حرية التعبير في قفص الاتهام: قضية الشيخ كمال خطيب
في أيار 2021، أعتقل الشيخ كمال خطيب، القيادي في الحركة الإسلامية في الداخل بشقها الشمالي والمحظورة إسرائيليًا. وفقًا لتقارير إعلامية، جاء الاعتقال بعد قرار من مجلس وزراء الحكومة الإسرائيلية وتوصيات من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، الذين اتهموا خطيب بالتحريض على الإرهاب والعنف. عقب ذلك، وُجهت بحقه لائحة اتهام ذات طابع سياسي، مستندةً إلى أدلة ضعيفة، ومحاكمة التي امتدت لمدة تتجاوز الأربع سنوات.

تصوير عدالة.
خلفية القضية
في 14 أيار 2021، داهمت قوة كبيرة من وحدات الشرطة الخاصة الإسرائيلية بلدة كفركنا في الجليل الشمالي في الداخل، محاصرة منزل الشيخ خطيب بهدف اعتقاله.
جمع مركز عدالة شهادات حول عملية الاعتقال والتي وصفها شاهدون على أنها شبيه بغزو عسكري مُتكامل. اقتحمت قوات الأمن البلدة، بالتزامن مع انتشار للقناصة على أسطح المباني السكنية، وأيضًا سيطرت وحدات الشرطة والجيش على الشوارع والأزقة المحيطة بمنزل خطيب. ولم يكن هذا الاستخدام المفرط للقوة مبررًا بالنظر الى سلوك خطيب في الماضي، إذ كان يمتثل باستمرار للاستدعاءات الشرطية على مدار نشاطه السياسي الذي يمتد لعقود طويلة.
خلال المداهمة استخدمت قوات الشرطة والجيش الرصاص الحي والمغطى بالمطاط والقنابل المسيلة للدموع والمفرقعات الصاعقة على نطاق واسع في جميع أنحاء البلدة، مما أسفر عن إصابة عشرات الأشخاص، من بينها إصابات مزمنة.
لقراءة تقرير عدالة بخصوص أحداث أيار 2021 في كفركنا (صفحة 15)، اضغط هنا.
بعد المداهمة، قدّم عدالة شكوى إلى قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة (ماحش). وبالرغم من تعدد شهادات المصابين التي أكدت استخدام قوة مفرطة وبشكل غير قانوني، أغلق قسم التحقيقات القضية بعد عدة أشهر دون إجراء تحقيق جدّي.
لقراءة المزيد عن شكوى عدالة إلى قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة، اضغط هنا.
الاعتقال والإجراءات القانونية
في 27 أيار 2021، قدّمت النيابة العامة الإسرائيلية لائحة اتهام ضدّ الشيخ خطيب، مرفقةً إياها بطلبٍ لاعتقاله حتى انتهاء الإجراءات القضائية المتخذة بحقه. حيث ذكرت النيابة في لائحتها أنّ المتهم يشكّل خطرًا على أمن الجمهور وسلامته، مدّعيةً أنّ منشورات وتصريحات منسوبة إليه، والمتعلقة بهبّة الكرامة ، واعتداءات عصابات المستوطنين على المواطنين العرب في يافا واللد، والمسجد الأقصى، وأحداث تهجير حي الشيخ جراح، تُعتبر "دعمًا للإرهاب" و"تحريضًا على العنف والإرهاب" و"تماهيًا مع منظمة إرهابية". وقد صادقت محكمة الصلح على طلب النيابة بالإبقاء عليه رهن الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات القانونية.
بعد عشرة أيام، تقدّمت هيئة الدفاع، الممثَّلة بمركز عدالة ومنظّمة ميزان لحقوق الإنسان، باستئناف إلى المحكمة المركزية في الناصرة طاعنةً بقرار اعتقال خطيب، بالاستناد إلى ضعف الأدلة التي قدّمتها النيابة العامة، وإلى ما اعتبرته تطبيقًا انتقائيًا لإجراءات الاعتقال، التي تفُرض حصريًا على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
وبتاريخ 20 حزيران 2021، أي بعد نحو شهر من تقديم الاستئناف، قرّرت المحكمة إلغاء أمر الاعتقال والإفراج عن الشيخ خطيب بشروط مقيّدة، تمثّلت في منعه من استخدام شبكة الإنترنت، أو الظهور الإعلامي، أو إلقاء الخطابات، إضافةً إلى منعه من دخول بلدة كفر كنا لمدة خمسة وأربعين يومًا.
لقراءة قرار المحكمة الصادر في 20 حزيران 2021 [بالعبرية]، اضغط هنا.
التُّهَم والمحاكمة
استندت القضية الموجّهة ضدّ الشيخ خطيب إلى خطاب ومنشورين فقط التي تتعلق بالمسجد الأقصى وعنف الدولة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
- نُشر المنشور الاول على منصة "فيسبوك" في تاريخ 19/4/2021. حيث جاء في سياق الاعتداءات التي نفذتها الشرطة على شخصيات معروفة في مدينة يافا. وقد تضمن المنشور تنديدًا بالعنف الممنهج الذي تمارسه الشرطة بحق الناشطين، وتسليطًا للضوء على الاعتداءات التي استهدفت القيادات المحلية.
- أمّا المنشور الثاني فنُشر على منصة "فيسبوك" يوم 25/4/2021 احتوى على تحليل تاريخي وسياسي حذّر فيه الشيخ من أن التحريض المتصاعد، الانتهاكات الممنهجة بحق الفلسطينيين، اقتحامات المسجد الأقصى المتكررة، قد تخلق مناخًا يعيد إلى الأذهان ثورة البراق من عام 1929، وما رافقها من سقوط ضحايا بين العرب واليهود نتيجة التوترات التي غذّتها جهات اسرائيلية متطرفة. وقد حمّل الشيخ في منشوره المؤسسة الإسرائيلية المسؤولية عن تهيئة الأجواء لتكرار هذا السيناريو العنيف، محذرًا من النتائج الكارثية لمثل هذا المسار.
- وشملت لائحة الاتهام أيضًا خطبة ألقاها الشيخ كمال خطيب خلال فعالية نظّمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في تاريخ 11/5/2021، حيّا خلالها جموع المصلين الذين توافدوا إلى المسجد الأقصى للاعتكاف والصلاة، في محاولة لحمايته من اقتحامات الشرطة والمستوطنين، وبارك جهودهم ومواقفهم.
وادّعت النيابة أن هذه المنشورات تمثل دعمًا لمنظمات إرهابية وتشجيعًا على أعمال عنف، في سياق الأحداث التي شهدتها البلاد خلال تلك الفترة، زاعمة أن أقواله قد تسهم في إشعال الأوضاع الأمنية والتحريض على العنف ضد الدولة وقواها الأمنية في أيار 2021.
ادعت النيابة فيما يتعلق بالمنشور الثاني بأن خطيب سعى من خلال استحضاره للسردية الفلسطينية واستخدامه مصطلح "الشهداء" لتمجّيد ما يعرّف اسرائيليًا بالإرهاب. رغم أنّ الأحداث التي أشار إليها وقعت عام 1929، أي قبل عقود من قيام دولة إسرائيل وسن قانون مكافحة الإرهاب في عام 2016. ويجدر ذكر أنّ السرد التاريخي للأحداث عام 1929 الوارد في لائحة الاتهام نُقل مباشرة عن ويكيبيديا على ايدي النيابة الاسرائيلية، وهو ما يتناقض مع الدراسات التاريخية المحكّمة التي تنتقد مثل هذه الروايات باعتبارها غير دقيقة.
أما بالنسبة لخطاب الشيخ خطيب، فقد زعمت النيابة أنّ تصريحاته أشادت بالصواريخ التي أُطلقت من غزة، وأبدت تعاطفًا مع حركة حماس، وشجعت على العنف، ووصفتها بأنها تحريض وتماهٍ مع منظمة إرهابية.
بالمقابل طعن فريق الدفاع المكوّن من المحامي الدكتور حسن جبارين والمحامية هديل أبو صالح من مركز عدالة، إلى جانب المحاميين رمزي قطيلات وعمر خمايسي من مؤسسة ميزان، بادعاءات النيابة الاسرائيلية، مؤكدين أنها منزوعة من السياق. حيث أظهر الفريق بأن مثل هذه التصريحات تشكّل خطابًا سياسيًا ودينيًا مشروعًا، ويعكس الخطاب العام المتداول في المجتمع الفلسطيني، ولم تقترب من تحقيق الحد القانوني المطلوب للتحريض بموجب القانون.
***
امتثل الشيخ كمال خطيب في محكمة الصلح في الناصرة على مدار أربعة أيام من شهر شباط 2024. وبناءً عليه، أفاد خطيب بخصوص المنشور الأول أنّه قد شاهد أحداث الشغب في يافا عبر الأخبار، وأدرك أنّ بعض المصابين خلال الاشتباكات مع الشرطة كانوا من أصدقائه. وأوضح أنّه من خلال هذا المنشور أراد دعمهم علنًا، مؤكدًا أنّ هدفه لم يكن التحريض، بل إظهار التضامن مع ضحايا عنف الشرطة، حيث نُقل أحد المصابين إلى المستشفى نتيجة الإصابات التي تعرّض لها.
أما بالنسبة للمنشور الثاني من تاريخ 25 نيسان 2021، أوضح خطيب أنّ تصريحاته خلال أحداث أيار 2021 كانت تهدف إلى دعوة لاتخاذ إجراءات غير عنيفة ردًا على توغلات الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى، مؤكدًا أنّه وضع كلماته في سياق تاريخي أوسع.
فيما ذكر أنه وخلال الخطاب من يوم 11 أيار 2021 والذي ألقاه أربعة أيام قبل ذكرى النكبة ضمن فعالية نظّمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، ووثّق من خلال فيديو مُسجل وتم عرضه على المحكمة. ظهر في الفيديو خطيب وهو يتحدث إلى جمهور مختلط من الرجال والنساء حاملين الأعلام الفلسطينية، دون أي إشارات إلى حركة حماس أو علامات أو رموز تدل عليها. وكانت الدعوة الوحيدة التي وجهها هي المشاركة في مسيرة يوم النكبة في قرية اللجون الفلسطينية المهجّرة. وأوضح أنّ تصريحاته شكّلت نقدًا مشروعًا لتوغلات المستوطنين في المسجد الأقصى، والتي يراها تدنيسًا لقدسيته.
أوضح خطيب أنّ جميع نصوصه كانت تعبيرات مشروعة عن آرائه السياسية والدينية، ولا علاقة لها بأي سلوك إجرامي. وأضاف أنّ المسؤولية عن أعمال العنف التي وقعت في المسجد الأقصى خلال أيار 2021 تقع على عاتق إيتمار بن غفير والمستوطنين المتطرفين باعتبارهم المحرّضين على الأحداث.
***
أدلى عددٌ من الخبراء بشهاداتهم، لصالح دفاع الشيخ خطيب، مبيّنين من خلال تحليل سياقي مشروعية تصريحاته وأهميتها القانونية والسياسية .على سبيل المثال:
صرّح محمد بركة (رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية) أنّ تصريحات خطيب تعكس الخطاب السياسي الشائع للقيادة المحلية، وتتوافق مع المواقف العامة التي تتبناها الجماهير العربية ومؤسساتها التمثيلية.
صرّح الدكتور نهاد علي (رئيس قسم التعددية الحضارية في كلية الجليل الغربي ومحاضر في جامعة حيفا) أنّ التصريحات الثلاث المنسوبة إلى الشيخ خطيب تعكس خطاب الحركة الدينية-الوطنية بين المواطنين الفلسطينيين بشأن المسجد الأقصى. وأكد أنّه، رغم أنّ هذا الخطاب يختلف في صياغته عن خطاب الجماعات الفلسطينية العلمانية، لا يمكن تصنيفه كتحريض.
في تقييمه، أشار الدكتور علي إلى أنّ "اختيار الصياغة في النصوص الثلاثة المذكورة في لائحة الاتهام ليس شاملاً أو مطلقًا." وأوضح بشكل خاص أنّ هذه النصوص لا تشير إلى "جميع اليهود أو جميع اليمينيين،" وأنها "تنتقد عنف الشرطة" بدلاً من النظام الإسرائيلي ككل. كما أشار إلى أنّ التصريحات تؤكد على "الصلاة في الأقصى" باعتبارها "أفضل وسيلة لحماية قدسيته،" وهو ما يشكّل دعوة للدفاع السلبي. وبناءً عليه، خلص الدكتور علي إلى أنّ صياغة التصريحات لا تشكّل "دعوة نشطة لاتخاذ إجراء قضائي بحقه."
كما قدّم البروفيسور يوني مندل (وهو لغويّ وعالِم سياسة) نقدًا تفصيليًا لترجمات الادّعاء لتصريحات الخطيب، مشيرًا إلى وجود عدة تحريفات وعدم دقة. وقد حدّد أربع مشكلات رئيسية. أولًا، أشار إلى "التجاهل التام للذاكرة الجماعية العربية، والخطاب العربي، والمنظور العربي، والرؤية الاجتماعية-التاريخية-السياسية العربية،" وإلى "فرض التصوّر والمنظور الإسرائيلي." ثانيًا، أبرز أن ترجمات النيابة الاسرائيلية "تغفل حقيقة أنّ السيّد الخطيب يشير إلى أفعال المجتمع العربي، بما في ذلك تلك التي تنطوي على عنف، بوصفها ردودًا على أفعال المجتمع الإسرائيلي."
ثالثًا، لاحظ البروفيسور مندل أنّ "بعض الكلمات العربية (مثل شهيد وانتفاضة) تُركت دون ترجمة،" الأمر الذي "يُثير ردّ فعل عاطفي سلبي لدى الإسرائيلي، ويمحو السياق الذي أراده السيّد الخطيب، والذي يتمحور أحيانًا حول الضحية وردّ الفعل." وأضاف أنّه "تُضاف تفسيرات مُجرِّمة إلى كلماتٍ أخرى، ما يحوّل معناها إلى دعوةٍ مباشرة للفعل أو للعنف."
رابعًا، شدّد على أنّ "هناك عدّة إشكاليات محدّدة في الترجمة (بما في ذلك حذف مقطع من الخطاب في كفر كنا)، تجعل الترجمة عاجزة عن نقل منظور السيّد الخطيب وإشاراته بشكلٍ موثوق."
قدّم الدكتور إران تسيدكياهو (خبير في قضايا الأمن الإسرائيلي والحركات الدينية والمجتمع) شهادة حول تصاعُد وتيرة العنف في أيار2021. وأشار إلى أنّ سياسات الشرطة الإسرائيلية في تأجيج التوتّر، مثل منع الفلسطينيين من الجلوس في ساحة باب العمود في القدس الشرقية، قد ساهمت بشكلٍ مباشر في تصاعُد التوتّرات.
علاوة على ذلك، شدّد على أنّ حذف هذه السياسات من لائحة الاتهام يُنتج "سرديةً منحازةً للغاية، تتناقض حتى مع التغطية الإعلامية العبرية السائدة للأحداث، ومع الأبحاث الأكاديمية الرائدة في هذا المجال." ولخص أنّ "تصريحات الشيخ الخطيب تستند إلى السردية العربية-الإسلامية وتُعبّر عنها، وبالتالي لا يمكن فهمها من قِبَل المسلمين العرب بوصفها دعواتٍ إلى العنف."
***
كما أبرز فريق الدفاع الطابع التمييزي والانتقائي في تطبيق قوانين التحريض الإسرائيلية، مقدّمًا وثائق قانونية تتعلّق بأحداث أيار2021، ومفصّلًا عشرات الحالات التي حرّض فيها مواطنون يهود إسرائيليون ضدّ الفلسطينيين دون أن تُتّخذ بحقّهم أي إجراءات قضائية.
ويستند هذا الادّعاء إلى معطيات صادرة عن مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، تُظهر أنّه بين عامَي 2018 و2022 فتحت الشرطة 283 تحقيقًا جنائيًا بموجب المادة 24 من قانون مكافحة الإرهاب الاسرائيلي. ومن بين هذه التحقيقات، استهدفت 97% منها عربًا، 85% منهم من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وفي الفترة ذاتها، شملت التحقيقات أحد عشر مشتبهًا يهوديًا فقط. ومن أصل 88 لائحة اتهام ذات صلة تمّ تقديمها، كان 86 متهمًا (بنسبة 95%) من العرب، وثلاثة فقط من اليهود.
اللافت أنّ جميع الأشخاص الـ 65 الذين أُدينوا بجرائم "التحريض على الإرهاب" بموجب المادة 24 لقانون مكافحة الإرهاب كانوا فلسطينيين. كما، ظهر أيضًا أنه في عامَي 2023–2024، تركزت معظم القضايا التي فُتحت بموجب قانون مكافحة الإرهاب ضد فلسطينيين. ففي عام 2024 وحده، صادقت النيابة العامة على فتح تحقيقات ضد 288 مشتبهًا بتهمة التحريض على الإرهاب، ومن بين الـ 252 الذين وُثّقت تفاصيلهم، كان 92% منهم فلسطينيًا و8% فقط يهودًا. وفي ذلك العام، قُدّمت لوائح اتهام ضد 42 متهمًا فلسطينيًا، دون تقديم أي لائحة اتهام ضد مشتبهين يهود.
لقراءة تقرير مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست للفترة 2023–2024 [باللغة العبرية]، اضغط هنا.
لقراءة تقرير مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست للفترة 2018–2022 [باللغة العبرية]، اضغط هنا.
مع انقضاء قرابة أربع سنوات من انطلاقة المُحاكمة، تحديدًا في 30 آذار 2025، تقاعدت القاضية التي ترأست جلسات المحاكمة وذلك قبل أن تُصدر الحكم. وفي اليوم الأخير من مهلة الأشهر الثلاثة المخصّصة لإنهاء القضايا العالقة، أصدرت حكمها في 30 حزيران 2025 بإدانة خطيب، دون أن تقدّم أي تعليل أو توضح أي من التصريحات أو الأفعال شكّلت أساس الإدانة. وانتهى القرار بالملاحظة التالية: "سيتم إرسال تعليل الحكم إلى الأطراف، وسيكون متاحًا على [النظام الإلكتروني للمحكمة]."
على الرغم من الأدلة الواسعة التي قدّمها فريق الدفاع، رفضت القاضية طعونهم وأدانت الشيخ كمال خطيب بتهمتَي التحريض على العنف والتحريض على الإرهاب، وكلتاهما تحملان عقوبةً قصوى تصل إلى خمس سنوات سجنًا. بينما برّأته المحكمة من تهمة الانتماء إلى تنظيمٍ إرهابي.
في 7 آب 2025، قدّم فريق الدفاع التماسًا لرفض لوائح الاتهام وطالب بعقد جلسة فورية، مستندًا إلى المخالفات الإجرائية في الحكم وإلى إخفاق القاضية في تقديم تعليلٍ قانوني للحكم. وأشار الفريق إلى أنّ هذه المخالفات تنتهك الحق الدستوري للشيخ خطيب في محاكمة عادلة، وتثير مخاوف جدّية بشأن نزاهة الإجراءات وعدالتها.
عقب ذلك، وتحديدًا في 10 آب، أصدرت القاضية المتقاعدة نص الحكم المفصّل بعد انتهاء ولايتها القضائية، في مخالفة صريحة للقانون الذي يحدّد فترة أقصاها ثلاثة أشهر لإنهاء القضايا قبل التقاعد، وهي فترة انتهت فعليًا في الموعد المُشار إليه أعلاه. بعد ذلك بوقتٍ قصير، أحالت القاضية المتقاعدة الالتماس إلى رئيسة المحكمة المركزية في الناصرة، مشيرةً في ذلك إلى حكمها وتعليلها.
وفي 11 آب، حوّلت الرئيسة الالتماس إلى نائبة رئيس المحكمة، التي عقدت جلسة بشأن القضية في 15 تشرين الأول 2025. خلال الجلسة، أوضح طاقم الدفاع أن طلبه استند إلى الخرق الجسيم لمبادئ العدالة الإجرائية والمحاكمة العادلة، وحق المتهم في أن تُستكمل محاكمته أمام قاضٍ يتابع القضية منذ بدايتها حتى نهايتها. وبيّن طاقم الدفاع أن هذا الإجراء يفقد من صلاحية الحكم القانونية ويشكّل خللًا جوهريًا غير قابل للتدارك مُستقبلًا، إذ إن القاضية التي سمعت الشهادات والأدلة لم تعد مخوّلة قانونيًا باتخاذ قرارات أو التوقيع على أحكام بعد تقاعدها. وأشار إلى أن استمرار المحاكمة بعد هذه المخالفة يمسّ بثقة المتهم والدفاع والجمهور في عدالة ونزاهة القضاء، ويحوّل المحاكمة إلى إجراء فاقد للمشروعية.
ورغم هذه الخروقات، رفضت المحكمة الطلب، معتبرة أن الخطوات التي اتخذتها القاضية السابقة لا تُبطل المسار القضائي، وأنّ "مُلخّص الحكم" الذي قُرئ قبل تقاعدها كافٍ لإثبات صدور القرار ضمن الفترة القانونية، بينما لا يُعدّ نشر الأسباب لاحقًا خللًا جوهريًا.
من المقرّر عقد جلسة النطق بالحكم في 7 كانون الأول 2025.
لقراءة الالتماس المقدَّم في 7 آب لرفض لوائح الاتهام [باللغة العبرية]، اضغط هنا.
لقراءة القرار الصادر في 15 تشرين الأول [باللغة العبرية]، اضغط هنا.
ما وراء القضية
تُبيّن لائحةُ الاتهام ضدّ الشيخ خطيب الطبيعةَ السياسية والانتقائية في قضايا التحريض في الداخل، ولا سيّما تلك الموجّهة ضدّ القادة المحليين. فقد قامت القضية على تجريم السرديات الدينية والتاريخية والوطنية الفلسطينية، دون أدلة ملموسة تُثبت وجود نيةٍ للتحريض أو وقوع ضررٍ فعلي. ويعكس ذلك توجّهًا أعمق في المنظومة القانونية الإسرائيلية، ينظر إلى الهوية السياسية والتاريخ الفلسطيني باعتبارهما مصدرَ تحريض في حدّ ذاتهما.
من خلال تبنّيها لإداعات النيابة الاسرائيلية في عرض القضية، انحازت المحكمة إلى السرديات الإسرائيلية اليهودية المهيمنة. فعلى سبيل المثال، وصفت ثورة البراق على أنّها مجزرة بحقّ اليهود فقط، متجاهلةً حقيقة أنّ العنف آنذاك أودى بحياة كلٍّ من اليهود والفلسطينيين.
ورغم انتقادها بعض أوجه أداء النيابة، مثل غموض التهم وضعف الترجمات، فإنّ المحكمة منحت الأدلّة التي قدّمتها النيابة أولويةً على شهادة الخبراء وأدلة الدفاع، ما رسّخ تسلسلاً هرميًا يُعيق قدرة الدفاع على مواجهة أفعال الدولة بفاعلية في الإجراءات الجنائية.
إنّ الاضطهاد السياسي الذي يتعرّض له الشيخ خطيب ليس حادثةً معزولة؛ إذ استُخدمت أساليب مشابهة لإسكات التعبير عن الذاكرة التاريخية والهوية الوطنية الفلسطينية، مثل إحياء ذكرى النكبة أو إدراج التاريخ الفلسطيني في المناهج الدراسية. ففي إسرائيل، يُستَخدم القانون بشكلٍ متزايد كسلاحٍ لنفي الحقوق، وتقييد المشاركة السياسية، وقمع السردية التاريخية الفلسطينية.
لقراءة المزيد حول قانون مناهضة النكبة، اضغط هنا.
***
كما أشار البروفيسور مندل، "تستند لائحة الاتهام إلى ترجماتٍ مشوّهة تتجاهل السردية التاريخية وتسلسل الأحداث كما عرضها السيّد خطيب نفسه… فالسردية التي يقدّمها تعبّر عن منظورٍ عربيّ معترفٍ به ومشروع، وهو منظور موثّق على نطاقٍ واسع في وسائل الإعلام العربية، وشبكات التواصل الاجتماعي، والكتب، والكتابات الأكاديمية."
إنّ هذه السردية، المتجذّرة في التاريخ والهوية والذاكرة الجماعية، تُجرَّم اليوم وتُعامَل كجريمة. فلم يكن اعتقال الشيخ كمال خطيب وتقديمه للمحاكمة نتيجة تهديدٍ حقيقيّ للأمن العام، بل محاولةً لمحو الهوية الوطنية الفلسطينية. وتُظهر هذه القضية ميل المحاكم الإسرائيلية إلى تبنّي السرديات الرسمية للدولة، حتى عندما تستند إلى مزاعم منحازة وترجمات مشوّهة.
تُبرز قضية الشيخ خطيب بوضوح كيف تُستخدم قوانين التحريض لاستهداف الفلسطينيين، إذ تُحوِّل هذه القوانين الانتقاد المشروع، والتعبيرات الدينية، والإشارات التاريخية إلى أفعالٍ جنائيةٍ يُعاقَب عليها بالقانون.
بيانات صحفية متعلقة:
- المحكمة ترفض طلب الدفاع بإلغاء لائحة الاتهام بحق الشيخ كمال خطيب .(19.10.2025)
- غدًا الإثنين الساعة 15:30| محكمة الصلح في الناصرة ستنطق بالحكم في قضية الشيخ كمال خطيب (29.6.2025).
- ترفض النيابة الإسرائيلية الكشف عن تقرير داخليّ لأحداث اعتقال الشيخ كمال خطيب للدفاع أو للمحكمة (8.2.2022).
- ابتداء جولة الدفاع في محاكمة الشيخ كمال خطيب.
- محكمة الصلح في الناصرة تدين الشيخ كمال خطيب استنادًا إلى منشورات سياسية خلال هبة أيار 2021 (30.6.2021).
- إطلاق سراح الشيخ كمال خطيب (20.6.2021).
- تمديد اعتقال الشيخ كمال خطيب استمرارا للحملة الشرطية "قانون ونظام" التي تهدف الى ترهيب وردع الناس (10.6.2021).
- تعقيب مركز عدالة حول تأجيل القرار بشأن اعتقال الخطيب وابقائه رهن الاعتقال حتى 8/6/2021 (31.5.2021).
- تقديم لائحة اتهام ضد الشيخ كمال خطيب (27.5.2021).





