مجددًا: "ماحاش" تُعطي الضوء الأخضر لقتل العرب

المحامي محمّد بسّام: "أجهزة "تطبيق القانون" تُطلق النار عليه دون ذنبٍ، تمنع عنه الإسعاف الطبيّ وتتركه ينزف حتى الموت، تحتجز جثمانه وتمنع دفنه، تشوّه سمعته وتهدم بيته."

 

 

رغم خطورة توصيات وحدة التحقيق مع رجال الشرطة "ماحاش"  بعدم اتخاذ أي إجراء جنائيّ بحقّ رجال الشرطة المتورّطين بمقتل الشهيد المربّي يعقوب أبو القيعان من قرية أم الحيران، إلا أنّ وقعها لم يكن صادمًا ولا مفاجئًا بالنسبة للمجتمع العربيّ في إسرائيل. بالصورة المتجذّرة في أذهان المواطنين العرب، فإن مشكلة "ماحاش" ليست مسألة إخفاقات أو خلل هامشيّ قابل للإصلاح، إنما هي وحدة تجسّد سياسة التستّر على رجال الشرطة وإفشال الشكاوى وإخفاء المعلومات عن الجمهور.

إن القصّة المأساويّة ليعقوب أبو القيعان تحمل أبعادًا تبدو كأنّها اقتُبست عن مأساة يونانيّة يعجز بطلها عن تغيير قدره: أجهزة "تطبيق القانون" تُطلق النار عليه دون ذنبٍ، تمنع عنه الإسعاف الطبيّ وتتركه ينزف حتى الموت، تحتجز جثمانه وتمنع دفنه، تشوّه سمعته وتهدم بيته.

لم تتلقّ طلبات العائلة المتكررة لتلقّي معلومات من "ماحاش" حول مجريات التحقيق أي جوابٍ ذات قيمة. بالنسبة لماحاش، فإن أبناء عائلة أبو القيعان ليسوا جزءًا من القصّة ولا يستحقّون تلقّي أي معلومات حول موت عزيزهم. وهكذا، بعد ما يقارب عامًا منذ ذلك الصباح الأسود، تستنج "ماحاش" توصيتها المتوقّعة: الشرطة تصرّفت بشكلٍ لا لبس فيه.

ليس للجمهور العربيّ في إسرائيل أي ثقة في أجهزة تطبيق القانون، وأحداث أم الحيران تجسّد الحالة تمامًا، إذ لا يعود، في نقطة التماس مع قوّات الشرطة، أي قيمةٍ لدم وكرامة وأملاك المواطن العربيّ. إن التوصية بعدم تقديم أي من المسؤولين عن مقتل يعقوب أبو القيعان للمحاكمة معناها منح الضوء الأخضر لسياسة اليد الخفيفة فوق الزناد اتجاه المواطنين العرب. هذه السياسة هي التي أدّت لعدم تقديم أي شرطيّ مسؤولٍ للمحاكمة في أكثر من 55 حالة قتل لمواطنين عرب من قبل رجال الشرطة منذ العام 2000، وهي السياسة ذاتها التي وفّرت الحصانة الكاملة لرجال الشرطة الذين قتلوا 13 متظاهرًا شابًا خلال أحداث أكتوبر 2000. وبما يناقض توصيات لجنة أور، التي حققت بالأحداث وأكّدت أن إطلاق النار لم يكن قانونيًا، إلا أن "ماحاش" أغلقت هذه الملفّات الخطيرة أيضًا.

شكاوى كثيرة ومتكرّرة تصل إلى وحدة "ماحاش" بصدد عنف الشرطة، إلا أن هذه الشكاوى لا تلقى أي معالجةٍ ملائمةٍ وتُغلق ملفّات التحقيق فيها دون أن يُحاسب أي من المسؤولين. يثير اداء ماحاش أسئلة كثيرة حول استعدادها لتكون طرفًا مراقبًا ومهنيًا يعمل بوسائل مستقلّة، ناجعة وغير منحازة، للتحقيق في حوادث عنف الشرطة الخطيرة.

لا يمكن الفصل بين اداء وحدة "ماحاش" والخطاب السياسيّ العام الذي يُفرض مع كلّ حالة تماس بين مواطنٍ عربيّ وقوى الأمن. ففي وعي الجمهور الإسرائيليّ تم تجذير الصورة بأنّ أي تعامل مع مواطنٍ عربيّ من قبل رجال الأمن هو تعامل قانونيّ ومبرر، بحيث أنّه يحمي الدولة من قبل "العدو الداخليّ". فقد رافقت في حالة يعقوب أبو القيعان اتهامات واهية من قبل رؤوس جهاز "تطبيق القانون"؛ الوزير جلعاد أردان والقائد العام للشرطة روني الشيخ. دعايات التحريض والكذب ألقت المسؤوليّة في موت الشرطيّ إيريز ليفي على أبو القيعان وعلى أعضاء الكنيست العرب وعلى كل من تضامنوا مع النضال العادل لأهالي أم الحيران. إلا أنّ الحقيقة ظهرت لوجود عدد كبير من شهود العيان ووجود الكاميرات التي وثّقت الحدث، وأظهرت براءة أبو القيعان، وفنّدت كل ادعاءات الشرطة.

إن قرار "ماحاش" هو حلقة أخرى في سلسلة الأحداث العنصريّة والعنيفة التي ترتكبها المؤسسة الإسرائيليّة اتجاه أهالي قرية أم الحيران. بدءًا من القرار العنصريّ الذي اتخذته حكومة إسرائيل بهدم القرية العربيّة وتهجير أهلها من أجل إقامة بلدة لليهود فقط على أنقاضها، وصولًا إلى تواطؤ المحكمة العليا التي سمحت للدولة بالاستمرار في هذا الإجراء العنصريّ، ومن ثم الحصانة التي وفّرتها وحدة "ماحاش" لرجال الشرطة المسؤولين عن قتل الشهيد يعقوب أبو القيعان.

 

* الكاتب محام في مركز عدالة، يمثّل أهالي قرية أم الحيران في نضالهم ضد هدم البيوت، وقدّم بأسم عائلة أبو القيعان طلبًا لفتح التحقيق في ملابسات قتل الشهيد. نُشرت نُسخة عبريّة عن هذا المقال في صحيفة هآرتس.