رأي خبير: بروفيسور سامي سمّوحة حول شطب الأحزاب العربيّة

بروفيسور سامي سموحة | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 99، كانون أوّل 2012
شطب حزب عربي سيُعتبر تجاوزًا للخط الأحمر من جانب الدولة ومن شأن ذلك ان يحرر من عوائق تجاوز الخطوط الحمراء من الطرف الآخر

 

 

بروفيسور سامي سموحة | مجلة عدالة الإلكترونيّة، العدد 99، كانون أوّل 2012


اسم الخبير: سامي سموحه

 

 

مكان العمل: متقاعد

 

أنا الموقع أدناه، طلب منّي مركز "عدالة - المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل" أن أبدي رأيي المهني بخصوص "أبعاد شطب حزب عربي أو مرشح عن حزب عربي في انتخابات الكنيست الـ19".

 

أقدم رأيي هذا بدلاً عن شهادة في المحكمة، وأصرّح أنني أعلم جيدًا أن رأيي هذا، الموقّع من قبلي، حكمه كحكم الإفادة المشفوعة بالقسَم المقدّمة للمحكمة، وذلك حين يدور الحديث عن أحكام القانون الجنائي بشأن الإفادة المشفوعة بالقسم الكاذبة في المحكمة.

 

تفاصيل ثقافتي وعلمي
- دكتور في علم الاجتماع متخرج من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.
- بروفسور في علم الاجتماع متقاعد من جامعة حيفا.

 

تفاصيل تجربتي
- خبير في العلاقات العربية اليهودية في إسرائيل من منظور مقارن.
- خبير في العلاقات بين الأقلية والأغلبية والشروخ الاجتماعية.
-  باحث في شؤون المجتمع الإسرائيلي.

 

وهذا هو رأيي:

أبعاد شطب حزب عربي او مرشح من قِبله لانتخابات الكنيست الـ19

 

 

خلاصة

شطب حزب عربي أو عدم مشاركته في الانتخابات للكنيست بسبب شطب مرشح من قبله قد يدفع هذا الحزب إلى دعوة العرب إلى مقاطعة الانتخابات ومن شأنه أن يقوي نزعة انخفاض مشاركة المواطنين العرب في انتخابات الكنيست وأن يخفض تمثيلهم في الكنيست إلى درجة كبيرة، وأن يقلّل ثقتهم بالنظام الديمقراطي وبالكنيست وأن يحثّهم على الابتعاد أكثر عن السياسة البرلمانية وأن يدفع القيادة العربية والجمهور العربي إلى اعتبار هذه الخطوة تجاوزًا لخط أحمر من جانب الدولة في تعاملها معهم، وأن يولّد الاضطراب والانفجارات.  الشرخ السياسي في إسرائيل سيتفاقم لأن معسكر الوسط - اليسار الذي تعتبر الأحزاب العربية جزءًا منه سوف يَعتبر الشطب مؤامرة سياسية لإضعافه. وهذه التطورات ستمسّ شرعية نظام الحكم وصورة إسرائيل في البلاد وفي أرجاء العالم. ورغم أنها الشرخ العامودي القائم بها، فقد حافظت إسرائيل حتى الآن على الهدوء والاستقرار النسبي في العلاقات العربية - اليهودية في داخلها، ولكن الشطب السلطوي لجسم عربي ممثل قد يعجّل في التدهور المتزايد في هذه العلاقات منذ قتل رابين، وبشكل خاص منذ أحداث أكتوبر عام 2000.

 

العلاقات بين العرب واليهود في إسرائيل

إسرائيل هي مجتمع مشروخ عاموديًا تعيش فيها أقلية عربية تؤسس مجتمعًا منفصلاً عن الأغلبية اليهودية، وهي ليست شريكة في السلطة، وتتركز في الطبقات الدنيا، وتواجه التمييز ضدها في مجالات الحياة المختلفة ومعارِضة لأيديولوجيا الدولة ولليهود. المواطنون العرب في لغتهم وحضارتهم وهويتهم وتراثهم، هم جزء من الشعب الفلسطيني والعالم العربي اللذين لا يزالان في مواجهة، عنيفة أحياناً، مع إسرائيل. وهم يعتبرون أنفسهم سكان البلاد الأصليين وأصحاب حقوق في البلاد ولكنهم لا يسيطرون عليها. ويسود عدم ثقة أساسيّ بينهم وبين اليهود والدولة. ومثل هذا الوضع قد أدى إلى حروب أهلية وفوضى في مجتمعات أخرى مثل سريلانكا، إيرلندا الشمالية، صربيا - الهرسك، صربيا - كوسوفو، تركيا، السودان، والعراق.

 

ومنذ مقتل رابين ساءت باستمرار العلاقات بين العرب واليهود. وتعتبر فترة حكومة رابين الثانية بمثابة العصر الذهبي لهذه العلاقات. اتفاقيات أوسلو وإلغاء جزء من التمييز ضد العرب والتعامل باحترام تجاه القيادة والجمهور العربي زرعت إحساسًا في صفوف المواطنين العرب بولادة شرق اوسط جديد، وبأن مكانتهم في إسرائيل أصبحت افضل وأن ذلك يستحق الاستكمال. لقد وضع قتل رابين حدًا لأحلامهم وللسياسة الخارجية والداخلية التي أحسنت إليهم، وكانت خيبة أملهم من حكومة باراك شديدة جدًا، وهي حكومة اعتبروها مكملة لحكومة رابين. أحداث أكتوبر عام 2000 لم تكن فقط تعبيرًا عن قمع الاحتجاج على أيدي الشرطة، بل أيضًا تعبيرًا عن تحطم الآمال التي نمّتها حكومة رابين. ومنذ ذلك الحين لا يزال التدهور في العلاقات بين العرب واليهود مستمرًا نتيجة للضائقات الاقتصادية المتراكمة والجمود السياسي وحرب لبنان الثانية والحربين مع غزة. ومنذ عام 2009 هناك مشاريع قوانين كثيرة وقوانين عديدة يعتبرها العرب موجّهة ضدهم وضد الديمقراطية.

 

ورغم عمق الشرخ والتدهور يسود منذ أواسط سنوات التسعينيات الهدوء شبه المطلق في العلاقات بين الأقلية والأكثرية في إسرائيل، وفي داخل الخط الأخضر ينعدم العنف تقريبًا بين العرب واليهود، ولا يوجد عنف بين العرب والدولة. العرب لم يتحولوا إلى طابور خامس ولم ينضموا إلى الانتفاضات الفلسطينية ولم يشرعوا في عصيان شعبيّ ولم يقوموا بنشاطات تخلّ بالنظام والأمن العام. فهم يشاركون في بناء البلاد وفي الحياة العامة ولا يتآمرون لتدمير الدولة. الهدوء والاستقرار في العلاقات يكشفان تعقيدات التعايش العربي اليهودي في إسرائيل، فإلى جانب العوامل التي تُبعد العرب عن اليهود وعن الدولة تعمل عوامل قوية مقرّبة، تشمل إمكانية ممارسة نمط حياة عصري وخدمات ومخصصات دولة الرفاه وسيادة القانون والحماية الأساسية لحقوق الإنسان وعملية الأسرلة التي تجعل العرب ثنائيي اللغة وثنائيي الحضارة وأصحاب طموحات مقبولة في إسرائيل وأصحاب توقعات بالحصول على معاملة مساوية لمعاملة اليهود. الأسرلة تغيّر معنى فلسطنة المواطنين العرب حيث أنها تجعلهم جزءًا استثنائيًا من الشعب الفلسطيني الذي يعيش في إسرائيل، ووضعه ومصيره ومستقبله مرتبطون بها، وهم متأثرون جدًا برفاهيّتها وتوتّراتها. ونتيجة لذلك أصبح المواطنون العرب معنيّين بوجود وسلامة وازدهار دولة إسرائيل.

 

ومن العوامل الموحّدة أيضًا الاتفاق الواسع بين اليهود والعرب حول شروط التعايش في إسرائيل والتي تشمل حل الدولتين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والولاء للدولة والمساواة المدنية والإعفاء من واجب الخدمة العسكرية ومنح الحقوق الجماعية الإثنية (اللغوية والثقافية والدينية) والاندماج بدون الانصهار. ولكن لبّ بؤر التماسك والثبات في العلاقات بين العرب واليهود في النظام الديمقراطي الذي يوفر للعرب الحقوق الفردية والجماعية التي تمكنهم من الانخراط في الحياة العامّة ومن خوض نضال جادّ، وبدون قمع سلطويّ، من أجل خدمة أهدافهم الوطنية - إلغاء التمييز والإقصاء، موازنة طابع الدولة والتأييد المدني غير العنيف لإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل. ولولا ممارسة المواطنة الإسرائيلية، ولولا وجود الديمقراطية لجرى شطب الخط الأخضر ولتلاشى جدًا الفرق في سلوك الفلسطينيين على جانبيه.

 

الاطمئنان والاستقرار النسبي يتحققان أيضًا بفضل محافظة الدولة والأقلية العربية على الخطوط الحمراء. كل طرف يمتنع عن اتخاذ خطوات يعتبرها الطرف الآخر خطيرة وانتهاكًا شديدًا لطريقة العيش التي تبلورت بينهما. تجاوز الخط الأحمر من قبل طرف قد يؤدي إلى ردّ  فعل شديد او تجاوز للخط الاحمر من قبل الطرف الآخر. العرب لا يتجندون "للمقاومة الفلسطينية" ضد إسرائيل ولا يمارسون استخدام الإرهاب ولا يشجعونه ولا يشوشون النظام العام ولا يقاطعون إسرائيل ولا ينسحبون من السياسة البرلمانية ولا يحوّلون لجنة المتابعة العليا إلى "برلمان عربي" من خلال إجراء انتخابات عامّة لها، ولا يشنون الحملات ضد إسرائيل في الخارج. ومن طرفها لا تمسّ الدولة الحقوق الأساسية للعرب، ولا تنفذ مصادرة أراضي العرب على نطاق واسع، ولا تفرض الحكم العسكري على المناطق العربية ولا تُخرج عن القانون أحزابًا أو حركات وطنية عربية ولا تمنع الاحتجاج العربي ولا تستخدم القوة لإسكاته، ولا تفرض واجب الخدمة العسكرية أو المدنية، ولا تقلّص إلى الحد الأدنى التوجهات إلى المحكمة العليا. فاللعبة الديمقراطية تعرّف وتحدّد وتبرز هذه الخطوط الحمراء المتبادلة.

 

السياسة العربية في إسرائيل

 

بفضل الديمقراطية الإسرائيلية تطورت سياسة عربية يديرها عدد من الأحزاب العربية احدها حزب عربي - يهودي وحزب آخر قومي مع مركّب إسلامي والحزب الثالث قومي صافٍ. هذه الأحزاب أحزاب معارضة دائمة، لا تُدعى، وهي غير مستعدّة لأسباب إيديولوجية، للمشاركة في الائتلافات الحكومية. الناخبون العرب الذين صوّت 82% منهم عام 2009 لهذه الأحزاب لا يحصلون على مقابل حقيقي لتصويتهم - لا تغيير في السياسة ولا تأثير على توزيع الميزانيات ولا إحساس بالشراكة في السلطة وفي الدولة. لذلك حدث انخفاض مستمرّ في نسبة التصويت لدى العرب وصل حده إلى نسبة 53% في الانتخابات الأخيرة وذلك مقارنة مع نسبة التصويت العامة في البلاد والتي بلغت 65% وهذه النسبة تقدر بحوالي 75% من أصحاب حق الاقتراع اليهود الذين يعيشون بصورة دائمة في إسرائيل.

 

عملية تدهور العلاقات العربية - اليهودية تظهر في تدنّي شرعية النظام السياسي في نظر العرب. فالاستطلاعات الممثلة التي أجريها سنويًا على السكان العرب البالغين تشمل معطيات تدلّ على ذلك. على سبيل المثال 63.4% من العرب أعربوا عام 2011 عن خوفهم من "المسّ الخطير" بحقوقهم. نسبة العرب الذين يؤمنون بأن "نظام الحكم في إسرائيل هو ديمقراطي للعرب أيضًا رغم نواقصه" انخفضت من 63.1% عام 2003 إلى 55.8% عام 2011، وارتفعت نسبة المؤيدين لمقاطعة انتخابات الكنيست كوسيلة شرعية للنضال من 32.8% إلى 40.3% في العامين المذكورين. كما ارتفع عدم الثقة بالكنيست من 58.3% إلى 64.6% في السنتين المذكورتين. وانخفضت نسبة العرب الذين سيصوّتون مع "الاستفتاء العام على دستور يعرّف إسرائيل بانها دولة يهودية وديمقراطية وتضمن حقوق المواطنة الكاملة للعرب" من 70.9% عام 2006 إلى 57.4% عام 2011.

 

وبالرغم من تآكل الثقة بالنظام الديمقراطي الإسرائيلي فإن هذه المعطيات تُظهر أنه لا تزال هناك أغلبية في صفوف المواطنين العرب لديها الثقة والالتزام تجاه العملية الديمقراطية. الجمهور العربي يُبدي أيضًا توجّهًا واقعيًا بالنسبة لمكانته كأقلية في إسرائيل. فقد أظهر الاستطلاع عام 2011 أن 57.7% من العرب يسلّمون بأن إسرائيل هي دولة ذات أغلبية يهودية، كما بيّن أن 56.6% مسلّمين بأن اللغة العبرية هي اللغة السائدة في الدولة و51.1% يسلّمون بأنها دولة ثقافتها إسرائيلية - عبرية و57.9% يسلّمون بأنها دولة يوم السبت هو يوم الراحة فيها. 68.3% من العرب يفضلون العيش في إسرائيل على العيش في أي دولة أخرى في العالم. هذا التسليم هو قبول للواقع الإسرائيلي الذي يضطر العرب إلى التكيف والانسجام وهو ليس تبريرًا للرسالة الصهيونية للدولة. ففي حين يسلّم 56.6% منهم ، كما ذكرنا، بالأغلبية اليهودية فإن 63.5% من العرب يعتقدون أن استمرار إسرائيل بالاحتفاظ بأغلبية يهودية لا مبرّر له. وتظهر براغماتية الجمهور العربي أيضًا في استطلاع عام 2011 حيث أعربت أغلبية بنسبة 73.5% عن رغبتها بان "تنضمّ الأحزاب العربية إلى الائتلاف الحكومي" وهي نسبة منخفضة مقارنة مع النسبة التي بلغت 80.7% عام 2003. كما تؤيد أغلبية العرب خوض انتخابات الكنيست في قائمة مشتركة للأحزاب العربية افتراضًا منهم بأنها ستزيد تمثيل وتأثير العرب على السلطة الحاكمة.

 

وينعكس الالتزام العربي بالديمقراطية في نشاطات القيادة العربية التي يعتبرها اليهود مرفوضة. وهكذا على سبيل المثال، في وثائق التصور المستقبلي عبّر الأكاديميون ورجال الفكر العرب عن نقد شديد لإسرائيل بصفتها دولة يهودية غير ديمقراطية ولكنهم لا يهددون بتوجّه العرب إلى وسائل غير ديمقراطية إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم؛ تصورهم أيضًا محصور في إسرائيل ضمن نطاق الخط الأخضر ولا يشمل الدولة الواحدة من البحر إلى النهر؛ القيادة العربية تخوض حملة قوية جدًا ضد الخدمة المدنية من قِبل الشباب العرب، وهي تقوم بذلك بطرق ديمقراطية وتمتنع عن التحريض ضد المتطوعين والدعوة إلى مقاطعتهم.

 

النتائج المحتملة لشطب حزب عربي أو مرشح عنه

 

ثمة أساس معقول للافتراض أن شطب مرشح عربي للكنيست بدون إدانة في المحكمة بارتكاب جريمة تتعلق بأمن الجمهور أو أمن الدولة سيؤدي إلى عدم المشاركة في الانتخابات من قبل الحزب العربي المدرج هذا المرشح في قائمته في موقع له فرص في النجاح، ولذلك فإن شطب المرشح متساوٍ مع شطب القائمة نفسها، وذلك لأن الشطب لن يقبله هذا الحزب وترفضه الأحزاب العربية الأخرى وكذلك الجمهور العربي الواسع. ويمكن ان يكون لهذا الشطب عدة نتائج جدّية.

 

المسّ المباشر والفوريّ سيكون من "نصيب" الجمهور العربي. سيجري المسّ بحقه في أن يَنتخب ويُنتخَب. الحزب الذي يُشطب أو لا يشارك في الانتخابات قد يدعو السكان العرب إلى مقاطعة الانتخابات، وستكون هناك استجابة كبيرة لهذه الدعوة، وبذلك تحفز نزعة الانخفاض في نسبة التصويت العربي. من الصعب تقدير الانخفاض المتوقع ولكن سيتولد في جميع الأحوال وضع جديد لأول مرّة منذ قيام الدولة تمارس فيه فقط الأقلية من بين أصحاب حق الاقتراع العرب الحق في التصويت للكنيست (وتجدر الإشارة مرّة أخرى إلى أن 53% فقط كانوا قد شاركوا في الانتخابات عام 2009). وكانت هناك سابقة معيّنة لهذا الأمر حيث امتنع عن التصويت 82% من العرب في انتخابات رئاسة الحكومة عام 2001. لقد استجابوا لنداء عدم التصويت لباراك المسؤول في نظرهم عن مقتل 13 متظاهرًا عربيًا خلال أحداث أكتوبر عام 2000. الدعوة للمقاطعة ستؤدي هذه المرّة إلى انخفاض كبير في التمثيل العربي في الكنيست.

 

هذا التطور من شأنه ان يعجّل على المدى الطويل التدهور في علاقات العرب مع الدولة. ومن المحتمل ان يحدث في صفوف السكان العرب انخفاض كبير في الثقة بالديمقراطية ويحلّ اليأس من السياسة البرلمانية والتراجع عنها نحو التركيز على السياسة خارج البرلمان وتصعيد النضال. وفي نظر جزء غير ضئيل من النخبة والجمهور العربيين فإن شطب أو عدم مشاركة حزب عربي في الانتخابات سيُعتبران تجاوزًا للخط الأحمر من جانب الدولة ومن شأن ذلك ان يحررهم من عوائق تجاوز الخطوط الحمراء من طرفهم. وعملية تسليم المواطنين العرب بالطابع اليهودي للدولة، ولكن ليس باهدافها الصهيونية، ستتوقف. وهكذا من المحتمل ان ينهار التعايش الدقيق والهدوء والاستقرار النسبيّ -  تلك الخصائص المميزة للعلاقات العربية اليهودية منذ قيام الدولة.

 

الانخفاض الكبير في نسبة تصويت العرب للكنيست يمسّ الكتلة المانعة من المركز واليسار والتي تعتبر الأحزاب العربية جزءًا منها. وسيعتبر هذا المسّ مؤامرة يمينيّة ولن يُقبل كأمر شرعيّ. الشرخ السياسي الحاد أصلاً يزداد حدّة. وسيزداد النقد في البلاد والخارج للديمقراطية الإسرائيلية باعتبارها قائمة على استبداد الأغلبية ومفتقرة إلى نظام كوابح وتوازنات مناسب، وسيقلّص هذا النقد شرعية دولة إسرائيل. عدم التوازن بين الطابع اليهودي والطابع الديمقراطي للدولة سيزداد خطورة وسيؤدي إلى اغتراب وخيبة أمل شديدة لدى الأوساط الواسعة في الجمهور اليهودي التي "تتبنى" الخطاب الديمقراطي والليبرالي والمساواتي والإنساني ضمن إطار الدولة اليهودية والديمقراطية.

 

إسرائيل بحاجة إلى رأب الشرخ العميق بين المواطنين العرب واليهود. إن عدم مشاركة حزب عربي في انتخابات الكنيست بسبب الشطب السلطوي هو تراجع خطير عن الديمقراطية ومسّ قويّ بالتعايش اليهودي - العربي. تعميق الشرخ واستمرار التدهور في العلاقات العربية - اليهودية سيساهمان أيضًا في تعاظم التدهور المتكرر الذي نعيشه وسيؤدي ذلك إلى إبعاد اليهود مرّة أخرى عن السعي إلى تقريب العرب إلى الدولة والسعي وإلى تحقيق المساواة المدنية وإشراك العرب في السلطة والعزم على دمج الأحزاب العربية في الائتلافات الحكومية والسعي إلى المحافظة على الهدوء والاستقرار في علاقات الأقلية مع الأغلبية، وتحسين جودة ومناعة الديمقراطية وتشكيل الإسرائيلية المشتركة.

 

ملفات متعلقة: