " The Times".

 

هذه الصّورة هي بالطبع تشويه للحقيقة. بين المُجاهرات حول  التّسامح السياسيّ، "العرقي" والديني، التي يُقال إنّها تسود أحرام الجامعات الإسرائيليّة، برز غياب الأصوات التي تتمتّع بالمصداقية الكبرى: أصوات الطلاب والباحثين الفلسطينيين أنفسهم. النتيجة هي أن التعليقات والمقالات حول هذا الصدد هي بمثابة التصفيق بيد واحدة.

 

ثمّة أسباب وجيهة لعدم سماع الفلسطينيين يُثنون على التسامح والليبرالية في هذه المؤسّسات. بادئ ذي بدء، الامتعاض من شحة عدد الطلاب العرب في مؤسسات التعليم العالي الاسرائيلية . فعلى الرّغم من أنّ المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يشكّلون ما يقارب 20% من السكّان في إسرائيل، إلا أنّ "غير اليهود" يشكّلون، وفقًا للمعطيات الرسميّة، 9.5 بالمائة من طلاب اللقب الأوّل، 4.8 بالمائة من طلاب اللقب الثاني، و 3.2 بالمائة من طلاب اللقب الثّالث. فضلاً عن ذلك، تبلغ نسبة رفض قبول المتقدّمين للجامعات من "غير اليهود" ثلاثة أضعافٍ، مقارنةً بالمتقدّمين اليهود، كما أعلنت عن ذلك الجمعية لدعم المساواة المدنيّة "سيكوي". أما بالنسبة إلى عدد الأكاديميين الفلسطينيين في طاقم الجامعات الإسرائيلية، فيصل إلى واحد بالمائة فقط.

 

الأمر الأكثر إزعاجًا هو الإحجام عن تحسين إمكانية وصول الطلاب العرب الطموحين إلى الجامعات. عندما تمّ التخلّي عن مطلب اختبار البسيخومتري المعروف بأنّه العائق الرئيسي أمام دخول الفلسطينيين إلى الجامعات في العام 2003، كان المتوجّهون للجامعات من الفلسطينيين هم المستفيدون من ذلك بإعداد كبيرة. وكنتيجة مباشرة لذلك، فقد تمّ عكس هذا الأمر وأعيد فرض ذلك المطلب.

 

لا ينتهي التّمييز ضد الفلسطينيين في جهاز التّعليم العالي الإسرائيلي عند هذا الحدّ، كما تبيّن تجربة الطلاب العرب في جامعة حيفا. فقبل اسبوعين حضرت إدارة الجامعة جلسة سماع الادعاءات في المحكمة والتي دافعت فيها عن قرارها الرافض لوضع شجرة عيد الميلاد في مبنى الجامعة الرئيسي خلال فترة عيد الميلاد؛ على الرّغم من طلبات لجنة الطلاب العرب المتكرّرة، وعلى الرّغم من حقيقة وضع الشمعدان اليهودي هناك خلال الاحتفال بالحانوكا (عيد الأنوار). فضّلت الإدارة عزل عيد الميلاد في بناية أخرى، بعيدًا عن مركز الحرم الجامعيّ.

 

في نفس الأسبوع، حضر عميد الجامعة، بروفيسور يوسي بن آرتسي، مؤتمرًا استضافته الجامعة يحمل عنوان "مشكلة وسياسة إسرائيل الديموغرافية"، يناقش الموضوع المفضّل لدى العنصريين في كلّ مكان: "التّهديد" الديموغرافيّ للدّولة الذي تشكّله مجموعة إثنية معيّنة. في الحالة الإسرائيلية، يعني هذا الأمر الفلسطينيين.

 

بالإضافة إلى ذلك، يشهد تزايد لوائح الاتهام التي يتعرّض لها قادة لجنة الطلاب العرب المتعاقبون على المُضايقة التي يعاني منها الطلاب الفلسطينيون، الذين يعبّرون عن آرائهم المعارِضة في الحرم الجامعيّ، من إدارة الجامعة.

 

يحدث كلّ هذا في المؤسّسة التي يصفها رئيسها، بروفيسور أهرون بن زئيف، لصحافيّ من صحيفة "Independent The" بأنّها "أكثر الجامعات تعدّديةً وتسامحًا في إسرائيل".

 

وهذا ما يوصلنا إلى نقطتنا الأخيرة.  يفكّر مجلس التعليم العالي، ظاهريًا، منذ خمس سنوات، في إقامة معهد عربيّ للتعليم العالي في الجليل، حيث أغلبية السكّان العظمى هم فلسطينيون. لكن، منذ تولّي عضو الكنيست ليمور لفنات من حزب "التكتل" منصب وزيرة التربية والتّعليم، تمّ إرجاء هذا المشروع. كان ردّ عضو الكنيست لفنات على مطالبات المجتمع العربيّ المتكرّرة بشأن تنفيذ هذا المشروع بأنّه قد تمّ رفض المشروع لأنّ فكرة جامعة عربية هي فكرة "عنصرية". بدلاً من ذلك، اتّخذ مجلس الوزراء قرارًا يوصي بتحويل العديد من الكليّات في الجليل و"كليّة يهودا والسّامرة"، الواقعة في المستوطنة غير القانونيّة أرئيل في الضفّة الغربية المحتلة، إلى جامعات إسرائيلية جديدة.

 

تتباهى "كلّية يهودا والسامرة"، مثل نظيراتها عبر الخطّ الأخضر، بالتزامها بالتعدّدية والتسامح العرقيّ. وتعلن الكليّة بفخرٍ في موقعها على الإنترنت باللغة الإنجليزية أنّ طلابها يمثّلون "كامل طيف المجتمع الإسرائيلي: العلمانيّون والمتديّنون، المهاجرون الجدد والإسرائيليون القدماء، اليهود والعرب."

 

بعد ذلك كلّه، يُعتبر التّمييز، في قاعدة أمامية ما للحضارة، إهانةً للحرّية الأكاديمية.

ملفات متعلقة: