غزّة: الجيش الإسرائيلي يغلق التحقيق بقتل الأطفال الأربعة على شاطئ الصيّادين

* الميزان وعدالة: "جهاز التحقيق الإسرائيلي مُصاب بأعطابٍ جوهريّة" * "ألا يستطيع الجيش الإسرائيلي، بكل تقدّمه وعتاده، أن يميّز بين مقاتل مدجج وطفل يلعب عند شاطئ البحر؟"

أعلن الجيش الإسرائيلي نهاية الأسبوع المنصرم عن إغلاق ملفّ التحقيق بجريمة قتل أطفال عائلة بكر الأربعة، عاهد (9 سنوات)، زكريّا (10 سنوات)، محمّد (11 سنة) وإسماعيل (10 سنوات)، وذلك بهجومٍ صاروخيّ لسلاح الجوّ الإسرائيلي استهدف مجموعة الأطفال الذين كانوا يلعبون عند شاطئ ميناء الصيّادين في مدينة غزّة يوم 16.7.2014، خلال العدوان الأخير على القطاع.

 

في تقريره، اعتمد الجيش الإسرائيلي في إغلاق الملفّ على ادعاءات فنّدها مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزّة ومركز عدالة في حيفا جملةً وتفصيلًا، وذلك عبر شهادات جمعها المركزان من شهود عيانٍ تواجدوا في الموقع وتوجّهوا على أثرها برسالةٍ عاجلةٍ للمدعي العسكري العام للجيش الإسرائيلي تطالب بفتح تحقيقٍ فوريّ بجريمة القتل النكراء.

 

وجاء من مركز الميزان ومركز عدالة أنّ "الشهادات التي جُمعت على لسان الشهود تؤكّد أن هذه المنطقة لم تكن منطقة عسكريّة، وذلك بعكس ما يدّعيه الجيش الإسرائيليّ في تقريره. هذا الموقع هو جزء من ميناء الصيّادين، وهو بمحاذاة استراحةٍ "الشراع" وإلى جوار عدد من الفنادق وقاعة للأفراح. في الشهادات التي جُمعت يظهر أن من كانوا يجلسون في الاستراحة أصيبوا هم أيضًا نتيجة الغارة ذاتها."

 

إضافةً لذلك، قدم مركز الميزان ومركز عدالة عددًا كبيرًا من التقارير الصحافيّة التي تؤكّد تواجد الصحافيين في الموقع الذي تعتبره إسرائيل "موقعًا عسكريًا". مصوّر صحيفة نيو يورك تايمز الحائز على جائزة بوليتس، تايلور هايكس قال لصحيفة الغارديان البريطانيّة أن الموقع "أبعد ما يكون عن أن يبدو مستخدمًا من قبل مقاتلي حماس". مصادر صحافيّة أجنبيّة تواجدت في الموقع لفترات زمنيّة طويلة أكّدت أنّ الموقع يُستخدم من قبل الصيّادين بشكلٍ دائم، ويمكن دخوله عبر الشاطئ العام للميناء."

 

كذلك شدد مركز الميزان ومركز عدالة على أنه "حتّى بالاعتماد على الادعاءات الإسرائيليّة الكاذبة، لا يُمكن إغلاق ملف التحقيق وتبرئة الجيش من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. إذ حتّى لو افتراضنا جدلًا وجود موقع عسكريّ في المكان، فذلك وحده لا يبرر القصف دون تمييز الشخوص المتواجدة في الموقع، خاصةً وقد اعترفت إسرائيل أنه في لحظة القصف لم تكن هناك أيّ أعمال قتاليّة تصدر عن هذا الموقع، وهو ما تشترطه قوانين الحرب الدوليّة." الاعتراف بعدم وجود أي عمليّات قتاليّة صادرة عن ذلك الموقع في لحظة القصف كفيل وحده، بحسب مركز الميزان ومركز عدالة، بتوجيه اتهامات للجيش الإسرائيلي بانتهاك القانون الإنساني الدوليّ.

 

كذلك، استنكر مركز الميزان ومركز عدالة ادعاءات الجيش الإسرائيلي بعدم قدرته تمييز الأطفال في مواقع القصف إذ اعتبرها المركزان ادعاءات "لا تمت للمنطق بصلة – فالجيش الإسرائيلي يمتلك قدرات تكنولوجيّة عالية تمكنه من التحقق من أدق التفاصيل على الأرض، ومع هذا فلم يكن الجيش بحاجة إلى هذه التقنيّات ليميّز أنّ أشخاص لا يبلغ طولهم، بحسب شهود عيان، متر وعشرين سنتيمتر بثياب صيفيّة قصيرة ودون أي سلاح، ليسوا مقاتلين من حركة حماس." كذلك استهجن المركزان "أن لا يستطيع الجيش الإسرائيلي، بكل قدراته وخبراته العسكريّة، أن يميّز بين حركة عبثيّة لأطفالٍ يلعبون وبين حركة مقاتلين يستعدّون لتنفيذ عمليّات قتاليّة."

 

كذلك أكّد مركز الميزان ومركز عدالة أنه من أصل أربعة شهود عيان قُدمت إفاداتهم للمدعي العسكري العام، لم يستدعي الجيش الإسرائيلي غير شاهد واحد ليُدلي بإفادته في حاجز إيريز وهو طفل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وفقاً لتقرير طبي أرسلت نسخة منه للمدعي العسكري، فيما لم يستدعى ثلاثة من الشهود أبدوا استعدادهم للإدلاء بشهادتهم. في تقريره يذكر الجيش الإسرائيلي أن الشهود الغزيين الذين تمّت دعوتهم للإدلاء بشهاداتهم رفضوا الحضور. تعقيبًا على هذا الادعاء، أكّد مركز الميزان ومركز عدالة أن "المصادر الصحافيّة الأجنبيّة تؤكّد أن أي من الصحافيين الأجانب الذين تواجدوا في موقع الحدث، صوّروا فيه وكتبوا عنه لم يتم استدعاءه للتحقيق. وهو ما يؤكد عدم نيّة الجيش الإسرائيلي الوصول إلى الحقائق." وأضاف المركزان أن "ما لا يذكره الجيش الإسرائيلي هو حجم المعاناة، التنكيل والملاحقة التي يتعرّض لها الفلسطينيّون في معبر إيريز من قبل الجيش الإسرائيلي – اعتقالات تعسّفيّة، تحقيقات لساعات وأيام طويلة، واستغلال لقدوم الفلسطينيين من أجل الضغط عليهم للتعاون مع المخابرات الإسرائيليّة. هذه ممارسات تقوم بها إسرائيل حتّى ضد المرضى الذين يخرجون من غزة لتلقي العلاج، فكيف يثق شهود العيان الفلسطينيّون بالجيش الإسرائيلي وهم سيدلون بإفاداتهم ضدّه؟"

 

بهذا الصدد أكّد مركز عدالة ومركز الميزان أن "خوف الشهود ورفضهم الإدلاء بشهاداتهم لدى الجيش الإسرائيلي يؤكد أن منظومة التحقيق الدوليّة المستقلّة هي وحدها القادرة على الوصول إلى حقيقة ما حدث في غزّة، وأن جهاز التحقيق الإسرائيلي تابع للجيش يفتقد الشفافيّة والاستقلاليّة كما يفتقد النزاهة والحياد."

 

وخلص تعقيب مركز الميزان ومركز عدالة إلى أنّ "الجيش الإسرائيلي استمع إلى نفسه وضرب بعرض الحائط الشهادات التي قدّمتها المؤسسات الحقوقيّة، كما تجاهل تمامًا عشرات الإفادات التي كتبتها الصحافة الأجنبيّة من موقع الحدث ولم يتكلّف دعوة الصحافيين للإدلاء بشهاداتهم. لا يُمكن لمن ارتكب جرائم حربٍ بهذه البشاعة أن يحقق هو بنفسه بهذه الجرائم – جهاز التحقيق الإسرائيلي مصاب بأعطابٍ جوهريّة، وتتناقض أعرافه مع أعراف القانون الدولي الإنساني."