أم الحيران وأزمة المسكن: سلطة القانون قناعًا للعنصريّة

ميسانة موراني // هكذا يُصبح القانون غطاءً بيروقراطيًا وشكليًا للدوافع الايديولوجيّة الحقيقيّة من وراء سياسات التخطيط في إسرائيل.

 


“متساوون أمام القانون؟” تصوير: جيني نويمان

 

// ميسانة موراني


بعد 13 عامًا من المرافعة القضائيّة، قررت المحكمة العليا أن تصادق نهائيًا على هدم قرية عتير أم الحيران وتهجير أهلها. وقد جاءت المصادقة على أوامر الإخلاء بحجّة أن الدولة هي الجهة المالكة للأرض والتي "سمحت" للأهالي بالمكوث فيها، وعليه يُمكن للدولة أن تعود عن قرارها وتأمر السكّان بإخلاء وهدم بيوتهم القائمة في هذه الأرض.

 

تتجاهل المحكمة في قرارها حقائق أساسيّة، منها أنّ السلطات الإسرائيليّة هي تلك التي نقلت السكّان إلى الأرض قبل 60 عامًا بعد أن هجّرتهم من أرضهم التي عاشوا فيها قبل النكبة. وهي تتجاهل أن قرار الهدم والإخلاء حين اتُخذ، اتُخذ بناءً على ادعاء السلطات أنّ الأهالي دخلوا الأرض بشكلٍ غير قانونيّ. في المحكمة، اتضح كذب هذا الادعاء حين عُرضت وثائق تثبت الأمر الإسرائيلي الرسميّ بنقل الأهالي إلى هذه المنطقة. نعم، انهارت الادعاءات الأساسيّة التي اعتمد عليها القرار، لكنّ ذلك لم يغيّر في القرار شيئًا، إذا أنه قرار تعسفيّ لا يعتمد على منطق العدالة القانونيّة ولا يمتّ إليها بصلة.

 

 > عتير أم الحيران: اقرأوا القصّة الكاملة...

 

كذلك، حين اتخذت سلطات التخطيط قرارها، تأسس ادعاءها على أن هذه المنطقة غير مخصصة للمباني السكنيّة، أن المنطقة مخصصة لمساحات مفتوحة ولذلك لا يمكن أن تقام فيها قرية أو بلدة. لاحقًا، اتضح خلال الاجراءات القضائيّة أن السلطات تنوي إقامة بلدة يهوديّة على أراضي القرية البدويّة، ليسقط بذلك ادعاء آخر من ادعاءات الدولة، دون أن يسقط قرار التهجير التعسفيّ. خلال المداولات القضائيّة، اعترف ممثلو الدولة أمام المحكمة أنهم لم يفكّروا بأي شكلٍ من الأشكال في أن يدمجوا سكّان القرية في البلدة الجديدة المخططة، وهذه حسابات يجب على لجان التخطيط بموجب القانون أن تأخذها بعين الاعتبار، لكنّها لم تفعل. رغم ذلك – بقي القرار التعسفيّ على ما هو عليه.

 

في الأسابيع الأخيرة، توجّه النوّاب العرب في الكنيست ممثلين عن القائمة المشتركة بطلبٍ للمستشار القضائي للحكومة يهودا فاينشطاين، مطالبين بإقامة طاقم مهنيّ لبحث أزمة المسكن في المجتمع العربي وتقديم حلول طويلة الأمد، كذلك طالبوا بتجميد أوامر الهدم في القرى والمدن العربيّة إلى حين إيجاد حلول جذريّة لهذه القضيّة. رفض المستشار القضائي اقتراح القائمة المشتركة، وأصرّ على سريان أوامر الهدم، وقد برر رفضه بحجة المساواة بين جميع المواطنين أمام "سلطة القانون".

 

قرار المستشار القضائي للحكومة يشبه قرار المحكمة العليا إلى حدٍ بعيد، من حيث أنّه يختبئ من وراء القانون الشكليّ الجاف من أجل تنفيذ أجندات سياسيّة عنصريّة. يظهر توجّه المستشار القضائي وكأنه يساوي بين جميع المواطنين، لكنّه بالحقيقة يتجاهل التمييز العميق الذي تنتهجه إسرائيل ضد المجتمع الفلسطيني في مجال الأرض والتخطيط، كما يتجاهل مسؤولية الدولة وسياساتها العنصريّة على حالة جماعيّة-اثنيّة من البناء غير المرخّص في البلدات العربيّة.

 

يروق للمستشار القضائي وللمحكمة العليا تجاهل الحقيقة بأن أزمة المسكن في القرى والمدن العربيّة تنبع إلى حدٍ كبيرة من ضيق مناطق النفوذ المخصصة للعرب الذين يشكّلون 20 بالمئة من المواطنين في الدولة، لكنّهم يعيشون على 2.5 بالمئة من الأراضي، في مناطق نفوذٍ ضيّقة لم تتوسّع منذ قيام إسرائيل. كذلك يتجاهلون أن البناء غير المرخّص ناتج عن أن معظم البلدات العربيّة لا يوجد لها خارطة هيكليّة محدّثة، ولهذا السبب لا يمكن أصلًا إصدار رخص بناء بأي حال من الأحوال. وكذلك يتجاهلون التمييز المستمر بتخصيص الموارد، ففي العام 2014 لم تتجاوز حصّة العرب من مناقصات الشقق السكنيّة الجديدة التي أعلنتها دائرة أراضي إسرائيل سوى 5 بالمئة من الشقق المسوّقة. كما يتجاهلون التهميش والاقصاء المنهجي من كل برامج الدعم الحكومي؛ مثالًا واحدًا على ذلك نجد برنامج "سعر الهدف" الذي سيتم تطبيقه لتخفيض أسعار الشقق السكنيّة في 30 بلدة في إسرائيل – ولا واحدة منها عربيّة.

 

في هذه الحالة، يتحوّل البناء غير المرخّص لضرورةٍ ماسّة في واقع القرى والمدن العربيّة. سلطة القانون، حتى بمفهومها الحرفيّ الجاف، تفترض أن يكون لكل مواطن الامكانيّة في أن يعمل وفق القانون قبل أن يُحاسب على مخالفته. أيّ أنه لا يمكن محاسبة المواطن على مخالفته القانون إن لم يكن بوسعه أن يفعل غير ذلك. الظروف التي أنشأتها إسرائيل في البلدات العربيّة لم تترك أي مجال للعمل وفق القانون. حتّى لو أراد المواطنون العرب أن يصدروا تراخيص بناء، فلن يستطيعوا لأسباب كثيرة ناتجة عن سياسات التخطيط التمييزية في إسرائيل. لذلك لا يُمكن في هذه الحالة الحديث عن مساواة في تطبيق "سيادة القانون".

 

تجاهل سياسة ممنهجة خلقت الفرق بين مجموعات مختلفة بما يتعلّق بقانون التخطيط والبناء، والإصرار على تطبيق القانون بطريقة صارمة، يحوّل مصطلح "سلطة القانون" إلى مجرد غطاء بيروقراطي وشكلي للدوافع الايديولوجيّة الحقيقيّة من وراء سياسات التخطيط في إسرائيل. عمليًا، يتناقض ذلك مع جوهر سلطة القانون، حيث من واجب السلطة الإداريّة حين تفعّل صلاحيّاتها، أن تنظر وتأخذ بعين الاعتبار، الفروقات والاختلافات بين شرائح مختلفة، خاصةً إن كان ذلك متعلقًا بغبنًا وتمييزًا تاريخيين اتجاه هذه المجموعة على خلفيّة انتماءها العرقي.

 

هكذا، تخدم الشكليّة القانونيّة كأداة ناجعة لإسرائيل من أجل التنصّل من مسؤوليّتها اتجاه الأزمة التي انتجتها حين يتعلّق الأمر بالمجتع العربي. في قرار المحكمة بشأن أم الحيران، ترفض المحكمة العليا أن تنظر إلى الاعتبارات الإنسانيّة، الاجتماعيّة، التاريخية والسياسية، كما وتتجاهل مسؤوليّتها اتجاه الوضع القائم، وتتمسك بالإمكانيّة التقنيّة القانونيّة في أن تلغي الدولة "سماحها" للأهالي باستخدام الأرض، وأن تهجّرهم. كذلك المستشار القضائي، في رفضه البحث عن حلٍ شاملٍ لإشكاليّة البناء غير المرخّص. يدافع عن سلطة القانون بمفهومها الشكليّ فقط، ويتجاهل كليًا حقيقة أن السياسة الممأسسة طويلة الأمد هي تلك التي خلقت الأزمة الخانقة في المسكن في المجتمع العربي. 
 

 

*الكاتبة محاميّة في قسم الأرض والتخطيط من مركز عدالة القانوني