عامان على العدوان على غزّة: 27 ملفًا في شبهات لجرائم حرب، صفر إدانات

السلطات الاسرائيلية لا تلتزم بالمعاببر الدولية الأساسية للتحقيق بالشبهات حول ارتكاب جرائم حرب

 

 

عامان على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، عدوان راح ضحيته 2,251 فلسطينيًا، غالبيّتهم العظمى من المدنيين العُزّل، ومنهم 299 امرأةً، و551 طفلًا. كما خلّف العدوان دمارًا هائلًا وهدمًا واسعَ النطاق لـ 18,000 بيتًا وعقارًا مدنيًا. قدّم عدالة -المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل بالشراكة مع مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزّة، سلسلة من الشّكاوى في 27 حالة الى السلطات الاسرائيلية مطالبين بفتح تحقيقات مستقلّة في شبهات انتهاك القانون الدوليّ والتي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال هذه العملية سعيًا لمحاكمة مرتكبي هذه الانتهاكات جنائيًّا.

 

وبالرغم من ذلك، يظهر التقرير الذي صدر مؤخراً بالشراكة بين مركز الميزان ومؤسسة عدالة، بأنه بعد عامين، لم يخلص جهاز التحقيق الإسرائيلي ولو بإدانةٍ واحدةٍ في 27 الملفّات التي قدّمها مركز عدالة ومركز الميزان. بعد عامين، لا زالت السلطات الإسرائيليّة تنظر بـ48 بالمئة من تلك، أو أنها لم تتكبّد عناء الردَ على هذه الشكاوى أصلًا. أما باقي القضايا، فقد أغلقت اغلبيتها من دون فتح تحقيق فيها. وكذلك يظهر التقرير بأن لم تقدم أي لائحة اتهام باي من الـ 107 ملفات الإضافية التي قدمها مركز الميزان.

 

وكذلك يظهر التقرير بأن إسرائيل لم تقم بفحص أي من الحالات وفقاً للمعايير الدولية للتحقيق: الاستقلالية، النزاهة، النجاعة، الفورية، والشفافية.  وأشار الى "أن إسرائيل غير مستعدة لإجراء تحقيقات حقيقيّة ومستقلّة بشبهات جرائم الحرب، كما أنها لا تنوي إجراء أي محاسبة كما يقتضي القانون الدوليّ. وقد استمر هذا الوضع رغم تشكيل الجيش الإسرائيلي آلية جديدة أطلق عليها "آلية تقييم وتقصي الحقائق" (FFA)، التي زعم أنها ستحسّن من عمليات التحقيق لدى الجيش".

 

تزعم إسرائيل بأن هذه الآلية، والتي تم تشكيلها بعد عدوان 2014، هي نتيجة جهودها لتطبيق التوصيات الواردة في تقرير اللجنة الحكوميّة "لجنة تيركل" عام 2013. وتهدف هذه الآلية للعمل بشكل دقيق وسريع في أقرب إطار زمني لتاريخ وقوع الحدث للتأكد من إجراء تحقيق سريع وفعال. مع ذلك فإن الآلية تعمل بطريقة غير شفافة وبطيئة جداً. في الواقع معظم الشكاوى التي تم تقديمها هي مجمدة في نطاق الآلية ((FFA.

 

في الحقيقة، ومن خلال هذه الحالات، يظهر لنا بأن اسرائيل وبشكل متعمد تضع العديد من العراقيل في وجه التحقيقات بهدف توفير الحماية لقواتها.

 

واحدة من الحالات البارزة التي شرع فيها الادعاء العسكريّ العام بالتحقيق هي حالة مقتل الأطفال الأربعة أبناء عائلة بكر أثناء لعبهم كرة القدم عند ميناء الصيّادين على شاطئ بحر غزّة. لقد حظيت هذه القضية باهتمام وسائل الإعلام والرأي العام العالميين، وذلك، خصوصًا، بسبب وقوعها بالقرب من فندق كان يقيم فيه عديد من الصحافيين الأجانب. خلال تحقيق الجيش الإسرائيليّ في الحادثة، لم يقم الجيش بجمع شهادات لا من الصحافيين ولا من الشهود الفلسطينيين الذين كانوا في الموقع وقت حدوث القتل. وقد أغلقت النّيابة العسكريّة العامّة هذا الملف في حزيران 2015، معتبرة أن المنطقة التي قتل فيها الأولاد كانت تعدّ هدفًا عسكريًا مبررًا. وفي آب 2015، قدم مركز عدالة ومركز الميزان استئنافًا ضد قرار المدعي العسكريّ العام بإغلاق الملف المذكور؛ وبعد مرور عام على الاستئناف، لم يزل هذا الاستئناف قيد المعالجة أمام المدعي العام في إسرائيل.

 

قبل تقديم الاستئناف، طالب كل من عدالة والميزان بالاطلاع على المواد التي تم اتخاذ القرار بناءً عليها. وبالرغم من العدد الكبير من الرسائل والمكالمات الهاتفية لم يتلقَ المركزان أي رد. وعليه، فقد قدّما هذا الاستئناف، وبعد تسعة شهور من ذلك، ادعى مكتب النائب العام بأن النّيابة العسكريّة على استعداد لكشف مواد معيّنة من ملف التّحقيق، وبأن على مركزي حقوق الإنسان أن يعيدا تقديم التماسهما بناءً على هذه المواد. ووفقًا لذلك، توجه كل من عدالة والميزان إلى المدعي العسكريّ العام والشرطة العسكريّة للمطالبة بالاطلاع على المواد، ولا زال الحال على ما هو عليه، فبعد شهرين من إطلاق تصريح المدعي العام، لم يتلق المركزان أي رد.

 

وفي حالة أخرى بارزة والتي أعلن النائب العام العسكري إغلاق ملف البحث فيها قبل أسبوعين، 24 آب 2016، تتعلق بهجوم إسرائيلي في محيط مدرسة تابعة لوكالة الأونروا في رفح، والذي قتل فيه 15 فلسطينيًا، بينهم 8 أطفال، وجرح فيه 25 آخرين.

 

في هذه الحالة اعتمدت آلية FFAM في مخرجاتها على تصنيف الحادث على أنه حادث عسكري دون إجراء تحقيقات ميدانية وقد أكد النائب العام العسكري على عدم ضرورة إجراء تحقيق. مع ذلك فإن نتائج التحقيق تتعارض مع نتائج لجنة التحقيق التابعة للأمم المتّحدة بشأن حرب 2014، حيث أظهرت نتائج التحقيق التي أجرتها لجنة التحقيق الأممية وتحقيقات مؤسسات حقوق إنسان دولية ومحلية بأن الاعتداء كان يتسم بعدم التمييز والتناسب. يوضح هذا التناقض الرئيسي الحاجة إلى إجراء تحقيق مستقل وفقاً للمعاير الدولية.

 

وحول هذه الحالة، كتبت لجنة التحقيق الأممية " استخدام هذا النوع من السلاح في محيط مدرسة تأوي مدنيّين تابعة للأونروا يحمل في طيّاته احتمالية عالية ليصل حد اعتباره هجمة عشوائية، ولذا فإنها، تبعا للظروف، قد تعتبر هجوما مباشرا ضد المدنيّين وعليه، فإنها قد ترقى إلى حد اعتبارها جريمة حرب". بالرغم من ذلك فإن النائب العام العسكري لم ير ضرورة بفتح تحقيق.

 

في المحصّلة، يُظهر التقرير أن إسرائيل لا تنوي إجراء تحقيقٍ جدّي وصادق في شبهات جرائم الحرب، ولا أن تُخضع مرتكبي هذه الجرائم للمحاسبة. بالحقيقة، فإن إسرائيل تتعمّد عرقلة التحقيقات بهدف حماية جيشها، وهي توفّر بهذا لجنودها وقيادتها حصانةً تامّة ومفرًا من العقوبة.