نعم لشطب لجنة الانتخابات

صلاح محسن | مجلة عدالة الالكترونيّة، شباط 2015
 

لجنة الانتخابات، التي تنظر في طلبات شطب أحزاب ومرشحين عرب ومنعهم من خوض انتخابات الكنيست،  أصبحت في السنوات الأخيرة محفلاً تافهًا بل مهينًا. أحزاب ومرشحون عرب يضطرون المرة تلو المرة، وقبل كل جولة انتخابية منذ العام 2003، إلى المثول أمام لجنة مكونة من نشطاء سياسيين هامشيين تابعين لأحزاب تمثل الأغلبية، ليثبتوا أنهم يستحقون المشاركة في انتخابات الكنيست. والأسوأ من الإجراء ذاته، الذي يشكل استمرارًا لمحاولات الأغلبية في هذه الدولة التضييق على العمل السياسي للأقلية العربية الفلسطينية، هو الجو العنصري البغيض الذي يسود هذه الجلسات، والسيل المستمر من التفوهات والملاحظات العنصرية التي يتعرض لها ممثلو الأحزاب العربية منذ دخول قاعة الجلسة حتى خروجهم منها. في دولة ديمقراطية، يجب أن يشكل مجرد إسماع هذه الملاحظات والتفوهات والاتهامات العنصرية سببًا كافيًا لإبعاد الشخص من اللجنة وتقديمه لمحاكمة جنائية.

 

كمن تواجد في جميع "جلسات الشطب" في لجنة الانتخابات منذ العام 2003، استطيع أن أجزم أن  لجنة الانتخابات هذه المرة، التي نظرت في طلب شطب النائبة حنين زعبي، قد انزلقت إلى ما هو أدنى من المستوى المتدني أصلاً لجلسات هذه اللجنة. فمجرد أن صعدت النائبة زعبي إلى المنصة لتقديم ردها على طلبات الشطب، فقد أعضاء اللجنة البقية المتبقية من صوابهم وقاطعوا خطابها عشرات المرات، وأطلقوا نحوها تصريحات عنصرية ونعتوها بالإرهابية والمخربة، ناهيكم عن إهانات شوفينية ذكورية مقززة أخرى. 

 

وقد وصلت ذروة الوقاحة حين قرأت النائبة زعبي جملة باللغة العربية،  فقبل أن تكمل وتترجم محتوها قال أحد أعضاء اللجنة: "أخشى أن تصرخي الآن الله أكبر وثم تفجري نفسك". رئيس اللجنة، سعادة قاضي المحكمة العليا سليم جبران، لم يجد أن من واجبه اتخاذ أي خطوة للدفاع عن حق النائبة زعبي في إسماع ردها على طلبات الشطب المشبعة بالعنصرية والافتراءات، سوى أنه حثها مرات عديدة بأن تنهي خطابها، ومطالبة أعضاء اللجنة مرارًا وتكرارًا أن يهدءوا  وأن "يمنحوه الاحترام، وأن يمكنوه من إدارة الجلسة".

 

وإن نظرنا بعمق إلى هذه الجلسات وإلى القضايا التي تطرح بها مرة تلو المرة، نلاحظ بوضوح أن القضايا المطروحة للنقاش هي: هل الرؤيا التي تطرحها الأحزاب العربية شرعية؟ هل يسمح للمواطنين العرب المطالبة بالمساواة الكاملة؟ هل من حقهم  التعبير عن تضامهم مع شعبهم في وجه الاحتلال والقمع العسكري الإسرائيلي؟ وكذلك أسئلة سياسية أخرى التي يجب ألا  تخضع لعلامات استفهام، على الأقل ليس أمام لجنة الانتخابات في إطار طلبات لشطب قائمة أو مرشح.

 

كما وتشكل التغطية في الإعلام الإسرائيلي لطلبات الشطب ومراحلها المختلفة، والتي تفوق بكثير التغطية الإعلامية التي يحظى بها نشاط أعضاء الكنيست العرب بشكل عام، استمرارا للتداول في الحدود التي تحاول المؤسسة رسمها لعملنا السياسي وتفتقد لأي نظرة نقدية حقيقية. وبما أن المواطنين العرب وقضاياهم غير قائمين على أجندات الأحزاب الصهيونية وشبه مغيبين عن  النقاش العام حول الانتخابات في إسرائيل، يصبح السياق الانتخابي الأساسي الذي يذكر به المواطنين العرب هو فيما إذا كان تضامننا مع شعبنا هو دعم لمنظمات إرهابية، وهل من المفروض أن نمنح  أصلاً حق المشاركة في الانتخابات أم لا.

 

العزاء الوحيد في كل هذا هو أن أعضاء الكنيست العرب، على المستوى الشخصي، يتمتعون  بقدرات أفضل من بقية أعضاء الكنيست، وبالتأكيد أفضل بكثير من أعضاء لجنة الانتخابات. بالتالي ينجح أعضاء الكنيست العرب وممثلوهم في تحويل هذا المحفل إلى منصة للتأكيد على مواقفهم ورؤيتهم، رغم كل الفوضى المحيطة بهم. هذا طبعًا لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على أعضاء اللجنة وقرارها، لكن برأيي قد تكون له أهمية عندما نأتي مستقبلاً لنقيم الجهود التي بذلناها لاستخدام كافة الأدوات المتاحة لتحسين مكانتنا وظروف حياتها في هذه الدولة، وقد يشكل وثائق للمجتمع الإسرائيلي إذا قرر يوما ما إعادة النظر وتقييم ذاته.

 

في السنوات الأخيرة، كانت الأغلبية في المحكمة العليا ضد الشطب كبيرة وواضحة، لكن ردها لم يكن به من الحزم ما يكفي للإشارة لأحزاب السلطة الامتناع عن تكرار هذه العملية الوضيعة. لكن إذا أرادت المحكمة العليا أن تأخذ موقفًا جديًا ضد قمع الأغلبية للأقلية، عليها هذه المرة ليس فقط أن تلغي شطب النائبة زعبي، بل أن تتطرق في قرارها إلى استخدام شطب الأحزاب والمرشحين كأداة للمماحكة السياسية وكأداة لكسب شعبية عشية الانتخابات. من جهة ثانية، علينا المطالبة بإخراج قضية شطب الأحزاب والمرشحين من صلاحيات لجنة الانتخابات وتحويلها إلى هيئة قضائية أخرى تنظر بالطلبات من وجهة نظر موضوعية وبناء على الحقائق والبينات  وتفهم قضايا ومصطلحات مثل أقلية، اختلاف وحقوق.