انتخابات إسرائيليّة بين فأس ليبرمان وبندقيّة هرتسوغ

الانتخابات الأخيرة للكنيست العشرين وضعت من جديد التمثيل السياسي للفلسطينيين في الداخل بين فأس ليبرمان ومنظار سلاح هرتسوغ. أما رئيس الحكومة فلا يبدو في الأفق أنّه ينوي التنازل عن ورقته الرابحة: التحريض على المواطنين العرب.

 

قدّمت الانتخابات الإسرائيليّة للكنيست العشرين مسلسلاً سياسيًا لا تنقصه الدراما: مناورات إعلاميّة، تحوّلات سياسيّة، ومفاجآت عديدة انتهت إلى تفوّق حزب الليكود، خلافًا لكلّ التوقّعات والاستطلاعات، على المعسكر الصهيونيّ المحسوب على يسار الخارطة السياسيّة في إسرائيل. بموازاة ذلك، لازم الانتخابات مسلسل تحريض عنصريّ ضد المواطنين العرب، وكان له دورًا محوريًا في مجرياتها ونتائجها. سلسلة من رسائل التخويف والتهديد، التحريض ونزع الشرعيّة عن المواطنين العرب وتمثيلهم السياسيّ، رسائل تأسست عليها الانتخابات برمّاتها، ولم تنته حتّى ساعة إغلاق صناديق الاقتراع.

 

> لقراءة المقال بصيغة PDF…

 

لا يمكن تجاهل الحقيقة بأن الانتخابات التي أُعلنت على أثر حلّ الحكومة الإسرائيليّة السابقة في كانون أوّل 2014، انطلقت وبخلفيّتها تعديل قانون انتخابات الكنيست ورفع نسبة الحسم من 2% إلى 3.25%، وهو تعديل هدف بالأساس إلى تضييق التمثيل السياسي للأحزاب العربيّة الأربعة التي نافست في الدورات الانتخابيّة السابقة كلّ منها على حدة. رفع نسبة الحسم سدّ أي إمكانيّة لمنافسة الأحزاب السياسيّة بشكلٍ منفصل، الأحزاب العربيّة من جهتها، وجدت أن تتحدّى رفع نسبة الحسم بخوض الانتخابات الكنيست بقائمة مشتركة مؤلّفة من الأحزاب الأربعة، رغم الاختلافات الأيديولوجيّة بينها. مركز عدالة ادّعى أمام المحكمة العليا أنّ رفع نسبة الحسم "يمسّ بالحق في الترشّح والانتخاب، إذ انه يفرض على الأحزاب التوحّد قسرًا، وأنه تعديل يعكس فرض الأغلبيّة اليهوديّة في الكنيست إرادتها على الحقوق السياسيّة للأقليّة العربيّة. رغم ذلك، رفضت المحكمة العليا الالتماس ضدّ تعديل القانون.

 

بعد أن توحدت الأحزاب السياسيّة العربية الأساسية الأربعة بقائمة مشتركة واحدة، تحوّلت هذه القائمة إلى مرمى موحد لسهام العنصريّة. في مناظرةٍ عبر القناة الإسرائيليّة الثانية قال وزير الخارجية السابق افيغدور ليبرمان: "لا يوجد أي فرق بين شيوعيين وإسلاميين وناصريين، ما يوحّدهم هو كراهيّة دولة إسرائيل، وهم يمثّلون منظّمات إرهابيّة في الكنيست" مهاجمًا توحّد القوائم، متناسيًا بهذا أنه كان شريكًا مركزيًا في رفع نسبة الحسم التي دفعت بالأحزاب العربيّة إلى الزاوية ولم تبق أمامهم أي بديلٍ آخر للمنافسة. ولم يكن تصريح ليبرمان مجرّد جملةٍ عابرة...

 

قبل أن تُعلن القائمة المشتركة عن ترشيحها، كانت الأحزاب اليمينيّة في الكنيست قد أعلنت عن نيّتها تقديم طلبات لشطب القائمة المشتركة وشطب مرشّحين منها. وبالفعل، بعد تقديم القائمة بساعات قليلة اندفع حزب الليكود، حزب يسرائيل بيتينو وآخرين بتقديم طلبات لشطب القائمة المشتركة وشطب ترشيح النائبة حنين زعبي. جلسة لجنة الانتخابات للبتّ في طلبات الشطب تحوّلت إلى مهرجانًا عنصريًّا مهينًا من الدرجة الأولى وتضمّنت تصريحات وتعابير مروّعة من قبل السياسيين الإسرائيليين الذين منعوا زعبي عشرات المرّات من إتمام خطاب دفاعها ضد طلبات الشطب. "إرهابيّة" و"مخرّبة" و"أيديها ملطخة بالدماء"، هكذا كانت معظم تصريحات ممثلي أحزاب اليمين، عدى عن الإهانات الذكوريّة الشوفينيّة المقززة التي وُجّهت لزعبي على أساس كونها امرأة وحتى على أساس ما ترتديه من ملابس. ذروة العنصريّة في جلسة اللجنة قدّمها لنا المستشار القضائي لحزب الليكود حين قرأت النائب زعبي جملةً باللغة العربيّة، حيث قال: "أخشى أنها ستصرخ الآن "الله أكبر" ثم نسمع صوت انفجار!". مركز عدالة اضطرّ لتمثيل حنين زعبي أمام المحكمة العليا وإقناع هيئة موسّعة من القضاة بعدم المصادقة على قرار لجنة الانتخابات إلغاء ترشيحها.

 

لم ينتهي مسلسل التحريض العنصريّ على التمثيل السياسي للعرب عند هذا الحد. لا زلنا في بداية الطريق. أطلق ليبرمان حملة انتخابيّة كاملة عنوانها "حنين إلى جنين" قاصدًا بذلك وجوب تهجير النائبة حنين زعبي إلى الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة وسحب مواطنتها. لكنّ الحقّ يُقال في هذا المجال أن ليبرمان لا يملك موقفًا شخصيًا من حنين زعبي، إنما موقفًا من المواطنين العرب بشكل عام، فقد كان الشعار الثاني في حملته الانتخابيّة: "أم الفحم إلى فلسطين" قاصدًا بذلك سحب المواطنة من أهالي مدينة أم الفحم – ثالث أكبر مدينة عربيّة داخل إسرائيل وعدد سكّانها 52 ألف مواطن. في مناظرة القناة الثانية قال المرشّح الأوّل عن القائمة المشتركة أيمن عودة: "نحن العرب في إسرائيل نشكّل 20% من المواطنين"، فكان ردّ ليبرمان: "حاليًا..."

 

أما المرشح اليميني المتطرف باروخ مارزل فآثر أن يؤسس حملته الانتخابيّة على شعارٍ يحرّض شخصيًا ضد النائبة حنين زعبي: "سنمسح الابتسامة عن وجهها" كان شعاره، ومؤيّدو الأحزاب اليمينيّة سارعوا لتلبية النداء. في الثالث من آذار، أسبوعين قبل الانتخابات، حضرت النائبة حنين زعبي إلى ندوة سياسيّة في مركزٍ أكاديميّ في مدينة رامات غان، حيث كانوا في انتظارها نشطاء من أحزاب اليمين الإسرائيليّ قاطعوا حديثها، هاجموا المنصّة وأحدهم رشق زعبي بما تناولت يده، لحسن حظ زعبي، كانت تلك مادة سائلة. لكنّ حسن الحظ لدى زعبي لم يكن ذاته لدى مستشارتها الإعلاميّة إيميلي مواطي، التي ترافق زعبي منذ شهور. بعد خروجهم من المركز الأكاديمي، هاجم نشطاء يمينيّون إيميلي، وأصابوها هذه المرّة بقضيبٍ حديديّ، إصابةً وقعت في رأسها ونُقلت مواطي على أثرها لتلقّي العلاج في المستشفى. باروخ مارزل عبر صفحته في فيسبوك كتب: "وعدنا، أوفينا، سنستمر..."

 

حتّى وإن كانت تصريحات ليبرمان هي الأكثر تطرّفًا وبشاعة – مثل تصريحه متطرقًا للمواطنين العرب "من يقف ضدّنا فعلينا أن نرفع فأسًا ونقطع رأسه" – إلا أن هذه التصريحات لا تعبّر عن توجّهات نادرة ومتطرّفة. نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي تطرّق إلى الأقليّة العربيّة قائلاً: "من تجوّل مؤخرًا في النقب يعرف أنه لا يستطيع أن يترك سيّارته بجانب أحد الجداول المائيّة، فسيتم اقتحامها وسرقتها، وكذلك الأمر في بيتح تكفا والجليل." أما رئيس حزب "كولانو" موشيه كحلون، ورغم اعتماد حزبه على أجندة اجتماعيّة واقتصاديّة، فقد صرّح أسبوع قبل الانتخابات بأنه "لن يجلس في حكومة تعتمد على العرب"، أمّا تيار اليسار في إسرائيل، بقيادة هرتسوغ، وبعد أن كال اليمين اتهامات لهرتسوغ بأنه تنقصه القوّة ليكون قائدًا حقيقيًا، فقد أصدر المعسكر الصهيوني بقيادة هرتسوغ إعلانًا يُظهر فيه قوّة القائد عبر حديث رفاقه في الخدمة العسكريّة. دعاية انتخابيّة يقولون فيها: "هرتسوغ يعرف نفسيّتهم، لقد رأى عربًا من خلال منظار السلاح".

 

هكذا، على مدى أسابيع طويلة، تشكّلت حملة انتخابيّة تتخذ التحريض على العرب ركيزةً أساسيّة لزيادة الشعبيّة السياسيّة. هكذا تحوّل المواطنون العرب إلى تعبيرٍ عن خطرٍ إضافيّ يُضاف إلى سلسلة التهديدات التي تستخدمها الأحزاب الإسرائيليّة لدبّ الرعب في مواطنيها: النووي الإيراني، أنفاق حماس، صواريخ حزب الله... والناخبون العرب. بهذه الأجواء؛ وصلنا يوم الانتخابات.

 

لكنّ هناك عمليّة إضافيّة تشكّلت بسريّة تامّة على مدار هذه الأسابيع، بعيدًا عن كاميرات الإعلام وبعيدًا عن صفحات الفيسبوك. ساغي كايسلر، يشغل منصب المدير العام "للجنة مستوطني السامرة" التي تمثّل البؤر الاستيطانيّة في الضفّة الغربيّة. في هذه الانتخابات تفرّغ كايسلرـ بتفويضٍ من حزب الليكود، يسرائيل بيتينو، والبيت اليهودي، وبأمر من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصيًا، لتنظيم 1500 مستوطنًا ليراقبوا سير الانتخابات في القرى والمدن العربيّة. خشية على شفافيّة ونزاهة الانتخابات؟ يبدو أن الأمر أبعد من ذلك، بحسب ما جاء على لسان كايسلر في تقرير للقناة الثانية: "أينما وجدت قرى عربيّة، يوجد تزوير. هذه طريقة عملهم، هم يفعلون ذلك حتّى في الانتخابات المحليّة، هذا ليس ضدّ الدولة، لكن هذا طبعهم. (...) القائمة المشتركة توحّدت لكي تجتاز نسبة الحسم، ولكن بالأساس لأنها توحّد أطراف شرّيرة من أجل إسقاط يمين الخارطة السياسيّة (...) نحن في معركة على مستقبل دولتنا، ضد العرب، ضد الأوروبيين وضد بعض القوى الأمريكيّة". لحمايتهم، خصص المستوطنون، بشكلٍ غير قانونيّ، فريقًا يضمّ بعض المسلّحين بالرصاص الحيّ، كما يضمّ من يحملون عبوات الغاز المسيل للدموع، عصي للضربات الكهربائيّة، وغيرها، كما يضمّ مستعربين يتجوّلون بين صناديق الاقتراع. هذا كلّه، بحسب تقرير القناة الثانية ودون إنكار الأحزاب اليمينّية، بإشرافٍ مباشرٍ من عضو الكنيست عن حزب الليكود ياريف ليفين، أقوى المرشّحين حاليًا لتولّي منصب وزارة القضاء.

 

وبينما تجوّل هؤلاء المسلّحون في القرى والمدن العربيّة يوم الانتخابات، وبعد مسلسلٍ شنيعٍ ومُروّع من التحريض العنصريّ على الأقليّة العربيّة داخل إسرائيل، اختار رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يُنهي المعركة الانتخابيّة على طريقته، وأن يحدث انقلابًا بالنتيجة يجهض توقّعات المحللين والإعلاميين، وأصدر عبر صفحته في فيسبوك تسجيلًا مصوّرًا يقول فيه حرفيًا: "إن العرب يتحرّكون بكميّات نحو صناديق الاقتراع..." تهديدًا، يبدو بامتحان النتيجة، أنه كان ناجحًا.

 

الانتخابات الأخيرة للكنيست العشرين وضعت من جديد التمثيل السياسي للفلسطينيين في الداخل بين فأس ليبرمان ومنظار بندقية هرتسوغ. أما رئيس الحكومة فلا يبدو في الأفق أنّه ينوي التنازل عن ورقته الرابحة: التحريض على المواطنين العرب. فاز من فاز وخسر من خسر في هذه الانتخابات، فإن ورقة العنصريّة، هي المنتصرة بالتأكيد.

 

ملفات متعلقة: